الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النصر لجماهير فرنسا الشجاعة

بدر الدين شنن

2006 / 3 / 29
الحركة العمالية والنقابية


أتاح إنهيار " المعسكر الاشتراكي " نشوء حالة القطب الواحد دولياً ، وخلق الوهم لدى سادة ومنظري المعسكر الرأ سمالي ، الذي آل إليه هذا الاستقطاب " مؤقتاً " أن العالم قد أصبح مباحاً لهم ولمطامعهم اللامحدودة ، واعتبروا أن ما حصل قد وضع حداً للصراعات الطبقية ، وأن التاريخ قد انتهى مستسلماً أمام " عولمة " ا ستغلالهم الأبدي للشعوب قاطبة وفق خريطتهم العالمية الجديدة ، بل وتمادوا في أوهامهم إذ اعتبروا ، أن المكتسبات الاجتماعية ، التي حققتها الطبقة العاملة والجماهير الشعبية ومكتسبات السيادة الوطنية في القارات الخمس ، خلال عقود طويلة من النضال المرير ، وخاصة تلك التي تمت نتيجة انعكاس التحولات الثورية التي قامت في بلدان المنظومة الاشتراكية ، يمكن التراجع عنها ، وفرض شروط وعلاقات عمل أكثر تعسفية ، تخدم برامجهم ونزعاتهم الشيطانية الجشعة ، لتأمين معدلات ربح تعلو .. وتعلو باستمرار على حساب عرق ودماء المليارات من الناس ، الذين تضطرهم ظروفهم الاجتماعية إلى بيع قوة عملهم ، وارتهان مصادر عيشهم وتطورهم ، لاحتكاراتهم الكونية المالكة ، عن طريق الاستغلال والاستعمار والاحتكار ، لأهم مصادر الطاقة والثروة والرأ سمال المالي والجبروت العسكري ، وركزوا ا ستراتجيتهم الجديدة ، لفرض هيمنتهم الأبدية على الطبقة العاملة وامتداداتها الحديثة الإدارية والخدماتية في المركز وعلى الشعوب في الأطراف ، على القوة البوليسية والعسكرية المطلقة التفوق تكنولوجياً أرضاً وجواً وفضاء وبحراً وعلى الديماغوجيا " الفكرية في تصفية النظريات الثورية ، في مواجهة أي تحرك أو النية في التحرك ، سواء كان سياسياً أو عسكرياً ، ضد نفوذهم ومصالحهم

إلاّ أن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر ، فلا التاريخ انتهى ، ولاالصراع الطبقي توقف ، ولا الشعوب ا ستسلمت . إن كل المعارك التي خاضتها الرأ سمالية العالمية ، تحت أعلامها وعناوينها المتعددة ، على مستوى الأطراف ، لم تؤت أكلها كما تشتهي ، ويمكن القول أنها فشلت في أكثر من مكان ، وذلك نتيجة المقاومة الضارية التي تواجهها أنى تورطت فيها " أفغانستان .. العراق " مثلاً . ونتيجة التفاعلات الدولية التي أفرزت ا ستحالات أوربية وآسيوية وأمريكية ، منها عدم القدرة على حل مسألة التسلح النووي الكوري الشمالي ، والتحدي الكوبي المزمن ، وتحدي فنزويلا المستجد ، وا ستعصاء إيراني مزعج في الشرق الأوسط ، وبروز نتائج انتخابات ديمقراطية معاكسة لها في البرازيل وبوليفيا وتشيلي وفلسطين ، وظهور ا ستطالات قامات دولية جديدة في شمال شرق أوبا " روسيا " وتمحور قيد الإنجاز صيني - هندي . وليس الحال أفضل على مستوى المركز ، سواء في المحور الأساس " الولايات المتحدة الأمريكية " أو في الدول الرأسمالية الأخرى التي تشكل معاً مكوناته ، وذلك على خلفية ، أن عدد الفقراء في الولايات المتحد الأمريكية يبلغ ( 45 ) مليون شخص ، معظمهم من الأفارقة الأمريكيين ونصف هؤلاء هم في حالة عوز ، وربع الأطفال فيها تحت سن الثانية عشر يعانون من الجوع ، ونحو ( 25 ) مليون لايحصلون على مياه صالحة للشرب ، و( 44 ) مليون أميركي ليس لديهم تأمينات اجتماعية ، وقرابة مليون شخص ينامون على الأرصفة . وفي أوربا يبلغ عدد الفقراء ( 60 ) مليون شخص . ربع سكان بريطانيا فقراء .. سدس البريطانيين يعيشون تحت خط الفقر . أما في ألمانيا ، فهناك ( 6 ) ملايين شخص فقراء ، ويعيش خمس المهاجرين تحت خط الفقر . وتشهد أوربا بشكل عام تدن متواصل في مستوى المعيشة ، خاصة بعد ا ستبدال العملات المحلية باليورو ، وتصاعد في حدة الصراعات الطبقية

وفي هذا السياق تشهد فرنسا ، منذ أوائل الصيف الماضي أحداثاً ، ذات أهمية بمكان ، كانت باكورتها معركة ال " لا " لدستور الاتحاد الأوربي المجحف بحقوق الشغيلة وذوي الخول المنخفضة ، ومن ثم انتفاضة الشباب المهمشين من أصول أفريقية ، في تشرين الثاني في العام الماضي ، احتجاجاً على التمييز وعدم المساواة والبطالة والفقر ، التي شملت ضواحي باريس ومدن فرنسية عديدة ، وآخرها وأهمها في أقل من عام ، مايجري الآن من اضرابات وتظاهرات طلابية وعمالية احتجاجاً على قانون " عقد العمل الأول " ، لمن تقل أعماهم عن ( 26 ) عاماً ، الذي يسمح لأرباب العمل بتسريح العمال المشمولين به تعسفياً خلال السنتين الأوليتين من بداية العمل ، ويخل بموازين سوق العمل لصالح أربار العمل ، التي يشارك بها مئات الآلاف من الطلاب والهمال . وهناك تهديدات من المشاركين بهذه الحركة الإحتجاجية ، إذا لم تسحب الحكومة هذا القانون ، فإن سقف المطالب سيرتفع والإحتمالات مفتوحة على أحداث شبيهة بأحداث أيار 1968 التي أدت إلى ا ستقالة الجنرال ديغول ، ما يفتح المجال أوربياً لتداعيات اجتماعية - سياسية خطيرة ، إن على المستوى الأوربي أو الدولي . مرد ذلك يعود إلى ما لفرنسا من دور مفتاحي أوربي ، وما لها من عراقة وأصالة ثورية تمتد جذورها إلى محاولات الفكر الاشتراكي الأولى وإلى جمر كومونة باريس الخالدة

وفي الحد الأدنى .. في المستقبل المنظور .. على أي حل ا ستقرت عليه نتائج الحركة الاحتجاجية الطلابية العمالية الراهنة ، فإن أكثر من رأ س في قمة الجمهورية الفرنسية الراهنة سيدفع الثمن .. بينما ماركس يبتسم هازئاً من الذين يتوهمون أنهم قادرون على وقف التاريخ ، واللعب بقوانين تطور المجتمع ، ويحاولون عبثاً أن يضعوا السدود أمام الزحف الإنساني نحو الاشتراكية

إن طلاب وعمال فرنسا المدافعون عن انسانيتهم ضد التعسف ، يعبرون بوحدتهم وبسالتهم عن أن الوحش الرأ سمالي يمكن مواجهته والإنتصار عليه .. ويقدمون المثال لكل الكادحين ولكل الشعوب المضطهدة في النضال دفاعاً عن حقوقها وحرياتها وكرامتها .. النصر لجماهير فرنسا الشجاعة .. النصر لحركة الاحتجاج دفاعاً عن الحقوق الإنسانية المشروعة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو في مأزق.. إضراب شامل ينتظر إسرائيل خلال ساعات


.. إضراب عام بإسرائيل لإقالة نتنياهو وعقد صفقة رهائن




.. دعوات لإضراب شامل في إسرائيل للضغط على نتنياهو للقبول بصفقة


.. منافسة خالية من الانبعاثات السامة.. موناكو تحتضن سباق القوار




.. دول تفضل العمل لـ 4 أيام لزيادة الإنتاجية وتحسين نفسية الموظ