الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيمانطيقيا الخطاب العدمي للملك المغربي

فؤاد وجاني

2018 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية




كل خطاب ليس مجرد وحدة من الإشارات السيميائية، بل هو بناء يسمح لتلك الإشارات بالدلالة على معنى ما. واللغة شكل من أشكال الممارسة الاجتماعية، فهي الحيز الرئيس لنقل الفكر والتعبير عن الرأي. وهي أيضا مجال لتحقيق السلطة أو إعادة فرضها. والملقي للخطاب هو المسؤول عن محتواه، ولو تداخل وشارك في كتابته وإعداده آخرون، إذ هو الآمر وهم المنصاعون لأمره، وبإلقائه للخطاب يكون موافقا ومصادقا على كل ما جاء فيه جملة وتفصيلا. وهو المتحكم في موضوع الخطاب، وفي فعل المتلقين الذين سيشاركون في تطبيقه على أرضية الواقع. والخطاب سلطوي، لأنه يحدد الموضوع ونوع النقاش الاجتماعي المُثار، ويقرر مسار ومصير شعب يفوق الأربعين مليونا دون أدنى تمثيل حقيقي أو صوت فاعل أو سلطة في التغيير. هو خطاب لا يُبث وجها لوجه أمام عيّنة من الشعب، أو وسط الجماهير في الشارع حيث موضعه الطبيعي والمنطقي، بل مسجل مسبقا مما يجعله أحاديَّ الجانب. وتلك دلالة على الموقف المتعالي للحاكم ونظرته الدونية التي يكنها للشعب. فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم ليست أفقية كما ينبغي، بل عُلوية وسفلية، وخَطّاها متوازيان لا يلتقيان أبدا.

نتساءل ما الذي يجعل المسؤولين المتدرجين في مناصب الإدارة والفاعلين السياسيين لا يعملون ضمن تلك القيود التي يحددها الخطاب الملكي كلما مرة، ويتلكؤون في الالتزام به، ويعزفون عن تنفيذه، أليس أحد الأسباب عدم امتلاك الخطاب الملكي صفة الشرعية المنبثقة من حوار اجتماعي متبادل ومشاركة للشعب في السلطة والقرار؟

هو خطاب لبيع الأوهام واستدراج الشعب لمرحلة أخرى من الحلم المتواصل اللامتناهي. ولا يغدو مجرد قوة أخرى خفية للتلاعب بتوجهات وطموحات الجماهير، إذ لا يختلف سوى شكلا عن الوسائل الأخرى المستعملة في تنميط الشعب وإلهائه كالفن والرياضة والثقافة والإعلام.

كنا ننتظره خطابا واقعيا، يعترف بذنب السلطة، ويقر إجرامها في حق ذوي الرأي وناشدي الإصلاح، ويعلن عن إطلاق سراح كل المعتقلين منهم والاعتذار الرسمي لهم، ليقترن النقد بالإصلاح، أو كما جاء في الخطاب. بل الأكثر والأرعن من ذلك، أن الخطاب في إيحاءاته الرمزية والزمانية والمكانية والصوَرية قد جاء لتكريس المقاربة الأمنية والتلويح بالاستمرار في استعمال العنف ضد كل من حذا حذو المحتجين في الحسيمة، معتبرا إياهم دعاة فوضى وفتنة ومتطاولين على أمن المغرب واستقراره.

إن ما نشرته وما زالت التقارير الغربية والأممية من مكانة المغرب في ذيل مؤشرات التنمية لَيدحض وبالأرقام ما تفاخر به الملك من منجزات منذ اعتلائه العرش قبل تسعة عشرة سنة.

ختاما، ومن باب الإنصاف والموضوعية، فإن الخطاب تناول نظريا أمرين إيجابيين:

أولهما، يتعلق بإحداث السجل الاجتماعي الموحد لضمان استفادة الأسر المعوزة من يرامج الدعم على ندرتها. وأما الثاني فيلزم إخراج الميثاق الجديد للاستثمار لتسجيل وإحداث المقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تعتبر المحرك الاقتصادي في كل الدول، تحفيزا للمستثمرين والمقاولين، وإلغاءً للعراقيل والعقبات أمامهم.
فهل سيُنفذ هذان المشروعان أم سيحتلان سطرين إضافيين في اللائحة الطويلة لبيع الأوهام؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و