الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنظمة العربية.. طبعة مزيدة ومنقحة

عبد الإله بوحمالة

2006 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في سنوات الحرب الباردة، كان سؤال البقاء المطروح على أنظمة الحكم العربية يجد أجوبته في الارتماء في أحضان أحد القطبين الكبيرين المتصارعين آنذاك، من خلال تبعية سياسية واقتصادية وإيديولوجية مطلقة لهذا القطب أو ذاك، أو من خلال المناورة واللعب على الحبلين كنوع من الوجود البهلواني.
لكن لما آلت الحرب الباردة إلى نهايتها بالواقع التاريخي المعروف، أصبحت الإجابة على هذا السؤال أكثر صعوبة، إذ صار لزاما على مثل هذه الأنظمة أن تخرج من واقع التبعية الظلية، التي أورثتها هشاشة العظام وارتخاء المفاصل، إلى واقع آخر مظلة التبعية فيه لها فاتورتها المكلفة ماديا وأخلاقيا، وخيارات البحث فيه عن سبل بديلة للوجود والاستمرار محفوفة بشتى أنواع المخاطر والمغامرات.
وبما أن جل الأنظمة العربية لم تراهن على ضمان بقائها من بوابة الشرعية الديمقراطية وحب شعوبها وإرادة الاختيار الانتخابي الحر لدى هاته الشعوب. بل انساقت وراء هذا الهم من خلال تشديد القبضة الحديدية ودكتاتورية دولة البوليس والمخابرات، فإن النظام في كل دولة من هاته الدول كان يعيش على صفيح ساخن، تلهبه التوترات السياسية، والاختناقات الاجتماعية، وموجات السخط العارم والقلاقل التي يتم التعاطي معها على مستويين:
ـ مستوى أمني: وهو الحل السهل المألوف، عن طريق المواجهة العنيفة والقمع الممنهج والاعتقالات والمحاكمات والطرد إلى المنافي..
ـ ومستوى سياسي: عن طريق الاستقطاب والاسترضاء والمصالحة والعفو والغفران وطي صفحات الماضي المرير والدعوة إلى النسيان والتصالح..
وهو التكتيك الذي أصبح مهيمنا، لمن فطن للمتغيرات مبكرا، بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين. ولمن لم يفطن، عقب أحداث سبتمبر وما تلاها من غزو أفغانستان والعراق. أي حينما أصبحت المعارضات المشردة في أوربا تأتي على ظهر ذبابات المحتل فتقلب النظام بقوة السلاح والعتاد والدعاية والإعلام.
إن كثيرا من السلوكات السياسية وغير السياسية التي كانت تنهجها الأنظمة العربية المستبدة ضد شعوبها في أوقات الأمن والاستقرار كما في أوقات الخطر والفتن، ضمانا لبقائها الجبري، لم يعد في الإمكان تكرارها والتمادي فيها بسهولة في ظل الواقع الجديد الذي باتت تتحكم فيه تربصات القطب الأمريكي المهيمن وأطماعه في المنطقة. خصوصا وأنه ينتحل لتنفيذ هذه الأطماع شعارات من قبيل حماية الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والدفاع عن الأقليات، ويعتمدها كمبررات لتهديد الحكام وتأديب الأنظمة والتدخل في شؤون الدول أو غزوها واحتلالها.
فمثلا، لم يعد ممكنا أن يعمد أي نظام من الأنظمة العربية المتغطرسة إلى اقتراف مجازر جماعية في جنح الظلام ينتهك فيها حرمات الشعوب أو يستحل فيها دماء أقلية من الأقليات أو جماعة من الجماعات تحت يافطة وأد الفتنة أو تصفية الخونة والخوارج والرافضين والعملاء... دون مغبة الوقوع، عاجلا أو آجلا، تحت طائلة قانون الإجرام ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية، الذي تتحرك مسطرة المتابعة فيه من دهاليز البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية قبل أن تتحرك من محكمة العدل الدولية أو من الأمم المتحدة.
كما لم يعد مقبولا الادعاء بوجود إجماع مطلق حول أي نظام من الأنظمة ولو كان ملكيا.. فطريقة تجييش الجماهير أمام الكاميرات، وفبركة الاستفتاءات على شخص المرشح الأوحد، ونسبة الكمال المطلق في أرقامها، صارت لا تحيل بتسعاتها الأربع إلا على التزوير في أبأس حالاته المتخلفة، وعلى غياب النزاهة والشفافية وحرية الرأي والحق في التعبير عنه عمليا.
ولم يعد مستساغا أن يتم توريث الحكم في أنظمة رئاسية جمهورية (!) وفق نمط الوصية والبيعة وولاية العهد، اعتمادا على الاستقواء العسكري أو الحزبي أو المخابراتي أو من خلال التحايل على الدساتير والمؤسسات والدعاية والنصب والتدليس على الشعوب والتاريخ.
ثم لم يعد بمقدور هذه الأنظمة الإدعاء بأن قادتها زعماء ملهمون وأنبياء معصومون كلامهم منزل ونطقهم مقدس ورأيهم الأوحد يمسك بناصية الحقيقة الخالصة بحيث لا يتسرب إليه الشك والخطأ، وبالتالي فإنه يحرم الطعن فيه ويمنع رده أو الرد عليه. لأن هزائم هؤلاء الحكام المتوالية وتخادلهم الشنيع أثبت بالملموس أنهم مجرد بشر مثل سائر البشر، يصيبون ويخطئون، ويعرفون شيئا وتغيب عنهم أشياء. وإن كانت لهم أية قوة في الإلهام أو أي سداد في الرأي وبعد في النظر فيجب أن يكون من خلال الرجوع إلى الشعوب ومن خلال احترام المؤسسات والدساتير، أي من خلال الديمقراطية.
ثم بدرجة أقل، لم يعد في مستطاع هذه الأنظمة مصادرة حرية الرأي والتعبير وتكميم الأفواه والتعتيم على الأصوات المعارضة والتنكيل بأصحابها وزجهم في السجون والمعتقلات السرية. مع الإشارة إلى أن الحالة الوحيدة المتبقية حاليا هي تلك التي يتم التغطية لها بتهمة الإرهاب أو تهمة الترويج له. بحكم "شرعية" هذه التهمة المستمدة من الأجندة الأمريكية في هذا المجال.
إن هذا السياق الجديد الذي باتت تتحكم في خيوطه الولايات المتحدة وأتباعها، رغم بوادر التراجع والانحسار المبكر لمشاريعه بسبب المأزق في العراق، وضع الأنظمة العربية الموالية والأخرى التي عدلت عن نشازها في "بيت الطاعة" الأمريكي، وذلك كشرط للإبقاء عليها ومساندتها ضد شعوبها الساخطة. كما أجبرها على بدل قصارى الجهد في التجمل والإصلاح من صورتها القديمة ومحاولة إخفاء الوجه الدكتاتوري الاستبدادي بعمليات تجميلية سطحية تجدد مظهرها بمستلزمات طلاء الواجهة وبمساحيق الليبرالية التي تلبي أطماع السياسيين وتدغدغ أحلام النخبة والمثقفين.
وهكذا فبالرغم من أن هذه الأنظمة جاءت في المجمل من أصول عسكرية نطت من الثكنة إلى السلطة عبر انقلابات، ثم مارست كل أنواع القهر والعسف والجبروت، وتميز أسلوبها وآداؤها ببوهيمية سلطوية مفرطة يشهد عليها تاريخ الألم والعذاب الموشوم على ظهور الضحايا، وتشهد عليها جغرافية السجون والمعتقلات السرية، إلا أنها في النهاية وتحت ضغط غريزة حب البقاء والاستماتة في التشبث بكراسي الحكم نجحت في أن تقلب جلدها مؤقتا على سمته الناعم، وأفلحت في مداراة أنيابها ومخالبها، واستطاعت لأجل خاطر أمريكا أن تتعلم وتتكلم لغة المهادنة والتملق والنفاق.. والاستجداء.
إنها نفس الأنظمة القديمة بنفس المحتوى ونفس المضمون ونفس السياسة، ولكن أن إكراهات التبعية لأمريكا جعلتها تجتهد لإعادة إنتاج نفسه حربائيا في نسخ مزيدة.. ومنقحة.. وأنيقة..
تمشيا مع مستجدات الوضع الراهن.. لتبيع أكثر!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30