الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديابولوس

سعيد رمضان على

2018 / 8 / 7
الادب والفن


مدخل:
أسطورة فاوست تكررت بشكل أو آخر في الأعمال الأدبية والسينمائية، وتعرف في الاعتقاد المسيحي باسم ( صفقة مع الشيطان ) وهى اتفاق بين شخص وبين شيطان، حيث يبيع شخص روحة مقابل المال والجمال والمعرفة... واشهر عمل أدبى تناول تلك الصفقة " فاوست" لغوته الألماني.
وقصة ديابولوس (diabolos) للكاتبة المصرية "سلوى مرجان" لا تخرج عن هذا المفهوم، لكنها تنتهى بعملية خداع، والذى وقع في عملية الخداع هو الشيطان نفسه.
-------
القراءة:
------------

في كل عمل أدبى توجد دائماً الفكرة الأساسية، والفكرة الأساسية التي عزفت عليها سلوى مورجان عملها الأدبي ليس " الصفقة مع الشيطان" بل المعرفة ذاتها، باعتبار المعرفة قوة.
نظمت الكاتبة عملها إلى أجزاء، كل جزء يتصاعد بشكل متوالي معتمدا على الجزء الذى يسبقه، ومن خلال الأجزاء تطرح الكاتبة القضية المركزية التي بنت عليها قصتها الطويلة،
وتوضحها من خلال مفاهيم تؤرق الكثير من مجتمعاتنا العربية التي تحكمها أفكار بالية، وخصوصا ضد المرأة التي ابتليت بدمامة الشكل إلى جانب الفقر.
توضح الكاتبة وضع سلوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئة التي حكمتها:
(في ذلك الزقاق العفن، الذى يقتات أهله من السحت، و تبيع النساء أجسادهن مقابل اللقيمات ، ولدت (سلوى)، و قبل أن تبلغ الرابعة من عمرها مات أبوها في شجار على قطعة أفيون ، تركها و أمها و أخاها في بيت عارٍ من كل شيء )
ثم تتكلم الكاتبة عن مظهر سلوى:
( الجمال لم يمر بوجه سلوى، فقد كانت تخشى النظر بالمرآة، و تسأل نفسها كلما مرت بها (أكُل هذا القبح من نصيبي !) ، فكانت إجابتها (بصقة) في المرآة لوجهها الدميم .)

وهكذا تضع الكاتبة النغمات الأولى في لحنها المميز: الحرمان من الحياة الطبيعية بكل ما ينبض به من أسى وشجن:
(لم يبق أمامي سوى هذا الطريق المظلم كوجهي ، يجب أن أمضى ، حافية لا بأس ، جائعة لا بأس ، لكن يجب أن أجرى بقدر ما أستطيع ، مبتعدة عن هذا المكان ، عن هؤلاء الناس، عن المرآة البغيضة التي تخبرني بأنى أقبح من خلق على وجه البسيطة)
إنها تهرب من البيت ومن الحى، ومن البيئة العفنة التي عاشت فيها، وفى وحدتها الظلامية يتفجر صراعها الداخلي الذى يتوج بالرغبة في عقد الصفقة مع الشيطان:
(صرخت بصوت عال في هذا الشارع الواسع الخال من المارة : أيها الشيطان ، أين أنت ؟ ، أنا بحاجة إليك ، سأهبك ما تريد، أيها الشيطان لم يعد لي سواك، أنت ملاذي الأخير، لن أتردد في فعل ما تطلبه منى ، فقط كن بجواري)
وهكذا يتقدم الشيطان ويعقد صفقة معها، ويشترط في الصفقة أن تمتنع عن قول "لا" فعليها أن تقبل كل ما يطلب ولا ترفض.
ونظراً لأن الصفقة مع الشيطان تعرف في الإيمان المسيحي، فأن الكاتبة جعلت الأحداث التالية من قصتها تقع أغلبها داخل كنيسة، وعلى يد القس (مارك) تبدأ في تلقى المعارف، لكنها في البداية لم تهتم أو ترغب في ذلك:
(ترغبين في المعرفة ؟
هززت كتفي بلا مبالاة و قلت : أنا لا أرغب , تلك رغبة أبى .)
وبمرور الوقت تغيرت نظرتها للمعارف وبدأ افقها يتوسع، وزادت رغبتها في المعرفة أكثر
بعد حوارات عديدة مشوقة مع القس مارك عن الخير والشر والعدالة وإبليس والعصيان،
ودراسة اليونانية و الكتب الدينية والفلسفة، حتى أصبحت تبحث بنفسها عن المعرفة وتطلبها.
وهذا هو اللحن الأساسي التي عزفته الكاتبة " التنوير من خلال المعرفة" وقد حصلت عليه دون أن يتغير شكلها، وقد حان وقت خروجها من الكنيسة لتقابل الشيطان في الخرج ليتم صفقته معها ويحولها إلى أمرأه جميلة:
(، بمجرد رؤيتي هتف بي : اغمضى عينك .
فأغمضتها، ثم طلب منى أن أفتحها و كان بيده مرآة ، فوجدت امرأة رائعة الجمال أمامي)
في تلك النقطة بالذات تتوضح قيمة المعرفة التي يتبعها الوعى فتسرد الكاتبة:
( فنظرت له و قلت : شكرا للرب ، الذى سخرك لتفعل بي هذا )

إنها لم تشكر الشيطان، بل شكرت الرب، ثم تتضح أكثر قيمة المعرفة من خلال رفض طلب الشيطان بدون أن ترفض، ونورد هنا كامل الحوار:
(أشار للكنيسة و قال: القس مارك ، هو البداية.
: كيف؟
: ادخلي له الآن ، إما أن تغويه ليقع في الخطيئة معك ، أو تقتليه .
فابتسمت و قلت: موافقة .
و تحركت مبتعدة عن الكنيسة ، فصاح بي : قلت ادخلي الكنيسة .
قلت : موافقة .
و ما زلت أمضى مبتعدة عنها ، فصاح بي : ماذا تفعلين ؟
: أنفذ أوامرك .
: كيف ؟
: شرطك ألا أجيبك بلا ، و ها أنا أقول نعم ، لن أتفوه أبدا بلا ، و لن أسألك أبدا لماذا .
: لكنك هكذا تكذبين و تحتالين .
: تلميذتك النجيبة .
: أهذا ما تعلمته في الكنيسة ؟!
: العلم ينمى كيد النساء يا عزيزي السيد الرشيق .)
---------
تأتي أهمية قصة (ديابولوس ) في ظل تصويرها الصادق للمجتمع الذى كانت تعيش فيه سلوى، والواقع في التردي للحضيض مما يدفع أفراده لارتكاب الفظائع، كما تكمن أهميتها في الانحياز للمعرفة كشرط للترقي ومواجهة العالم.
وقد نجحت الكاتبة في تصوير شخصية سلوى والتركيز على معاناتها وصراعها، وقدرتها على النجاح في بيئة مواتية.
وفي تركيز تنهى الكاتبة قصتها بنهاية غير متوقعة ، فسلوى لم تبع روحها، ورفضت أوامر الشيطان بمرونة عقلية ناتجة عن الوعى .. تم نتيجة فهم لطبيعة وضعها، فتلك التي كانت يقع عليها الأذى من الآخرين بشكل يومي، رفضت الأذى لرجل ساعدها في التنوير والارتقاء بنفسها، وهو موقف يكشف عن أخلاق بمستوى عالٍ.
----------
• سلوى مورجان – كاتبة مصرية















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا