الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملكة القانونية ... ام الملكات الذهنية والفكرية .. ارتقوا بفكركم القانونى ... د/ محمود رجب فتح الله

محمود رجب فتح الله

2018 / 8 / 16
دراسات وابحاث قانونية


الملكة القانونية هي قدرة رجل القانون على فهم اللغة القانونية لفظا ومعنى والتعايش فيها والتعامل معها وادراك وانتقاء ما يمكن منها من الفاظ عند الحاجة اليها اثناء العمل والتعامل المهني وهي ضرورة من ضرورات المهنة ووسيلة لابد منها لايصال الفكرة عند الحديث مع اصحاب الاختصاص وانعدامها يؤثر على قدرة الشخص في التعايش مهنيا وعلميا في الاجواء القانونية المحيطة به وهي تعتمد على قابلية الشخص في التركيز عقليا على ماتحملة الالفاظ القانونية من معاني ظاهرية وتوظيفها توظيفا صحيحا وهي تختلف باختلاف البيئة القانونية وطبيعة العمل القانوني والقضائي الذي يمارسه صاحبها وهي من الركائز المهمة في رسم ملامح الشخصية القانونية وكثرة العمل والقراءة والاطلاع من اهم اسبابها .
ذلك ان دراسة القانون دائماً يلفت نظرك ويزودك بمعارف وعلوم ومعاني ومفاهيم تمثل قيمة وأهمية متجددة، حيث يتم التعاطى مع تلك المعارف والمعاني والمفاهيم من خلال الاطروحات القانونية في شتى فروع القانون، ومن خلال الممارسة والتطبيق العملي الذي يجعل منها متحركة غير جامدة.
ومن المفاهيم ذات الأهمية في فقه القانون والتي نقرأها في العديد من الدراسات والابحاث القانونية، أو نتعامل معها في البرامج التدريبة التي تعقد أو تسعى لها المؤتمرات والندوات العلمية القانونية؛ مفهوم له رونقه وجماله على مسامع القانونيين، وله أساليبه وفنونه ومهاراته كمصطلح قانوني يكون هو أحد الأهداف المعلنة في بداية الدراسات والابحاث القانونية أو تقديم المواد التعليمية القانونية، والنتيجة المبتغاة في نهاية الأمر. وفي الغالب تكون صياغة النتيجة المتواخة أو المنتج الذي يُسعى إلى تحقيقه في قالب " تكوين الملكة القانونية" أو تنمية الملكة القانونية".
والملكة القانونية صفة في النفس ولكنها ليست أي صفة وإنما صفة رسخت وتأصلت ويتحقق بها الفهم لمقاصد النصوص ومرامي العبارات القانونية، مما يسهم في القدرة على إعطاء حكم قانوني للقضية المعروضة أو النص المطروح، من خلال النظر والتحليل والتفسير، فضلا عن الحرفة في الصياغة والتفسير، وتحليل وتكييف المراكز والشروط والعلاقات والواقعات القانونية.
وتظهر أهمية الملكة القانونية ليس فقط للقانوني وحسب وإنما أيضا للمجتمع الذي يعيش فيه. فالمستفيد الأول من وجود الملكة القانوني هو القانوني نفسه لأنه يتحصل من وجود هذه الملكة على فوائد عديدة فيزيد ذكاء عقله وإضاءة فكره وقد قال ابن خلدون: (حسن الملكات في التعليم والصنائع وسائر الأحوال العادية يزيد الإنسان ذكاءً في عقله وإضاءة في فكره، بكثرة الملكات الحاصلة للنفس، إذ قدمنا أن النفس إنما تنشأ بالإدراكات وما يُرجع إليها من الملكات، فيزدادون بذلك كَيَسًا لما يرجع إلى النفس من الآثار العلمية، فيظنه العامي تفاوتًا في الحقيقة الإنسانية وليس كذلك). كما يستطيع القانوني بوجود هذه الملكة إعمال الفكر في ما يخفى على من يطالع سطح النصوص وظاهرها ولا يدركه حقيقتها ومعانيها فيستنتج ويستنبط ما لا يمكن تصوره للقانوني الذي لا يتمتع بتلك الملكة. أما الفائدة التي يستفيد منها المجتمع الذي يعيش فيه القانوني المتمتع بالملكة القانونية معالجة القضايا القانونية الشائكة والمعقدة، ودعم ومساعدة المؤسسات التي تقوم على سن القوانين والأنظمة بإرشادها لأفضل الأساليب لصياغة النصوص ومعالجة أي صعوبة تواجه تطبيق تلك النصوص.
وتكوين وتنمية الملكة القانونية لا يأت بين يوم وليلة، كما لا يمكن تحصيله بحصولك على مسمى قانوني، فكم قانوني حصل على شهادة الليسانس والماجستير والدكتوراه في القانون وليس لملكته الشخصية أي حظ في القانون، كما لا يمكن الاعتماد عليه في تحليل نص أو تطبيقه، وإنما القانوني الذي يريد أن تتكون وتزيد ملكته القانونية يجب أن تكون قواه ومداركه العقلية والفكرية مستعده، وأن يبذل الجهد والهمة في طلب العلم القانوني دون كلل أو ملل، والمتابعة للقوانين الأساسية وللمبادئ القانونية للمحاكم على اختلاف درجاتها وأنواعها، ولآراء شروح فقهاء القانون في كل تخصص.
والمتأمل لواقعنا القانوني يجد غياب شبه تام -إلا ما ندر- لأصحاب الملكات قانونية التي يشار إليهم بالبنان، وهذا الغياب يدلل عليه مخرجات الأنظمة واللوائح التي نشاهدها تصدر بين فترة وأخرى. فلا تجد في تلك الأنظمة واللوائح رائحة إعدادها من قبل أصحاب ملكات قانونية حاذقه محيطه بالتصور العام والفلسفة القائمة ومدركة للنظام العام سواء الجنائي أو المدني أو الإداري.
فضلا عن إن غياب أصحاب الملكة القانونية يدعونا إلى وقفات كثيرة سواء على مستوى مخرجات التعليم والتدريب القانوني، أو على مستوى الاستفادة من الكفاءات القانونية التي سبقتنا في تكوين البيئة القانونية في مجتمعها للمساعدة في رسم استراتيجية تقوم على قراءة الواقع الحالي ومعوقات تكوين ملكات قانونية حقيقية واستشراف المستقبل لتكوين جيل قانوني يتمتع بتلك الملكة الرائعة.
قد تبدو مسألة القانون من حيث الدقة في صياغة المواد القانونية وحتى الألفاظ المستخدمة بشكل محكم أنها يستحيل أن تسبب أية ملابسات عند استخدامها من قبل القضاة والمحامين أو النيابة وضباط الشرطة، ولكنها، بالمقابل، قد تكون شديدة التعقيد لدرجة تؤدي أحياناً إلى نشوء مثل تلك الملابسات بشكل عجيب ومنطقي في آنِ معاً. وتلك معضلة ستظل قائمة بقدر ما في هذا العصر من متناقضات غير ملحوظة للمتخصصين وغير المتخصصين في هذا المجال على حدِ سواء.

ومن أكثر الأمثلة شيوعاً على مسببات تلك الملابسات ما قد ينشأ عند خلط كل من “الأسباب” و”النتائج”، أو طريقة ترابطهما معاً عند بحث أية قضية أو مسألة قانونية، ذلك الخلط الذي من شأنه أن يقلب موازين أية قضة أو مسألة قانونية رأساً على عقب ويجعلها تبدو وكأنها مثالاً للعدل والحكمة
ومن اللافت للنظر الضعف العام في الاجتهاد القضائي والمسائل الفقهية المتصلة به، وهذه النتيجة بسبب ضعف تنمية الملكات وتطوير القدرات، خاصة لمن انخرط في سلك القضاء أو الاستشارات القانونية فأصبحوا يعيشون في ظل انهماك العمل على الدراسات القديمة في المناهج العلمية التي كانت مقررة في كلية الشريعة أو غيرها، وبعضهم توقف بعد ذلك في المعهد العالي للقضاء، وابتعد كل البعد عن القراءة والمطالعة والبحث والاستزادة وأصبح جل اهتمامه متابعة التعاميم المتعلقة بصميم العمل أو ملاحقة السوابق القضائية حتى يعفي نفسه من عناء البحث والتأصيل مع أن المتغيرات هي الدائرة الواسعة في الفقه العام عموماً والفقه القضائي خصوصاً، وكم تأسف عندما تناقش بعض من تقدم به السن فتجده يورد لك المبررات والحجج التي عفا عليها الزمن، ولم تلاق محلها في الواقع المعاصر، وأصبحت تناقض قواعد العدل والمصلحة وما أكثر هذا. والسبب في كل ما تقدم هو ضعف التأصيل العلمي في بدايات تكوين الشخصية العلمية، ما جعلها قليلة الطموح محدودة الملكة قليلة المعرفة، وإن كان رصيدها من الخبرة كثيرا، إلا أن هذا لا يكفي في تأسيس الأحكام ونقضها، وترجيح الأقوال، وتحكيم النظريات وتعديل المبادئ، وحتى أختصر على القارئ الكريم أكتفي بما ورد من تحديد المشكلة، وأما علاجها فلعلي أسهم في ذلك بإيراد علاج مهم لها ألا وهو القراءة المتخصصة التي تبني روح الاستنباط وتقوّي الملكة الفقهية، وأذكر بعض الكتب التي لا يستغني عنها قاض أو محام أو قانوني أو فقيه مخصص، ومنها:
1ـ الموافقات في أصول الشريعة للإمام الشاطبي، فهو مرجع متين في بابه ويساعد على تكوين عقلية فقهية متجددة تنظر إلى الواقع بميزان الأحكام الفقهية مع الالتفات إلى مآلات الأمور ونتائج التصرفات ويعتبر الكتاب مرحلة متقدمة في التخصص إلا أنه جداً نفيس.
2ـ كتب القواعد الفقهية عامة، وكذلك كتب المقاصد، ومنها كتاب المقاصد لابن عاشور، حيث تضمن أبعادا جديدة لعلم المقاصد.
3ـ مصادر الحق في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري، وهو من أفضل الكتب في تحليل نظرية العقد وآثاره وأحكام زواله وأحكام التعويض عن آثاره، كما تكلم عن بعض النظريات القانونية، مقارنة بالفقه الإسلامي مثل نظرية السبب والبطلان، وأوجه الاتفاق والاختلاف بين الشريعة والقانون فيها. 4ـ الضرر للدكتور أحمد موافي، وهو من أنفس الكتب في شرح مسائل الضرر، سواء المادي أو المعنوي والضرر المباشر وغير المباشر وكيفية التعويض في ذلك.
5ـ المدخل الفقهي العام للدكتور مصطفى أحمد الزرقا، وهو ترتيب لمسائل الفقه بأسلوب النظريات وتحدث عن العقد والملكية والسببية والضرر بأسلوب جمع فيه بين الأصالة والمعاصرة،
6ـ التشريع الجنائي الإسلامي للدكتور عبد القادرعودة وهو من الكتب الأساسية في التشريع الجنائي ويحتاج إليه كل المختصين بالعمل القضائي وجهات التحقيق والادعاء العام وجهات الضبط الجنائي والجهات الأمنية التشريعية.
7ـ المسؤولية التقصيرية بين الشريعة والقانون للدكتور محمد فوزي فيض الله، وهي رسالة دكتوراه من كلية الشريعة في جامعة الأزهر نوقشت عام 1382هـ، وهي من روائع الكتب المعاصرة التي سعى فيها المؤلف إلى الجمع بين الفقه والقانون، وقل أن يكتب أحد في هذه المواضيع ولا يستفيد منها، سواء بأسلوب مباشر أو غير مباشر.
8ـ نظرية الضمان أو أحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه الإسلامي للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، وهذا الكتاب مشهور، ولذلك أكتفى بشهرته عن التعريف به.
9ـ وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية للدكتور محمد الزحيلي، وهذا الكتاب أصل في بابه، ويحتاج إليه كل المختصين والمهتمين، لأن الحقوق تعتمد على الإثبات وعليها تبنى الأحكام القضائية.
10ـ قضاء التعويض للأستاذ الدكتور رمزي الشاعر، وهو من الكتب المتخصصة، وناقش فيه المؤلف كثيراً من المسائل القانونية، وفق روح العدالة والمصلحة، واستفاد هذا الكتاب مما كتب سابقا ككتب الطماوي وغيره، وأضاف إليها بعض المسائل النفيسة، هذه أبرز الكتب، ولعل غيري يطرح كتبا أخرى يرى أنها أفضل من حيث بناء الملكة الفقهية وتوسيع المدارك القانونية، لكن أكاد أجزم أن أغلب هذه الكتب التي ذكرتها يتفق الكل في أنها مميزة في بابها، ولا يستغني عنها باحث أو دارس، نعم هناك كتب متخصصة في العقود والقضاء الإداري والتجاري، ولكل حاولت أن أذكر أهم الكتب التأسيسية التي تساعد على بناء الشخصية العلمية المتينة، ويكفي بالقلادة ما أحاط بالعنق. إن تطوير القضاء يحتاج إلى ثورة فقهية علمية تناقش المسائل، وفق أفق أوسع مستصحبين ميزان التمسك بالثوابت، ومراعاة المتغيرات، وبما يتفق مع قواعد المصلحة والعدالة. ومن المسائل التي سأفرد لها مقالا ــ بإذن الله ــ التعويض المعنوي الذي لا يزال رأي القضاء فيه يخضع لاتجاه مدرسة فقهية معينة مع اختلاف الأحوال وتأييد الجهات التشريعية لمبدأ التعويض، كما في نظام العمل والعمال وغيرها من المسائل التي ينبغي دراستها بنظرة تجديدية سمتها التجرد العلمي، وفق الأصول القضائية المعتبرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - كوريا الشمالية تعرب عن دعمها الكا


.. حديث السوشال | في الأردن.. معلمة تصفع طفلاً من ذوي الاحتياجا




.. مشاهد لاكتظاظ مدينة دير البلح بالسكان النازحين من رفح


.. تونس: متظاهرون يطالبون بتحديد موعد للانتخابات الرئاسية وإطلا




.. الجيش الإسرائيلي يخلي مراكز الإيواء من النازحين الفلسطينيين