الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون القومية اليهودية وصراعات القبائل العربية

جواد بولس

2018 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


قانون القومية اليهودية وصراعات القبائل العربية

جواد بولس

لم تشهد البلدات العربية في إسرائيل أية ردة فعل احتجاجية لافتة في أعقاب المصادقة على قانون أساس : "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"؛ وقد تكون التظاهرة اليهودية -العربية التي جرت في تل أبيب، مساء يوم الاثنين المنصرم، الحدث الشعبي الأبرز حتى الآن، والصرخة التي كشفت عن صمم القيادات السياسية العربية المزمن. ولقد عرّت، كذلك، عجزها البنيوي وعدم قدرتها على تحريك "الشارع" وإخراج أفراده من حالة فقدان الثقة وإنقاذهم من نتائج ممارسات بعضهم لفنون الرياء السياسي المنتعش، في ظل وحدة معوّقة وواهمة كما سيرد لاحقًا .

لقد توقعت، ككثيرين مثلي ، هذه النتيجة، وأكدّت في مقالتي السابقة أنه "لن يراهن عاقل على ما قد يحدث قريبًا، وسيبقى أقوى الاحتمالات الواردة ألّا نلمس تحركات ثورية ومؤثرة" .

لم يكن ذلك من باب التكهن النزوي أو التنبؤ الافتراضي، فتشخيص حالة العقم السياسي في مجتمعنا العربي تم منذ سنوات، وأعراضه ظهرت في كل مرّة فشلت فيها تلك القيادات بالتصدي لقطار العنصرية المندفع بجنون والمتقدم من محطة إلى أخرى، دون أن تنجح مؤسسة أو حزب أو جهة بتعطيله أو بعرقلته؛ إلى أن وصل، كما نرى في أيامنا، إلى محطته قبل النهائية واسمها "إسرائيل دولة يهودية فوق الجميع".

لم تحدث انهيارات البنى السياسية والاجتماعية فجأة، ولن نتطرق هنا إلى مسبباتها التاريخية، لأن ما يعنينا في النهاية هي نتائجها التي تستوجب المعالجة بجرأة وباستقامة وبوفاء.

لقد أُصبنا في الثلاثة : "لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل" و "القائمة المشتركة" و"اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية".

كانت خسارة المجالس البلدية والمحلية من علامات "الآخرة" السياسية، حيث أدّت باكتمالها إلى تقويض دور لجنة الرؤساء في تأمين سلامة مجتمعاتنا المحلية وحمايتها؛ ومن هناك، كما كتبنا، بدأت مواسم حصاد الهزائم!

كان من المفترض، في مثل هذا الواقع، أن تضاعف لجنة المتابعة العليا من قوتها ومن تأثيرها على مجريات الأحداث في مجتمعاتنا، خاصة بعد أن اضطرت الأحزاب والحركات السياسية المؤمنة بالعمل البرلماني خوض تجربة العمل الوحدوي من خلال "القائمة المشتركة" التي توقع الجميع إسنادها للجنة المتابعة.

لم يحدث هذا وبرأيي لن يحدث، فلماذا؟

لجنة المتابعة واحتجاجات "الكوتتج" !

اجتمعت لجنة المتابعة العليا يوم الثلاثاء المنصرم ونشرت بيانًا ضمّنته دعوتها الجماهير الواسعة للانخراط في رزمة من الفعاليات الاحتجاجية المتنوعة التي ستغطي فترة الأيام القريبة القادمة.

لم يجفّ حبر البيان حتى قامت عدة جهات بانتقاده مباشرة ووصمه بالتقليدي والمكرور الذي لم يستحدث أي وسيلة نضال جديدة ترقى إلى مستوى الحدث.

قد يكون ما كتبه في هذا الصدد السيد مراد حداد القيادي في حزب التجمع، (وهو ليس وحيدًا، فقبله كتب زملاؤه مثله وأكثر في حق لجنة المتابعة والمؤسسات القيادية الأخرى) هو الأحدّ والأبرز، فبرأيه "كل احتجاج لا يحمل طابع المواجهة مع المؤسسة لا يعوّل عليه". ثم يضيف بحدة وبقساوة قائلًا: "لقد سقطت المتابعة مرّة أخرى بقرارات جوفاء وباحتجاج ضعيف يشبه إلى حد ما "احتجاج الكوتتج" .. المتابعة أصبحت جسمًا مشلولًا يتحكم به ثلة من أتباع التعايش الوهمي والتذلل لسلطة أبو مازن" .

لا تستطيع المتابعة إغفال هذه الاتهامات الخطيرة، خاصة وهي تكال بحقها على لسان قياديين بارزين في حزب يشكل أحد مركباتها الأساسية، وتُعلن من قبلهم بناءً على مواقف حزبهم المبدئية ازاء مسألة تعريف جوهر الصراع ووسائل النضال في مواجهته.

قد تكون المصادقة على قانون "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" من المفارقات الفريدة التي ستفرض على القوى السياسية العربية، وعلى الحركات الإسلامية في إسرائيل، إزالة الطلاء عن بعض المفاهيم المؤسسة عند كل فريق وفريق منهم، وتجبرهم، بالتالي، على العودة إلى أصول التمايز واختلاف الرؤى والعقائد بينهم.

ومع أن هذه الاختلافات العقائدية الأساسية كانت قائمة بينهم في فترة "العدة" الوحدوية (بين الشيوعيين/ الاشتراكيين، والقوميين والإسلاميين) وكانت مصبوغة بحكم المصلحة ومؤجلة بفرض الواقع، إلا أن سفور القانون الجديد وتحدياته المستفزة لن تسمح لهم ، على ما يبدو، بإبقائها تحت ظل التوافق المصطنع وفي ثنايا المصالح الآنية "المشتركة" وعند أقدام ضرورات "التقية" ومنافع المراوغة.

فحزب التجمع، وعلى لسان معظم قيادييه، يرفض حصر الصراع في مسألة المواطنة ودولة المواطنين؛ ويرى معظمهم بضرورة "تفكيك المشروع الصهيوني الاستعماري وبناء دولة ديمقراطية واحدة" دستورَ إيمانهم وأساسَ برنامجهم السياسي، ولذلك يجزمون، كما رأينا، بأن " كل احتجاج لا يحمل طابع المواجهة مع المؤسسة لا يعوّل عليه" ؛ لا كما دعت لجنة المتابعة في بيانها للنضال الاحتجاجي السلمي ومن دون "استقدام المواجهة مع المؤسسة".

فهل في مثل هذه المواجهة بين موقفين مبدئيين مختلفين، يستطيع رئيس لجنة المتابعة تفادي اتهامه، غير المحق، وزملاءه بكونهم " ثلٌة من أتباع التعايش الوهمي والتذلل لسلطة أبو مازن" ومن مروّجي نضالات "الكوتتج" ؟

الدول زائلة والعقيدة باقية

لم يكشف قانون الدولة القومية اليهودية عمق الخلاف بين حزب التجمع وبين مركبات أخرى في لجنة المتابعة فحسب، بل عاد وأكد، على الضفة الثانية، على مزيد من الخلافات وتضادها الجوهري بين معظم تلك المركبات وبين ما تؤمن به الحركة الإسلامية، وهي أيضًا مركب هام آخر من مركبات لجنة المتابعة.

فبخلاف ما يؤمن به حزب التجمع، يؤمن الإسلاميون أن الصراع هو صراع ديني على الأرض وبأن منطق التاريخ يقول: "لا بقاء للدول، وأنّ صعود الدول وزوالها واندثارها هي مسألة وقت..لكن الذي لا يذهب ويبقى هي الأرض وما ينزل من السماء، هي العقيدة"، كما نشر الشيخ كمال الخطيب في أعقاب المصادقة على القانون.

وإذا كان الحال هكذا، فكيف بمقدور رئيس لجنة المتابعة السيد محمد بركة، وهو القائد الشيوعي العتيق وابن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التجسير على هذه الفوارق الجوهرية، والنجاح بوضع برامج عمل نضالية حقيقية لا توفيقية كما حدث ويحدث وسيحدث باسم وحدة لجنة المتابعة والمحافظة عليها ؟

فلماذا ستبقى هذه الوحدة مقدسة حتماً؛ بينما سيبقى العمل الحقيقي مشلولا ومصيرنا، كمواطنين في دولة تستوحش بلا هوادة، مرهونا بين سماء فيها للجميع حصة، وبين همّة أمة تأكل أبناءها وبعضها؟

وكيف يمكن تحقيق برامج نضال دسمة "وغير نباتية"، إذا كان جزء كبير من الشركاء يعتقد أن شركاءه في النضال ليسوا أكثر من مجرد ثلة واهمة وتابعة ؟

وكيف يمكن لأعضاء "القائمة المشتركة" أن يعطوا كل ما في وسعهم مع شركاء يحرّمون عليهم العمل من داخل البرلمان الصهيوني ويتّهمون بعضَهم بالعمل "لصالح المشروع الصهيوني نفسه أكثر مما هو لصالح شعبنا" ، كما جاء في مقالة الشيخ كمال الخطيب المذكورة ؟

كتبت، قبل سنوات ،عن خشيتي من أن "يكون ضعفنا في وحدكتم"، وكم أخاف اليوم أن يكون حدسي قد صدق !

فالخلافات بينكم أخطر مما توقع المتفائلون بيننا وأقوى من محاولاتكم لتدثيرها في أغطية من الأماني وباقات الوعود.

يستوجب غياب الشارع عن ميادين النضال ضرورة مراجعتكم للتجربة واستخلاص النتائج والعبر؛ فالوحدة بين المقموعين ضرورية لكن "التجارب مسنات" والنتائج تصرخ مع كل رصاصة وقانون.

فنعم للوحدة ولكن بشرط ألا تكون مهزوزة ومعطلة؛ونعم للشراكة، ولكن فقط إذا تعانقت المقاصد وتوافقت الغايات ولم تعد غاياتكم سببا للعجز وللصمت ومسوغا لتراتيل السراب.

وأخيرا، تستطيعون انتقاد نكوص المؤسسات القيادية وقصورها، لكنني لا افهم كيف تفسرون فشل أحزابكم بإخراج مظاهرة واحدة يتجمع فيها عدد أشخاص اكبر من عدد من يشاركون بعض القادة والوجهاء، أفراحهم أو أحزانهم ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القانون لا يمكن تطبيقه يهودية إسرائيل غير ممكنة
أفنان القاسم ( 2018 / 8 / 3 - 17:02 )
بل هي مستحيلة وحوالي عشرين بالمائة من مواطنيها عرب وثلاثة مليون عربي تحت الاحتلال، إنها زوبعة سياسية في كأس ماء لن تلبث أن تهدأ بعد الانتخابات، وأنت كعادتك اغترفت من السائد ما يسعد قلمك بدلاً من أن تحطمه بأفكارك الجديدة ونهلت من الأمر الواقع ما يحزن قلبك بدلاً من أن تثور عليه بحلولك العقلانية!!! أنا مع الاندماج وليس هذا منذ اليوم أنا مع الاندماج منذ سنين طويلة، ولو حققتم ما أطالبكم به لما تجرأ واحد خرع كنتنياهو وعصابته بتمرير مثل هذا القانون العنصري، وتحقيق الاندماج لا أسهل من خارج الشللية الحزبية والدينية، فالاندماج على أرض الواقع بين عرب ويهود حاصل، فقط قم بدورة صغيرة في أحياء صفد، أقول صفد لأني أعرف جيدًا علاقات مواطنيها كل مواطنيها ببعضهم، واتركنا من كل الإيديولوجيين المهسترين من عندنا وعندهم...


2 - الى افنان القاسم
خالد ( 2018 / 8 / 3 - 18:55 )
يا اخي الصهاينة يعلنون قولا وفعلا لا نريد الاندماج معكم وانتم مجرد ضيوف في ارضنا ثم تأتي وتقول نريد الاندماج معكم غصب عنكم. في أي عالم تعيش؟ يبدو انك غير مدرك لخطورة الاوضاع هناك


3 - أنت في أي عالم تعيش يا خالد؟ الاندماج قائم!
أفنان القاسم ( 2018 / 8 / 4 - 08:57 )
فليرفع المهسترون من شللكم الحزبية والدينية أيديهم عنكم، فيكون الاندماج غصبًا عن رب نتنياهو وليبرمان وباقي المهسترين من متطرفيهم، الدروز اندمجوا، ففي أي عالم تعيش أنت، العنترية القومجية تاعكم اتركوها، وتعاملوا مع إسرائيل كما نتعامل نحن مع فرنسا تجدون مكانكم الطبيعي فيها، وما الأوضاع خطيرة إلا في المخيلات العقيمة!!!!!


4 - الى افنان
خالد ( 2018 / 8 / 4 - 14:08 )
الاندماج الذي تتحدث عنه هو ليس اكثر من تبعية تفرضها موازين القوى. الصهيونية في حد ذاتها مبنية على فكرة ان اليهود هم اسياد البلد لا اندماج ولا تعايش حقيقي مع السكان الاصليين. كيف تقارن هذا النموذج المتخلف للدولة بدولة عظيمة مثل فرنسا. يبدو انك منفصل عن الواقع والتاريخ تماما


5 - انت مين انت المحامي إياه؟؟؟ يا هلا بالنشامى!!!
أفنان القاسم ( 2018 / 8 / 4 - 14:29 )
يا رجل مجرد أن يمشي القانون العنصري مع شوية أكتر من نصف الكنيست يلزمك تفهم يا أستاذ إنه نُص إسرائيل معكم، وخليني بقى صهيونية وما أدراك، كن واقعيًا أنت مع واقعك هنا والآن... وتوقف رجاء عن حوار الطرشان، يا تاريخي!!! أنا لن أرد عليك مهملك على طول وعلى عرض وعلى دولة عظيمة كفرنسا!!!

اخر الافلام

.. مصر تكثف اتصالاتها لوقف حرب غزة.. وتنفي -نقل معبر رفح-| #مرا


.. كيف يمكن توصيف ممارسات الاحتلال واستخدامه لأسرى دروعا بشرية




.. اللواء فايز الدويري: لا أعتقد أن الاحتلال قادر على أن ينجز ع


.. أحداث شغب و تخريب بولاية قيصري التركية بسبب شائعة اعتداء سور




.. الرئيس الفرنسي وزوجته يمشيان بملابس غير رسمية في شوارع لو تو