الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سيبكي الأشجار بعد موتنا ؟!

دعد دريد ثابت

2018 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


من معتقدات سكان الأمازون الأصليين، أنّ روح الميت تنتقل بعد موتها للأشجار، ويالجمال هذه الفلسفة وقربها للحقيقة. يمارسون طقوس توديعهم لروح الفقيد، بقطع بضع جذوع من الأشجار، وتقشير وسطها وتلوينها برموز مستمدة من حياتهم والطبيعة المحيطة بهم، ليحتضنوا هذا الجذع ويبكوه الماً لفقدانه. ومن ثم يرقصون رقصات خاصة أطفالاً، نساءاً ورجالاً حتى إنبلاج الفجر، عندها تكون روح الميت - الشجرة -، قد غادرته الى عوالم أخرى مابين الشمس والقمر. وتكون مناسبة أيضاً في إستقبال القبائل الأخرى، لفض النزاعات وحسم الخلافات، ولكن بطريقة نوع من المصارعة الحرة، والتي تعتمد فقط على مس ردف الغريم. لتنتهي المسابقة، لأنهم يمقتون العنف والقتل، ويعتبروه لايليق الا بالمخلوقات الأدنى مرتبة، والمقصود هنا الحيوانات ( أتسائل ماذا يعني لهم موقعنا في مرتبة المخلوقات؟).
هذه القبائل مهددة بالإنقراض التام، وليس ماأذكره هو نوع من الخيال العلمي، ولا نوع من التشاؤم. فغابات الأمازون ومنذ بداية السبعينيات تتعرض للإبادة المنظمة، وأقول إبادة، لأن علينا بالفعل أن نعتبرها بشر، وذلك لأهمية هذه الغابات في الحفاظ على الكرة الأرضية من الجفاف والتصحر المناخي.
ومنذ أن أبتدأت شركات الذهب والى اليوم، بهذا التدمير وإستعمال الزئبق لفصل الذهب عن المعادن الأخرى، وماأدى ذلك من تلويث الأراضي ونهر الأمازون، الى حرمان سكان البلاد الأصليين من فقدان موارد عيشهم من الحيوانات التي كانت تقطن هذه الغابات، وأختفت بإختفائها. وماأدى ذلك الى تفكيك هذه القبائل وإضطرارهم للعيش مع البيض كما يسمونهم، وموت الكثير منهم، لعدم إمتلاكهم المناعة الطبيعية من أمراض البيض البسيطة كالإنفلونزا وغيرها، الى نسيانهم عبر الأجيال لغاتهم وعاداتهم.
لم يكن حصراً هذا التدمير وزهق روح الأمازون على شركات الذهب، بل تعداها الى شركات الأخشاب التي أقتطعت الملايين من الأشجار والتي تحتاج الى عشرات بل مئات السنين حتى تنو الى هذه الإرتفاع الشاهق المعروف عنها. وكذلك المزارعين، فإزدياد أعداد السكان البيض، دفعهم للهجرة وإستصلاح أراضي الغابات ويحولوها الى مزارع تطعمهم ومواشيهم .
وهكذا يستمر الإنسان بغبائه وقبح أنانيته بإستنزاف آخر قطرة وعرق من من شرايين الأرض، ولايهتم بنزيفها الذي سيؤدي اللى موتنا جميعاً وإن ببطئ.
فالكل يلهث خلف القشور والمظاهر، فلايكتفي بحاجة، الا ولهث خلف آخرى أحدث منها.
فالسيارات تجدد بأحدث موديل، أجهزة المحمول، الأثاث يجدد لأنه لم يعد يماشي العصر، الملابس التي تُقتنى بالأطنان لتُرمى على أبعد حد في الموسم التالي، وحتى الكتب بدل إنشاء مكتبات وإستعارتها. وحتى الطعام، الذي يُشتري بكميات ليرمى بعد أن يفسد. إستخدام البلاستك وعدم إنشاء التقنيات لتكريره، والكهرباء التي تستخدم وخاصة في أيام الصيف بجنون. فكل الغرف منارة وكل أجهزة التبريد شغالة. وكذلك المياه التي تهدر بلا فائدة، الصناعات التي تغتني من إستهلاكنا المجنون والتي تلوث الأنهار، السيارات التي تستهلك البنزين عوضاً عن إستخدام مصادر متوفرة وغير مؤذية للطبيعة والبشر، كالطاقة الشمسية، أو إستخدام الدراجات مثلاً، ناهيك عن الحروب التي سببها هذا البلاء وهو النفط.
وفي نهاية الأمر كل هذا اللهاث العابث، والأغنياء يزدادون غنىً، والفقراء فقراً، لماذا؟
لأننا بلا وعي، فكلنا مذنب. ولا أعني بهذا بلد معين. فكل سكان الأرض ماعدا بالطبع سكانها الأصليون الغير ملوثين بلوثة الغباء المجنون هذا، مشاركون بجريمة قتلهم هذه الأرض، الشجرة وأنفسهم.
ولا أستثني حتى من يعتبر نفسه من المثقفين وحاملي الشهادات. فإن لم يشعر كل إنسان بسؤوليته تجاه إنسان آخر حتى لو كان من غير بلد أو جنس، وإن لم يشعر الأوربي مثلاً بمسؤوليته تجاه جفاف الأهوار في العراق، والأمريكي تجاه وباء الإيبولا في أفريقيا، والعربي تجاه إنتشار الفاشية في أوربا، ويسعى الجميع لتغير نمط وأسلوب حياتهم، وإتباع ذلك كطريقة عيش دائمية ويكونوا قدوة لأولادهم ليحذوا حذوهم، فسيكون خرابنا ليس ببعيد.
وما موجة الحر في أوربا في السنوات الأخيرة، وخاصة هذا العام، وماسببته قلة هطول الأمطار مع إرتفاع درجات الحرارة بشكل غير مألوف تجاوزت الحد الطبيعي، والذي أدى الى نشوب الحرائق في غابات السويد وفنلندا، بشكل لم تعرفه غير القارتين الأمريكية والأسترالية من جراء الجفاف. وذوبان كتل ثلجية ضخمة في القارتين القطبيتين، الا دليل على هذا الإحتباس الحراري وتغير المناخ، الذي سيؤدي للدمار التدريجي بدءاً بالنبات، الحيوان والأسماك وصولا الى الإنسان والأمراض التي ستفتك به بالإضافة الى مصادر رزقه، ويؤدي الى تفاقم الفقر والأمراض الى نهاية مريعة ربما يصعب تخيلها الآن، لكن حروب المستقبل وقد أبتدأت اليوم ستكون على مصادر المياه وليس النفط.
سيناريو ليس خيالي أبداً. وإنما عبثنا وغباؤنا هو من سيجعله واقعاً حقيقاً.
وفي نهاية الأمر، ربما سيكون القمر والشمس والنجوم هم الوحيدين من سيحضرون جنازتنا، ولكنهم ربما، سيبكوننا بصمت !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في