الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الليرة التركية للباحث الاقتصادي أحمد مجدي الشرقاوي

محمد عادل زكي

2018 / 8 / 14
العولمة وتطورات العالم المعاصر


أزمة الليرة التركية
سميث وترامب والهلع المالي
----------------
أكتب إليكم هذا المقال بعد الاستماع إلى جزء من خطاب أردوغان والذي تحدث فيه عن الأزمة التي تمر بها الليرة التركية بمنتهى السطحية مستمراً في الحديث عن المؤامرات وعدم الخضوع مع إعطاء بعض الوعود عن قرب استقرار سعر الصرف دون توضيح ماهية الإجراءات التي سيتم إتخاذها للوصول للاستقرار المزعوم مما يعطينا بعض الوقت للكتابة والتحليل ووضع بعض التوقعات.
التحليل:
أزمة الاقتصاد التركي من منظور علم الاقتصاد السياسي– الذي أسسه آدم سميث وديفيد ريكاردو وبلغ قمة نضجه على يد كارل ماركس - هي جزء من أزمة النظام الرأسمالي الذي يعاني بصفة مستمرة من تكرار أزماته لأسباب بنيوية متعلقة بتراكم الثروات في أيدي بعض الأطراف في الأجزاء المتقدمة وعجز الأجزاء المتخلفة – مثل تركيا - عن إجراء التحول الهيكلي اللازم وتعميع التصنيع بحيث يتم الاكتفاء ذاتياً من السلع اللازمة لتجديد الإنتاج الاجتماعي وإيقاف التسرب في القيمة الزائدة التي يتم إنتاجها من خلال سواعد الشغيلة في الدول المتخلفة والتي تتحول إلى أرصدة في صناديق الأوفشورفي جزر الكايمن وغيرها، وذلك هو جوهر الأزمة وغير ذلك من أحداث أو إجراءات هي مجرد أحداث تؤجل أو تكشف الأزمة التي تعاني منها الأنظمة الرأسمالية.
ولأغراض التبسيط نستعرض صادرات وواردات الاقتصاد التركي وفقاً لعام 2016 حيث بلغت واردات تركيا من السلع الرأسمالية (وهي الآلات اللازمة للتصنيع والإنتاج مثل ماكينات المصانع والسيارات وغيرها) ضعف صادراتها، وبلغت وراداتها من المحروقات أربعة أضعاف صادراتها، بل إن وارداتها من السلع الوسيطة التي تستخدم في التصنيع ومن ثم إشباع الإنتاج المحلي والتصدير بلغت نحو ضعف صادراتها حتى إن وارداتها من الخامات تفوق صادراتها والتفوق الوحيد للصادرات على الواردات هو في السلع الاستهلاكية التي تحتاج لاستيراد كل ما سبق من أجل تصنيعها وتصديرها مما يعكس بوضوح أزمة الاقتصاد التركي الذي عجز عن تصنيع سلع ذات قيمة مضافة وتطور تكنولوجي عالي لتقليل الخلل في بنيته الهيكلية فيما يخص التصنيع.
ووفقاً لما سبق فإن كل وحدة يتم إنتاجها في تركيا فهي معتمدة على إنتاج سابق يتم في دولة أخرى وبعد أن يتم الإنتاج فإن القيمة الزائدة – أو الأرباح باختصار مخل علمياً لأغراض التبسيط – يتم تحويل جزء كبير منها لخارج تركيا في شكل استيراد لسلع أو خدمات أو دفع فوائد الديون الخارجية التي سيتم الحديث بشكل موسع عنها لاحقاً وذلك خلاف الأموال الساخنة التي تضارب في البورصة أو أذون الخزانة وتخرج محملة بالربح دون أن يستفيد منها الاقتصاد.
التاريخ:
ومما سبق نجد أن مثل هذا الخلل لابد ان ينتج عنه أزمة من حين لآخر إلا أن بعض الإجراءات من شأنها تأجيل ظهور الأزمة أو الكشف عنها لاسيما في دولة عاشت منذ قرون على احتلال دول أخرى بدعوى الخلافة وسرقة خيراتها والاقتراض بشراسة من الدول الأوروربية وحتى بعد انهيار الدولة العثمانية وإنشاء تركيا العلمانية الحديثة إلا أن الصراع بين النزعة الإسلامية والعلمانية التي يحميها الجيش إلى مرورها باضطرابات سياسية طيلة القرن الماضي مما منع وجود استقرار يسمح بتنمية اقتصادية حقيقية، وحتى بعد استقرار النظام السياسي عجز عن صنع التحول الصناعي الازم لنقلها لمصاف الدول المتقدمة، ولذا سنستعرض بإيجاز أهم المحطات التي مرت بها الليرة التركية لتوضيح أن الانهيار الحادث مؤخراً ليس بالحدث العابر.
يرجع الإصدار الأول من الليرة التركية لعام 1923 وبعد فترة من الارتباط بالجنيه الاسترليني والفرنك الفرنسي تم ربطها بالدولار الأمريكي عام 1946 حيث بلغ الدولار الواحد ما يعادل 2.8 ليرة تركية وذلك حتى عام 1960 حيث انهارت قيمة العملة إلى 9 ليرات مقابل الدولار الواحد واستمر الانهيار إلى 90 ليرة مقابل الدولار عام 1980، 1300 ليرة مقابل الدولار عام 1988، 45000 ليرة مقابل الدولار عام 1995 ، 1650000 ليرة مقابل الدولار عام 2001 وجدير بالذكر أنه تم تسجيل الليرة كأكثر العملات تعرضاً للانهيار عدة مرات بموسوعة جينيس.
وفي عام 2005 تم إصدار "الليرة التركية الجديدة" وهي عبارة عن حذف ستة أصفار من العملة لآ أكثر ثم في عام 2009 تم حذف كلمة الجديدة لتصبح "الليرة التركية" وجدير بالذكر أن بعض أتباع أردوغان يدعون نمو الليرة أمام الدولار – عن جهل أو عن علم – دون الأخذ في الاعتبار عدم وجود أي تحسن في قيمة الليرة وإنما فقط تم حذف أصفار منها دون نمو أمام الدولار.
ومع مجئ حكومة حزب العدالة والتنمية بدأت إجراء العديد من الإصلاحات مثل زيادة التصنيع والتصدير ومضاعفة إيرادات السياحة والالتزام بأجندة صندوق النقد الدولي فيما يخص الخصخصة وحرية الأسواق وتخفيف القيود على حركة الأموال مما أدى لتحسن ملموس في الاقتصاد التركي وتدفق رؤوس الأموال والقروض عليه مما أدى لصعود تركيا إلى واحدة من اكبر الاقتصادات في العالم واكثرها تصديراً – بحسابات رقمية فقط – واعتمدت تركيا للأسف على الاقتراض – حكومة وشركات وذلك الأخطر – مما جعل الدين الخارجي التركي يصل لرقم 400 مليار دولار وهنا مكمن الخطورة.
الأزمة:
لنفترض أنك اقترضت 10 دولارات وما يعادل 20 وحدة من العملة الوطنية عندما كان الدولار يساوي 2 وحدة من العملة الوطنية إلا أن عند حلول أجل السداد انهارت العملة الوطنية وبلغ الدولار الواحد 10 وحدات من العملة الوطنية هذا يعني أنك أصبحت مديوناً بمبلغ 100 وحدة أي أن الدين تضاعف خمسة مرات وبالتالي ستعجز عن السداد وستعلن افلاسك وتقوم بتسريح العمالة، وبحدوث ما سبق على نطاق الاقتصاد القومي يحدث الانهيار الاقتصادي، وبالقياس على الحالة التركية حيث يمثل نصف دينها الخارجي تقريبا التزامات على القطاع الخاص يمكننا تصور خطورة تأثير انهيار العملة بالإضافة إلى التضخم المفرط وهروب رؤوس الأموال الأجنبية يمكننا تصور عمق الأزمة مما أدى لحدوث حالة أعتبرها هلع مالي.
إلا أن قبل التعرض لحالة الهلع المالي لا يصح أن نغفل ذكر تأثير السياسة الخارجية لأردوغان المثيرة للمشاكل وذلك خلاف سياسة أحمد داوود أغلو مهندس السياسة الخارجية التركية بحكومة الحرية والعدالة (صفر مشاكل في المحيط) مما يعطينا تصور عن التغير الحادث في السياسة التركية وتدهور علاقتها بأوروبا بسبب الضغط بورقة اللاجئين وغيرها وما تلا ذلك من تفجيرات باسطنبول ومحاولة انقلاب فاشلة أعقبها اعتقالات بعشرات الألوف وإغلاق المجال العام وتدهور العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية اعتقال القس المتهم بالتجسس ومن ثم مؤخراً فرض عقوبات على واردات تركيا من بعض السلع لأمريكا، وجدير بالذكر أن تلك السلع لا تمثل سوى نسبة محدودة من الصادرات التركية إلا أن تدحرج كرة الثلج بدأ منذ عدة اعوام وبالتالي كل ما سبق يمثل دفعاً لها وليس أسباب جوهرية لتكونها.
يتم تعريف الهلع المالي أنه قيام الأفراد بتسييل الأصول أو سحب الودائع أو بيع الأسهم وفي نظم اقتصادية قائمة على العرض والطلب لتسعير أي شئ بما في ذلك العملة الوطنية فإن حدثاً مثل تراجع قيمة العملة سيؤدي بالأفراد إلى التخلص منها مقابل الدولار - العملة الأكثر استقراراً عالمياً - أو الذهب – الأصل الحقيقي وفقاً لأدبيات التمويل والمثالي لاستيعاب التضخم – والتراجع يؤدي للمزيد من التراجع والهلع ينتشر كالعدوى مما يؤدي لحدوث انهيار اقتصادي ما لم يتم التدخل بإجراءات سريعة منها زيادة سعر الفائدة والاقتراض من المؤسسات الدولية وفقاً لروشتة صندوق النقد أو دعم سعر الصرف أو تثبيته ووضع قيود على حركة النقد الأجنبي وغيرها من إجراءات إلا أن أردوغان وبسبب تدخله في السياسة النقدية ورفضه لرفع سعر الفائدة وتعيين زوج ابنته وزيراً للمالية على سبيل المثال وعدم إعطاء الاستقلالية اللآزمة للبنك المركزي التركي لمعالجة الأزمة تسبب في تفاقم الوضع ودفعه لمزيد من الانهيار، ومن البديهي أن دعوة أردوغان للمواطنين الأتراد لبيع الذهب الدولار لم تؤدي لتحست الوضع بل زادته سوءاً حيث أفادت تقارير إخبارية عن زيادة الطلب الدولار بعد دعوته.
الانعكاسات:
إلا أن هذا الانهيار لن يطال الاقتصاد التركي وحده حيث أن الاستثمارات المتعلقة بتركيا هي جزء من محفظة الاستثمارات العالمية في الأسواق الناشئة حيث أفادت تقارير إخبارية أن الأزمة التركية امتدت حيث هبط الرند الجنوب إفريقي بأكثر من 10% صباح الاثنين ليتداول عند أدنى مستوى له في عامين وبواقع 15.32 لكل دولار. كما كان البيزو الأرجنتيني والروبل الروسي من بين أكثر عملات الأسواق الناشئة تراجعاً. وهبط اليورو إلى ما دون 1.14 مقابل الدولار مع محاولة المستثمرين لتقويم الأضرار التي قد تتسبّب بها تركيا للبنوك الأوروبية، وتحديداً الإسبانية، والفرنسية، الإيطالية والتي لديها انكشاف كبير على الديون التركية، كما سجّلت أسواق الأسهم في عموم آسيا تراجعات حادّة، حيث هبطت مؤشرات نيكاي وكوسبي وشنغهاي وهونغ كونغ جميعها بأكثر من 1.6%. ويجب على المستثمرين أن يتوقعوا ردود أفعال مشابهة عندما تفتتح الأسواق الأوروبية اليوم، حيث ستكون أسهم البنوك في طليعة المتراجعين.
حيث أنه في حالة عجز الشركات التركية عن سداد التزاماتها للبنوك الأوروبية (خاصة اسبانيا التي يفوق اقراضها لتركيا مبلغ 60 مليار يورو) فإن ذلك من شأنها إشعال أزمة تطال منطقة اليورو مما يجعل الاتحاد الأوروبي امام بديلين إما إعادة جدولة الدين التركي وفرض شروط قاسية على تركيا قد تؤدي لاضطرابات سياسية في تركيا أو شطب تلك الديون والسير في سياسة التيسير الكمي وطبع اليورو لدعم البنوك الأوروبية وترك الاقتصاد التركي ينهار.
التوقعات:
أتوقع استمرار مكابة أردوغان والمزيد من الانهيار لليرة إلى أن يضطر للاستجابة لكامل طلبات أمريكا وأوروبا وربما دول أخرى مثل الصين للحصول على دعمهم لإيقاف إنهيار الليرة وسيعاني الاقتصاد التركي بعدها لفترة طويلة لحين الوصول لمرحلة استقرار نسبي آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا