الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني كجوهر ثقافي في حياة الشعوب

كرم خليل

2018 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


أحياناً ننظر إلى الواقع الهش الذي نعيش فيه , ونأسف متسائلين ما سر هذا التردي والانحطاط المستمر في واقعنا العربي عموماً و(السوري خصوصاً), ما الشيء الخاطئ الذي نقوم به , ولم ندركه للآن ؟!,والذي حال دون تطورنا كمجتمعات , ودون تطورنا كدول , للأسف إنها التربية !
فللتربية دور مهم في حياتنا كأفراد وفي حياة مجتمعنا وتطوره , فإلى أي مدى استطعنا النمو بالفرد ليكون في مكانه الصحيح له والذي يجعله منتجاً بحق! , لا مجرد رقم جديد يضاف إلى آلاف الأرقام السابقة عليه , والتي ظهرت وحذفت دون أي بصمة تذكر لها , هل هذا هو نحن ؟ وهل هذا هو الذي نسعى إلى تحقيقه ؟
نحن دائماً نتغنى بأمجادنا السابقة وندعو الأجيال للسير على خطاهم , ولكننا بذلك أهملنا جانباً مهماً , أي عوامل التغير في الزمان والمكان , والتطور الفكري والعلمي الحاصل في العالم أجمع , إذ إننا وللأسف لازلنا نعتبر أنفسنا مركز العالم ومحوره , ولذلك لازالت حكوماتنا منذ حقبة من الزمن وللآن تدعي الاهتمام بالتربية والتعليم, انطلاقاً من القيمة المزيفة لشعوبنا ,ولكنها في الحقيقة لا تهتم إلا بالربح المادي لها وللواصلين في مؤسساتها والذي يرسخ نفوذها في ظل منظومة أهملت المجموع وضحت به لأجل الفرد , فليس اهتمامها نابعاً من خطة سياسة تهدف إلى بناء المجتمع وتطوره, وإنما تتمحور ضمن سياسة الفرد الواحد والخصخصة وفق مصالح فئة معينة بذاتها ولذاتها , فنرى هذه الفئة القليلة من الشباب التي تابعت تحصيلها العلمي , تتجه وبدافع من أسرها والواقع الاجتماعي الذي رسخ الأنا وحب الذات إلى التحصيل العلمي العالي , لكن الهدف ليس العلم وتطوره , بل البحث عن مجال للعمل يدر أرباحاً وفيرة على الفرد أكثر من مجال الأعمال الحرة والسفر , الذي تعتنقه الغالبية العظمى من شبابنا العربي , كفرصة لرفع مستوى معيشتهم كأفراد , وهذا ما أدى إلى الاهتمام الزائد بمجالات الطب والهندسة على تنوعها, فلم يعد اهتمام الفرد والأسرة هو السعي لبناء المجتمع وتطوره , بل كيف أحصل على المال , وما المجال الذي يحقق لي ذلك ؟!
للأسف أدرك العالم الغربي سر تراجعنا وتردينا في غياهب الجهل والضياع, إلا أننا وللآن ما زلنا عاجزين عن رؤية الحقيقة , فها هي السفيرة البريطانية (جين ماريوت) تقول في تقريرها عن التعليم في العالم العربي في مجلس العموم البريطاني :
إنّ النظام التعليمي في العالم العربي والسوري خاصة يؤدي إلى مفارقات مدهشة بالنسبة إلى الخريجين :
فطلاب الدرجة الأولى من الأذكياء يذهبون إلى كليات الطب والهندسة, بينما خريجو الدرجة الثانية يذهبون إلى كليات إدارة الأعمال والاقتصاد وبذلك يصبحون مدراء لخريجي الدرجة الأولى , في حين خريجو الدرجة الثالثة يتجهون للسياسة فيصبحون ساسة البلاد ويحكمون خريجي الدرجتين الأولى والثانية, وهذا يعد فشلاً بحد ذاته حين يتطبع الجيل بأفكار مغلوطة , فلا يكون عمله بناء على قدراته وإمكاناته , وإنماً وفقاً لما يُتاحُ له من فرص , فمن الناحية العلمية ليس التحصيل العلمي وفق منظومة تعليمنا المزري دليلاً على النجاح والتفوق , فهي تقيس القدرات الفردية للطلاب وفق سوية واحدة تهمل التنوع والفروق الفردية , التي هي جانب مهم يكشف ميول الطلاب لاختيار الاختصاص المناسب وفقاً لقدراتهم ليبدعوا فيه , وهذا سبب رئيسي في تضاءل أعداد الخريجين النظاميين إلى نسب لا تتجاوز 10% أو أقل من ذلك ,إضافة إلى الانتشار الكبير للرشوة والوساطة, مما أدى بالبعض إلى ترك التعليم بعد يأسهم من تحقيق النجاح فيه .
