الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب و مستقبل سورية

خالد قنوت

2018 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


في أواخر ثمانينيات القرن الماضي, كنا مجموعة من الشباب المنتمين لعدة مشارب سياسية أغلبها يساري نجتمع مع المفكر السوري الراحل إلياس مرقص و كانت تلك الاجتماعات تأخذ طابع نقاش فكري فلسفي و سياسي و بحكم أننا في عمر الشباب كنا ننصت بشغف لتلك القامة الوطنية بما تحمله من قدرات علمية و تجربة طويلة في العمل كمفكر ماركسي درس في أهم جامعات اوربا الغربية و كسياسي عمل في اهم مراحل تشكل الحياة السياسية السورية بعد الاستقلال حتى استيلاء العسكر على السلطة في سورية وصولاً للبعث و كمناضل حزبي في الحزب الشيوعي السوري اللبناني و صراعه الطويل مع القيادات الفردية الاستبدادية وكمنظر في علم الاجتماعي بحكم عمله مدرساً لهذا المادة في مدارس سورية.
عبقرية هذا الرجل انه كان يملك قدرات فوق عادية في ايصال افكاره الى شريحة واسعة و متنوعة من الناس و متفاوتة القدرات العلمية, و بحكم ان معظمنا كان يدرس في كليات علمية فقد كان معظم حديثة مرتبط بالمنطق الرياضي و المعادلات و قانون الاحتمالات و الفراغ الاقليدي و عمليات التدرج و التكامل و التفاضل و شرح علمي لمفهوم جذر الناقص واحد, الذي كنا ندرسه في جامعاتنا بتجرد دون فهم حقيقي و دون ربط فلسفي بالواقع المحسوس.
كان يسألنا في كل اجتماع عن فهمنا لتلك المعادلات الرياضية و كيف يمكن ان نقدم حلولاً بنتائج محددة ثم يطرح علينا السؤال الاكثر ارباكاً لنا عن تطبيقات هذه المعادلات في الحياة العملية و عن علاقاتها بالعلوم الاخرى الانسانية و الفيزيائية و في ذهنه بلا شك أننا جيل من ضحايا التعليم النسخي الكمي و التقريري البعيد عن التعليم النوعي التخصصي و البحثي الاستنتاجي المرتبط حتماً بالتطبيق.
أكثر ما كان يدعونا إليه, هو العقل و عن ضرورة تأسيس معرفي صحيح تراكمي, شخصي و جمعي, يبدأ بالجذور نحو الجذوع فالاغصان فالاوراق و لا يقفز إلى الاوراق او الاغصان في شجرة المعرفة, و أن كل بناء مهما علي هو بناء حتمي السقوط إذا لم يكن على اسس قوية و متينة.
في حادثة شخصية لي معه, أنني حاولت أن اقدم رأيي بأحد المواضيع التي كان يطرحها و أنا في عمر الشباب و الحماسة و ملتزم ببرنامج ثتثقيفي و معرفي إلى جانب دراستي الجامعية, ربما على حسابها, و أحمل افكاراً ثورية شبابية كأي فرد من أفراد تلك المجموعة. استمع الراحل إلى كل كلمة قلتها حتى أنني أحسست ببعض الارباك من صحة أو منطق ما أقوله لأنه كان ينظر إلي و هي يمسك بولاعته ليشعل سيجارته كعادته ثم يرميها على الطاولة. أذكر أنني و لفترة قصيرة لم أعد استمع لمداخلات الآخرين و أنا اعيد في ذهني ما قلته قبل قليل و هل كانت حركاته نوعاً من الاستخفاف او عدم الاكتراث, لكني تابعت الانصات إلى النقاشات لساعات طويلة.
في اليوم التالي, عدنا لاجتماعنا المسائي لكنني دهشت عندما التفت الي المرحوم الياس مرقص و قال لي: (طوال الليلة الماضية و أنا أفكر في ما قلته البارحة و أعتقد أنك على درجة كبيرة من الصحة ...) ثم ابتدأ حديثه و نقاشه بالفكرة التي طرحتها و اخذ يطورها و يغنيها بمعرفته.
أعتقد, أن تلك اللحظة كانت لحظة حاسمة و مفصلية في شخصيتي و كيف أثر هذا الانسان العالم في مستقبلي و اعطاني و أعطى كل واحد من افراد تلك المجموعة درساً في التواضع أولاً و درساً من التعامل الانساني بين جيل يملك المعرفة و العلم و الخبرة و يؤمن بجيل الشباب و حقهم في التعبير و المشاركة و بالأهم حقهم في اكتساب تلك المعرفة و الخبرة و في تعزيز ثقتهم بانفسهم و الايمان بهم لأنهم من سيحملون على عاتقهم مستقبل وطن و آمال شعب.
ما أصبو إليه من هذه السطور, أن نؤمن جميعاً بالشباب و بأننا نمثل مرحلة مثقلة بالاستبداد و العنف و الخيبات و الامال الواسعة و حتى الواهية و مهما امتلكنا من معرفة و علم و خبرات فإن حالة ثورية واعية تمنح جيلاً من الشباب الوطني خبرات و تجربة أفضل بكثير من تجارب و محاولات سياسية عشناها, سحقها نظام الاستبداد على مدى نص قرن من الزمن لو توفرت لهذا الجيل اسس بنائه الصحيحة.
ما أدعو إليه هو برنامج وطني شبابي مدروس بشكل علمي و أكاديمي يمنح الشباب السوري حق, و ليس فرصة, العمل السياسي و المشاركة الفاعلة لبناء كوادر لسورية القادمة تكون مؤمنة بقيم وطنية و انسانية و اخلاقية تشكل نواة بشرية لبناء سورية محررة و حرة و حديثة.
في حديث للاستاذ ميشيل كيلو يقول: (اننا نفتقر إلى عنصر الشباب في عملنا السياسي و معظم سياسيينا و مثقفينا و للأسف هم في عمر متقدم جداً و هناك هوة كبيرة بين جيلنا و جيل الشباب الذي خرج في حراك سلمي وطني عظيم في عام 2011)
إن نصف قرن من الاستبداد افقد سورية ثلاثة أجيال عمرية قادرة على العمل السياسي كانت ستمتلك المعرفة و العلم و خبرات أجيال سابقة, وكان على عاتقها مهمات وطنية كبيرة خاصة في العمل ضمن انتفاضة آذار 2011 من أجل الحرية و العدالة و بناء دول المواطنة مما أدى إلى غربة بين جيل قديم بأدوات و مفاهيم الخمسينات و الستينات و السبعينات و جيل بأدوات و مفاهيم ما بعد الالفين و عشرة و هذا ما أدى بالضرورة إلى فقدان الحراك الوطني إلى أهمية ترميم كوادره و تطوير اساليبه بما يتناسب مع الواقع و أحداثه السريعة و بالتالي كان العنف و التسلح هو الاقرب لطبيعة الشباب على حساب العقل و الفكر أو بتحمل قسوة مغادرة الوطن نحو الاغتراب و النزوح.
سورية قادمة على تحولات كبيرة و بتقديري تحولات لاوطنية لأنها بإرادات إقليمية و دولية مهيمنة و لا يمكن أن نحول تلك التحولات إلى وطنية بدون عنصر الشباب السوري الوطني و الممتلك للوعي و العلم و المعرفة و المستفيد من تجارب أجيال سابقة عانت الفشل و الاستبداد و العزلة طويلاً لكنها تتطلع إلى مستقبل وطنها بعيون و عقول شبابها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار