الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحليل الاقتصادي لأزمة الانموذج الريعي-الليبرالي في العراق/الجزء ٤

مظهر محمد صالح

2018 / 8 / 11
الادارة و الاقتصاد


التحليل الاقتصادي
لأزمة
الانموذج الريعي-الليبرالي في العراق/الجزء ٤
مظهر محمد صالح

تحاول (الدولة-المكونات)
ممارسة وظيفة ( الدولة-الامة) من ناحية السلوك الانفاقي الداخلي وتغيير مسارات السياسة المالية وتوجيهها حول وظائف المالية العامة التقليدية في مصفوفة وظائف ونشاطات شديدة الانفاق وتمتلك قوة ليبرالية مشتقة من مأزق الثالوث المستحيل،الامر الذي جعل الانفاق السيادي- الاستهلاكي للمكونات يسير نحو اقصاه في التبذير والصرف .فكل( مكون )يحاول التصرف على انه الدولة-الامة المٌعظمة للانفاق التشغيلي إزاء المكون الاخر. ويعد هذا السلوك التبذيري كارثة جَرت في معطياتها تحريف عائدات النفط وتخصيصها نحو ظاهرة الاستهلاك الحكومي(الانفاق التشغيلي ) في سلم اولويات المالية العامة و بما ينسجم وبنية دولة -المكونات والسوق الليبرالية الملتحمتين كلتيهما بالعولمة واسواقها الخارجية .
فبين العام 2004والعام 2012تم صرف مايقارب النصف تريليون دولار على الانفاق الحكومي الاستهلاكي والحصيلة مؤسفة في نتائجها.كما انعكست التصرفات المالية (للدولة-المكونات)على توجهات السياستين النقدية والتجارية وهما يتلقيان المتغيرات السالبة التي تدفع بهما القوى الانفاقية المستهلكة (للدولة-المكونات) العاملة في اطار ما صطلح على تسميته (بالمحاصصة السياسية) وهي نزعة اثنية او مناطقية تفكيكية تبذيرية السلوك ،استهلاكية غير منتجة وتتصرف من منطق الدولة-الامة الصغيرة وهي تلبس ثوب الدولة- المكونات.
فبالرغم من القدرة التشغيلية للموازنة الاتحادية على الاتساع ، الا ان بنائها الاستهلاكي غير المنتج هو المسار الذي جعل (الدولة-المكونات)ترتبط بالسوق العالمية عن طريق قنوات التجارة والتبادل الدولي .وبناء على ماتقدم،مازالت المادة (106) من دستور الجمهورية للعام2005 التي تقضي بتشكيل هيئة عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية بما يحقق عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية بموجب استحقاقات الاقاليم والمحافظات والتحقق من الاستخدام الامثل للموارد المالية الاتحادية وضمان الشفافية والعدالة عند التخصيص،مازالت معطلة،وقد استيعض عنها بأستمرارالدعم (المباشر وغير المباشر )وبنسبة تبلغ 48% من التخصيصات السنوية للموازنة الاتحادية .في حين ظلت حصيلة ضرائب لاتشكل سوى اقل من 4% من اجمالي سقف الموازنة!!
وهكذا اخذ الفكر الاستهلاكي والنزعة الاستهلاكية في العراق بناء اولوياتهما على مستوى الدولة والسوق في اطار (الدولة- المكونات) وبأديولوجيا ليبرالية إستهلاكية معادية في سلوكياتها في بناء اسس التنمية، وهي مولدة في الوقت نفسه لثقافة اقتصادية لاتأبه بأن يكون المنتج السلعي المستهلك في العراق مصدره اسواق آسيا ام الانضول ،طالما ظلت اسواق العولمة هي مظلة الانتاج -الاستهلاك المحلي باْقل التكاليف الممكنة .وهذا هو ما تريده التيارات الليبرالية من إقامة ( الفيدراليات-الديمقراطية المعولمة او الدولة-المكونات)التي تتطلع الى تكريس ثقافة الاستهلاك من خلال تغيير طراز الحياة وتبديل نمط المعيشة و على وفق نزعة مجتمعية تبذيرية شديدة الاستهلاك قليلة الانتاج .
ب-السياسة النقدية/ وأزمة الرأسمالية المالية
لم تخرج السياسة النقدية حتى عند بلوغ اهدافها المنصوص عليها في قانون البنك المركزي العراقي 56لسنة2004 واعلان نجاحاتها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وخفض معدلات التضخم السنوية الي مرتبة عشرية واحدة والذي انخفض الى اقل من 3% حقاً في نهاية العام 2017 ، بعد ان ظلت معدلات التضخم السنوية مرتفعة وبمرتبتين عشريتين طوال عقدين سابقين من الزمن ولم تقل متوسطاتها السنوية في تسعينيات القرن الماضي عن 50% . اقول لم تخرج السياسة النقدية عن اغطية الانموذج الريعي-الليبرالي في بلوغ اهدافها الاستقرارية الا قريباً بعد ان اعتمدت سياسات حاضنة للتنمية سواء بالتيسير الائتمانيCredit easing للقطاع الخاص (مبادرة العام 2015 او بالتيسير الكمي Quantitative easing باقراض الحكومة في مواجهة ازمتها المالية اثناء الحرب الاخيرة على الارهاب الداعشي .اذ اخذ البنك المركزي العراقي يؤسس الان لفلسفة عملية في بناء الرأسمالية الوطنية تقوم على مبدأ سياسة مقابلة رأسمال المالي financial capital برأس المال المنتج- Capital offsetting policy.وهي السياسة التي تقضي باعادة بناء رأس المال المنتج الذي فككته الرأسمالية المالية تحت مطرقة العولمة والانفتاح المنفلت صوب السوق العالمية.فالخلق العمودي للنقود ،الناجم عن استبدال عوائد النفط الدولارية بالدينار العراقي المصدر من البنك المركزي،غدا قوة مفروضة على السلطة النقدية في توسع عرض النقد تلقائياً . فاليزانية العمومية للبنك المركزي هي ليست اكثر من دالة لايرادات الموازنة الاتحادية بالعملة الاجنبية .حيث باتت الموازنة الاتحادية والسياسة المالية بمثابة المتغير المستقل في تكوين النقد الاساس للبنك المركزي المتغير التابع وعندها امست استقلالية البنك المركزي وسياسته النقدية تفضيلاً ثانياًsecond best ومتغيراً داخلياَ يتبع ريعية الاقتصاد وليبراليته بصورة مزدوجة.وللافت فان اتباع السياسة النقدية المتشددة بين العام 2005-2008 (والتي آلت الى ارتفاع معدلات فائدة السياسة النقدية الى 20% سنوياً قبل ان تهبط الى اقل من 6% حالياً ،قد جعلت البنك المركزي بمثابة( ملجاْ المقترض الاخير )من المصارف العراقية نفسها ،تلك المصارف التي استثمرت فوائضها وتراكماتها المتحولة من القطاعات الانتاجية الاخرى الى قطاع المضاربة المصرفية،اي في حاضنة البنك المركزي الآمنة الخالية المخاطر، وليس ان يكون البنك المركزي (ملجأ المقرض الاخير)كما هو معروف تقليدياً في سياسات البنوك المركزية الا قبل وقت قصير.وعند النظر الى فقرة الموجودات المحلية في الميزانية العمومية للبنك المركزي تجدها ظلت تحمل اشارة سالبة حتى سنوات قليلة مضت مما تعني ان نظام العملة (او نظام مدرسة العملة )هو النظام الغالب على النظام النقدي العراقي الذي صار نتاجاً للنظام الريعي- الليبرالي.
وبهذا وعلى وفق النزعة الليبرالية الاستهلاكية تحولت الرأسمالية الوطنية من مجالات التنمية والاستثمار الزراعي والصناعي والعقار والخدمات الى رأسمالية مالية ،تمارس وظائف تمويل الاستيرادات الاستهلاكية للقطاع الخاص والمضاربة بالمال في التشكيل الجديد للنظام المصرفي الاهلي، ذلك من اجل التراكم المالي السريع .فتجد وخلال المدة 2006-2008 بان ثمة طغيان في توجه الرأسمالية العراقية نحو الاستثمار المالي المصرفي. فرؤوس اموال المصارف وقيمة اسهمها المدرجة في سوق العراق للاوراق المالية قد إحتلت نسبة 80%من اجمالى قيمة اسهم السوق بعد الاستقطاب المالي الهائل والسريع للرأسمالية العراقية و الذي ادت الرأسمالية المالية الاهلية دورها في ادارة محافظها الاستثمارية عبر تراكماتها السريعة في المناخ المالي لأسواق العولمة الاقليمية والدولية.اما التحسن الذي طرأ على سعر صرف الدينار العراقي وارتفاع قيمته،فأن النتائج المرجوة منه في مكافحة التضخم والتي آلت الى تحسن القوة الشرائية للدينار العراقي وقيمته الخارجيه ،فأنها ادت في الوقت نفسه الى تحسين القوة الشرائية لرواتب ومدخولات الموظفين الحكوميين الاسمية ، اي ان القوة الشرائية الدينارية او سعر الصرف الحقيقي قد زاد هو الاخر من قيمة تلك الرواتب او الدخول الحقيقية معبراً عنه بالدولار، من دون ان تزداد الانتاجية الوظيفية وهو مايطلق عليه اصطلاحاً ب(أثر بومل في التكاليف-Baumol effect ) .كما إزدادت في الوقت نفسه الاجور الحقيقية للقطاع الخاص وبالاثر نفسه (أثر بومل) حتى من دون ان تزداد انتاجية العاملين من القوى الاجرية لدى النشاط الاهلي.
وعليه ،فان السياسة النقدية ونجاحاتها لم تستطع الا ان تساير اقتصاد (الدولة-المكونات )الذي مارس وظائفه الاقتصادية في اطار نظام محاصصة اقتصادي معرف يصورة مسبقة بكونه ريعياً-ليبرالياً منفتحاً على اسواق العولمة وحسب مقتضيات البناء الديمقراطي( للدولة-السوق) والذي وُلدت من رحمه (الدولة -المكونات كفيدراليات
ديمقراطية ) تمتلك ديناميكيات سوق مسايرة لليبرالية الاستهلاكية المعولمة بعد ان جرى التخلص من مأزق الثالوث المستحيل الذي اشرنا أليه آنفاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليونان تعتمد أسبوع العمل ستة أيام: تحفيز للاقتصاد أم استغلا


.. الشمس.. طاقة لا تفنى، كيف يتم إنتاج الطاقة الشمسية؟




.. جزء من مسار الإصلاح الاقتصادى الحكومة الجديدة فى عيون الغر


.. البنك المركزى: تعطيل العمل بالبنوك الخميس المقبل بمناسبة رأس




.. مبادرة ابدأ الوطنية تهدف لإنشاء كيانات صناعية لتحقيق النمو