أما الفاشلون في دراستهم فيلتحقون بالجيش والشرطة فيتحكمون بالسياسيين، فيطيحون بهم من مواقعهم أو يقتلونهم إن أرادوا, وبذلك يصبح الحكم بيد مجموعة من الأشخاص الذين لا يفقهون شيئاً , سوى القتل والتدمير لكل من يعارضهم في الرأي ,أما المدهش حقاً والملفت للنظر هو أن الذين لم يدخلوا المدارس أصلاً سيصبحون شيوخاً , يعتلون منابر المساجد مسيسين وفقاً لمصالح فئة معينة ليأتمر الجميع بأمرهم , فيصبح الحكم وتصريف شؤونه بيد هؤلاء الذين يحكمون باسم الله لصالح فئات لا تمت لله بصلة , وذلك نتيجة لضحالة ثقافتنا ووعينا بما هو حق , وتبعيتنا العمياء لرجال الدين المزعومين .
ونتيجة لهذا التفكير المتخلف امتلأت حقبتنا بالمفارقات الكبرى، والتي أعطت الصلاحية في ظل غياب رواد الإصلاح أو تغييبهم لرموز التطرف الأصولي , باعتبارهم يقدمون الأيديولوجية الشعبية الأبسط من جهة والصورة الأردأ من جهة أخرى عن الإسلام والمسلمين لكل خصم, فَصُنِعَ الخطاب المنغلق والمتأخر, وذلك لأننا لا نعلم بكتابات المتنورين الذين يعنون بحقوق الإنسان في الإسلام , وهذه الحالة من التعتيم هي حالة تجاوز حقوقية، وصيرورة معرفية مبتذلة وغير مجدية , لمجتمع لا يقرأ بل يأخذ معرفته بالتلقين والتطبيع .
والسؤال هل ستكون هناك ولادة للإنسان الحق , الذي يعصف بكل الأفكار والمعتقدات التي منعت العقل العربي من التنوير والوعي, ليتجاوز كل المشكلات الاجتماعية والسياسية , ويحتفل كما الشعوب الأخرى بيوم لايمحو ذكراه الزمن .
حيث يصبح هذا اليوم سبباً ليحتفل العالم المتحضر به كل عام , يحتفل بالعالم العربي الذي أنجز مشروعه الوطني الديمقراطي والإنساني وأصبح سيد حياته ومصيره, وقادراً على إعادة صياغة العالم وفق مصالحه , بتحرره من السياسات الرجعية المتخلفة , ومن العقائد والخرافات الاجتماعية التي تحط من قيمة العقل الإنساني وتجعله منغلقاً لا يتجاوز حدود أنفه في الرؤية , لينضم إلى النظام العالمي الذي تحكمه أنظمة ديمقراطية ليبرالية تحترم الإنسان وتصون حرياته العامة والخاصة من خلال قوانين مدنية إنسانية تساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات أمام القانون, بغض النظر عن الدين والعرق والطائفة والجنس فما يهم هو الإنسان - والإنسان فقط - فيصبح هذا العيد رمزاً لحرية المواطن وحرية تلك المجتمعات ككل, ولكن وللأسف مازلنا محرومين من الاحتفال بهذا الانجاز,لماذا ألا يحق لنا أن نحتفل بولادة هذا الإنسان ؟ للأسف - لا- لا نستطيع الاحتفال أمام ما نعيشه من واقع مزري و مجتمع مقموع ومهزوم ومأزوم ومغتصب ومستعبد بكل فئاته ومكوناته,تغيب فيه المساواة أمام القانون بين الجنسين وتغيب فيه الحقوق والحريات ويغيب فيه الإنسان ككل.
ووضع المواطن (السوري )فيه مثال صارخ للذل والحرية المستعبدة والمستلبة , هل يمكن لنا أن نربي جيلاً من الأحرار في وضع كهذا ؟!,لا بل سننتج مجتمعاً من العبيد للطاغية الأكبر (الحاكم بأمره) لذلك فإن عيدنا نحن في كمواطنين عرب وسوريين مرهون بحريتنا, وحريتنا مرهونة بوعينا - أي بحرية ووعي المجتمع ككل -,ولذلك وفي ظل هذا التردي علينا أن نقيم الحداد وننكس الأعلام ما دمنا تحت نير الاستبداد الشمولي وتحكمنا قوانين الأحوال الشخصية الدينية والمذهبية والطائفية لا الإنسانية (فحتى الحب في بلادنا هو طائفي وقمعي).
ولذلك علينا العمل من أجل تحقيق حلمنا الإنساني بدولة مدنية ديمقراطية لإعادة الاعتبار لحريتنا وإنسانيتنا المغتصبة ولولادة الإنسان الفرد الحر , فأي حلم يتحول إلى حقيقة عندما نؤمن به ونعمل لأجل تحقيقه فخطوة الألف ميل تبدأ بخطوة.
فمعاناتنا تكمن في أن مشكلة الديمقراطية الكبرى, تتمحور حول هشاشة الدولة, وتشوش العلاقة بينها وبين مفهوم الأمة،إضافة لإحلال صراعات الهوية والاستبداد محل الصراع السياسي ,الذي يقوم على الصراع بين القوى السياسية.
لقد مرّت الشعوب الأوروبية بمثل هذا قبل عدة قرون، وخاضت حروباً دموية طويلة الأمد حتى وَعَتْ و وصلت إلى أن سيادة الدولة هي الحل لمسألة الطائفية، وأن الديمقراطية السياسية والاجتماعية هي الحل لمسألة العلاقة بين السيادة المطلقة للدولة من جهة، ونسبية السلطة ومحدوديتها وعلاقتها مع الشعب من جهة أخرى.
ونحن لا نحتاج إلى قرون، للوصول إلى ما وصلت إليه في ظل ثورة الاتصالات الحالية, ولكن يبدو أننا شعوب تأبى التعلم من تجارب غيرها!، لذا نأمل ألا تطول فترة تعلمنا ، لاختصار فترة التجربة المرعبة التي تمر بها المنطقة.
فقد خرج الشباب من المحيط إلى الخليج من مرحلة الاستبداد, وأغلقوا أبوابه للأبد, ولن يعودوا إليها, فهم يشبهون بذلك (طرق الزوجة نورا الباب وراءها عند خروجها، في مسرحية بيت الدمية لإبسن، في مشهد مجازي يصوّر نهاية مرحلة كاملة في التاريخ الأوروبي).
انتهت مرحلة التأسيس عربياً، وها نحن نعيش المخاض الطويل للمرحلة الجديدة, فمثل هذه الأنظمة الفاشلة والدموية لا يمكن أن تغادر التاريخ بسهولة ويسر , ولذا يجب ألا نتوقع الاستسلام و النهاية الوردية لهكذا نظام دموي، يضحي بالفرد وحريته في سبيل مصالحه الخاصة وحمايتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو