الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة نفي الآخر

فراس جابر

2006 / 3 / 29
القضية الفلسطينية


موضوع حل السلطة وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية أخذ بعداً كبيراً في ساحات الجدل السياسية في الآونة الأخيرة، ومن المؤشرات الخطيرة التي تمت ملاحظتها بروز ثقافة نفي الآخر الذي نختلف معه، حيث أننا اكتسبنا من الثقافة الصهيونية بعلمنا أو دون علمنا أمراً ثقافياً هو "نفي الآخر"، هذه الثقافة التي أوصلتنا من جهة السياسة الصهيونية إلى ما نحن فيه من أوضاع يعرفها القاصي والداني، التي حولت ثقافة نفي اليهودي في كل بقاع العالم إلى ثقافة نفي الفلسطيني الساكن الأصلي على هذه الأرض، ومنتجةً الثقافة الصهيونية التي عرفها الفلسطينيون على مختلف تنوعاتهم. لكن المثير في الأمر حقاً، ولعله كذلك من المؤسف هي ثقافة نفي الآخر الفلسطينية التي بدأت مؤشراتها بالتضخم مؤخراً، بدليل التراشق الصحفي الذي دار بين عدد من ممثلي الحركات السياسية، الذي أبرز عدة مؤشرات.
المؤشر الأول على وجود هذه الثقافة صدر من عدد من قياديي حركة حماس التي قامت مؤخراً بتشكيل الحكومة من أعضاءها وبعض المستقلين المحسوبين عليها، وفي مرد تعليقهم على عدم مشاركة باقي الفصائل أجاب خالد مشعل بأنها ـ أي الفصائل الأخرى ـ قد تعرضت لضغط من الولايات المتحدة الأمريكية لعدم المشاركة في حكومة تقودها حماس، متناسياً التاريخ الطويل من المواجهة المستمرة ما بين الفصائل اليسارية والقوى الاستعمارية في العالم، والخسارة المترتبة على هذه المواجهة المستمرة، وغافلاً عن العلاقات المميزة لحركته مع بعض الدول الأجنبية التي لها مصالح في المنطقة، وما عنى هذا من التزامات تؤديها الحركة لمصلحة استمرار هذه العلاقات المميزة من وجهة نظرهم، وبما يعني في سياق متطرف أكثر أن نتائج الانتخابات التشريعية قد أفرزت حركة وطنية أصيلة هي حماس، وباقي الأحزاب والفصائل تعمل بالتحكم عن بعد من العواصم الأجنبية، وهذا مرده ما ذكرت في البداية من ثقافة تنفي الآخر حين لا نتفق معه في طرحه، في تناقض كبير مع مأخذ حركة حماس على فتح المتعلقة بالتفرد في القرار السياسي لفترة طويلة.
المؤشر الثاني صدر كذلك عن نفس الحركة في الحوارات المتعلقة بقضية منظمة التحرير الفلسطينية، والعمل على تفعيلها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، حيث رفضت الحركة التعامل مع هذا الطرح إلا في حدود ما يخدم مصالح الحركة أولاً وأخيراً، دون النظر إلى الأزمة العميقة التي يمر بها المجتمع، والقضية الفلسطينية على حد سواء، مع الاتفاق على ضرورة صياغة آليات تمثيلية ديمقراطية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وليس صيغاً احتكارية للحركات والفصائل، حتى وإن كانت الفصائل تمثل قسماً من الشعب الفلسطيني، وتجاوزاً للطرح الذي يقول أما أن تكون المنظمة هي استمرار لصيغة التفرد والتحكم والهيمنة للبرنامج والحزب الواحد، وأما أن تكون غير مجدية حالياً، إلى حين التحكم بزمام الأمور تماماً.
هذا لا يعني بالضرورة التغاضي عن تجربة حركة فتح سواء في منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية وتقييمها بأنها أفضل، حيث أن المعنى الحقيقي للانتخابات هو في الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي بكافة مستوياته داخل المجتمع المنعكس في نتائج الانتخابات، وليس في استبدال قمة سلطة بأخرى دون الرجوع والاحتكام دوماً إلى القواعد المجتمعية المفترض أن تأخذ دوراً ريادياً في الدفاع عن قضيتها الأساسية.
المؤشر الثالث صدر عن بعض المحسوبين عن حركة فتح في الدعوة لحل السلطة الوطنية كمدخل للخروج من أزمة تولي حركة حماس الحكومة الجديدة، مع عزل السياق الآخر الداعي إلى حلها كأولوية وطنية للخروج من مأزق القضية الفلسطينية بأكمله، في توجه لنفي وجود وحجم الآخر دون التعامل معه كواقع يجب الاعتراف به والعمل معه، وهذا مرده التجربة الطويلة لهؤلاء في عدم رؤية الجوانب المختلفة لروايتهم، بل محاولة صياغتها من جانب واحد، وكذلك التغاضي عن التوجهات السياسية والاجتماعية للأحزاب والفصائل السياسية الفلسطينية.
المؤشر الرابع صدر عن بعض الصحفيين والكتّاب والمحللين السياسيين في هجومهم المبالغ فيه على بعض الفصائل اليسارية، فمنهم من هاجم قبولهم الحوار مع حركة حماس للدخول في حكومتها على اعتبار اختلاف الشاسع في البرنامج الاجتماعي، وقبول بسلطة حركة حماس المطلقة، ومحاولاتها تجميل الحكومة باليسار الفلسطيني، والبقية هاجمت رفض دخولهم على اعتبار أنه انصياع لحركة فتح التي تملك زمام التمويل لهذه الفصائل، متناسين الاختلافات الجذرية على المستوى الاجتماعي أو على مستوى مشروع تجديد منظمة التحرير الفلسطينية، ومعتبرين أن هذه الفصائل هي مجرد أرقام صغيرة لا تضيف شيئاً يذكر، نافين الدور التاريخي لليسار بشكل عام، وعدم بروز دورهم إلا ارتباطاً بصعود الإسلام السياسي، على رغم طول الفترة الزمنية التي قضوها أحياءاً، ولكن بعيدين وغير مؤثرين في ساحة الفعل السياسي، وكأن الفعل السياسي والاجتماعي مرتبط بقبول البرنامج الواحد دون قيد أو شرط نتيجة نجاح ساحق فٌهم على أنه غياب الأخر تماماً.
عدا عن وجود العديد من الأصوات التي هَمشت عن ساحة الفعل السياسي، والتي عابت على الجميع نواقص في العمل السياسي، متناسية تلونها السريع من الأحمر إلى الأسود إلى الأخضر في محاولة لكتابة أسم في ساحة مليئة بالأسماء، وركوب كل موجة بما يناسبها من إمكانيات وألوان متنوعة ومتعددة.
هذه الثقافة التي تركبت بشكل مكثف وسريع في الآونة الأخيرة دليل خطير على مدى سيادة وهيمنة هذه الثقافة التي تنفي حدوث الآخر الفلسطيني، وفعله، وترى بنفسها الفاعل الوحيد ومالك الحق الوحيد في تفسير الإحداث حسب رؤيته، دون جدال أو نقاش، ونفي لما امتاز به المجتمع الفلسطيني على مدار عقود بتعدديته وتنوعه السياسي والاجتماعي، من غير أن يؤثر كل هذا في النضال التحرري الوطني، والمسعى للنضال الاجتماعي.
تكمن الخطورة في هذا الطرح من قدومه من فواعل حاضرين بشدة على الساحة الفلسطينية بما يهدد بمأسسته، دون غيره من القضايا التي هي بحاجة للعمل على مأسستها قبل غيرها، ومنها ثقافة الحوار الداخلي الفلسطينية التي تسهم في بناء مجتمع منفتح على ذاته قبل انفتاحه على الآخرين، كشرط ضروري لاستمراره ونجاحه في نضاله وقضيته، في ظل الظروف العالمية المعادية.
وجود وبناء هذه الثقافة الحوارية الفلسطينية الداخلية بدلاً من الاهتمام من ثقافة الحوار مع الآخر "الصهيوني" التي أخذت، وتأخذ حيزاً ووقتاً وجهداً كبيراً من العديد من الأطراف والمؤسسات والمثقفين، يعزز ويمأسس شكل المجتمع الفلسطيني للسنوات القادمة بحيث يصبح الحراك الاجتماعي والسياسي أمراً مفروغاً منه، يطور المجتمع وفق آليات متفق عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي


.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن




.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال


.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد




.. روسيا تسرّع وتيرة التسليح.. تمهيد للزحف الروسي أو استعداد لل