الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عدوى الديموقراطية ..وعمرو موسى ..!

هادي فريد التكريتي

2006 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الديموقراطية ، في دول الديموقراطيات العريقة بممارستها ، تحترم ليست فقط تلك النصوص المكتوبة التي يشتمل عليها الدستور ، وإنما تلك الأعراف المرشدة ، والقواعد المؤشرة على النهج الديموقراطي للحكم ، والديموقراطية لا تعني المساواة فقط بين مكونات المجتمع ، من رجال ونساء ، وطوائف أثنية وقومية ، وتمتعهم بحقوق متساوية أمام القانون ، إنما تعني كذلك احترام إرادة المجتمع الذي أرسى قواعد وتقاليد صياغة الدستور ومواده ، وآليات وقواعد أخرى التي مورست وقت صياغته ، ربما تكون مكتوبة ، وربما لا تكون ، إلا إنه يجري التعامل بها ومعها كضوابط مستقبلية ، وكنصوص في مواده ، لا يمكن الإخلال بها أو تجاهلها ، وحتى لايجوزتعديلها ، مهما كانت الظروف والأحوال ، وحتى في الظروف القاهرة جدا ، إن تم تعديل بعض نص في مادة ما ، نتيجة لحروب أو لكوارث طبيعية ، فليس قبل أن يتم الشرح والتوضيح للمجتمع ، عن الأسباب والدوافع التي تطلبت هذا الأجراء ، وإن كان من النادر الإقدام على تعديل ما لصالح فرد ، لتمديد رئاسة مثلا ، فمثل هذا ُيعتبر مؤشر لنهج دكتاتوري يغتصب حقوق الأفراد ، ويستهين بقدراتهم ، فالشعب عندهم دائما ، معين غير ناضب من قدرات المواطنين الخلاقة والمبدعة ، وهو من يرفد المجتمع بالقادة والمبدعين ، ذوي مؤهلات إبداع وتطور ، في كل مجالات الحياة وليس هناك من مجال ، لاكتشاف قدرات المواطنيين سوى الممارسة العملية في مؤسسات المجتمع التي يكفلها الدستور للمواطن .
هذا الواقع لم نعرفه أو نراه في مجتمعاتنا العربية أو الإسلامية ، فلا قدسية لدستور وضعي ، يختاره المجتمع لتنظيم حياته ، ولممارسة المواطنين لحقوقهم وضمانتها ، نتيجة لفهم خاطئ للحياة عندنا ، يمزج قسرا بين الدين والدنيا ، بالرغم من أن الأديان قاطبة ، بغض النظر عن اختلاف في التفاصيل ، تهدف سعادة الإنسان وإعلاء قيمه ، وأعطته الحق لتنظيم حياته ، " أنتم أعلم بأمور دنياكم " وفق تطور سنن الحياة وقوانينها الموضوعية . الوسائل التي حققت للغرب ، بشكل عام ، تطوره وتقدمه هي الأساليب الديموقراطية في الحكم ، وهذا ما يتنادى له المصلحون الاجتماعيون ، والقادة السياسيون ، ورجالات الحكم ، عندنا ، على الرغم من أن البعض من رجال الحكم ورجال السياسة لا يؤمنون بهذه المبادئ ، إلا أنهم لا يجدون فتيلا من التماهي مع ضغوط المطالبين بها ، ولو لفترة من الزمن ، حتى يجدوا الحجة والسبيل للنكوص عنها ، لذا نراهم لم يعدموا الوسيلة ، وهم يحاولون الإلتفاف على مبادئها ونهجها ، وافراغها من محتواها ، واتباع أساليب تزيف جوهرها ومحتواها ، فالكثير من الحكام " المنتخبون " وفق مبدأ 99’99% من رؤساء الجمهوريات عندنا ، تنص دساتيرهم الوطنية و" الدموقراطية "، على فترة زمنية لتوليهم رآسة الدولة " الجمهورية" ، إلا أنهم يخرقون الدستور ، لأكثر من مرة ، بتعديلات غير دستورية ، من أجل البقاء على دست الحكم ، دون مبرر أخلاقي أو قانوني ، حتى تحولوا إلى ملوك يورثون رئاسة " الجمهورية " لأولادهم ، وربما لأحفادهم ، ورغم هذا نجدهم يتحدثون عن الديموقراطية والإصلاح الديموقراطي بصوت عالي ، دون خجل أو حياء ، حيث حولوا مجتمعاتهم إلى مزرعة خاصة ، أو مجتمع " خصيان " لا يجود المجتمع بفحل من سواهم ، أو غير قادر على إنجاب من هو مؤهل لتولي أمر العباد أو الرعية من بعدهم ، إنها المأساة التي تعيشها شعوبنا بحكم هؤلاء الحكام ، ولو كانوا قد أنجزوا منجزا حضاريا ، أو أسسوا نهجا يعود على الملايين المعدمة بلقمة عيش شريفة ، لهان الأمر ، ولاستخلفنا أمر ربنا فيهم ، إلا أنهم جرونا ، ويجروننا من جريمة لأخرى أبشع منها ، ومن هزيمة لأخرى أشنع من سابقتها ، وأوقعوا شعوبنا ومجتمعاتنا في خذلان وفرقة ليس في التاريخ لها مثيلا ، والأكثر من كل هذا ، وبعد كل هذه الهزائم ، يخرجون علينا بأنهم حققوا مكاسب وانتصارات لشعوبهم ، ليس هذا ما حصل في العراق فقط ، وما ارتكبه من جرائم بحق العراقيين والعرب ، القائد "المهزوم أبو الهزائم " ، فهناك الكثير منه في " بلاد العرب أوطاني " منهم من مضى على تسنمهم الحكم أكثر من ثلاثين عاما ، ولا زالت تعاني شعوبهم ، من فقر وتخلف وفساد نتيجة حكمهم ، تماثل ما عانى الشعب العراقي ، ولكن دون الإتعاظ بما حصل للعراق ولشعبه ..
العدوى ، عدوى تمسك الحكام بالنهج " الديموقراطي " وفق مواصفات ومقاسات الحكام ، انتقلت إلى الجامعة العربية ، فالجامعة ، هي نسخة طبق الأصل من واقع الحكام العرب ، وفشلهم في قيادة شعوبهم نحو واقع أفضل ، أو تحسن في أداء تعاملهم مع شعوبهم ومنظمات المجتمع المدني ، فالجامعة العربية أسوة بمن ُتمثل من الأنظمة ، لم تحقق للعرب أيا من طموحاتهم ، لا سوقا عربية ، ولا وحدة اقتصادية ، ولا أمنا إقليميا ، ولا محكمة عربية ، ولا مسعى ، ( على عينك يا تاجر ) من أجل حرمة واحترام للمواطن ، أو تمتعه بحقوق آدمية ، تضمن الحد الأدنى من حقوق الإنسان في العالم ، ولم يبد رئيس الجامعة ، حتى مجرد مشورة ، ولو بالسر يبديها للحكام العرب ، من ضرورة الإلتزام بنصوص ومواد دساتيرهم ، واحترام تواقيعهم التي حملتها تلك الدساتير ، المغرقة بتفاصيل مختلفة عن حرية المواطن وحقوقه ، دون تطبيق أو ممارسة لها . بعد كل هذا الفشل الذي تحقق ، لعمرو موسى ، في قيادة الجامعة العربية ، يستأثر بخرق دستورها ، ويسعى ، بل سعى وانتهى الأمر ، إلى تعديله ، لتعاد تسميته لولاية جديدة ، لرآسة الجامعة العربية .هل هي عدوى الحكام والقادة الفاشلين ؟ ما هو التقييم الذي جرى لفترتي قيادته للجامعة ؟ وهل هي مكافأة للفشل في عدم تحقيق أدنى طموح لشعوب الدول العربية ؟ ما هي المؤهلات التي يحظى بها السيد عمرو موسى ، ويفتقد لها الآخرون ؟ الدول العربية نفوسها تربو على ثلاثمائة مليون ، أليس فيهم من هو أهل لشغل هذا المنصب غيره ؟ والخبراء والعلماء والسياسيون من الدول العربية ، تضج بهم مؤسسات ودوائر الدول الرأسمالية والديموقراطية ، وكلهم يتمتعون بكفاءة عالية في مجالات علمهم وعملهم !! والسؤال المهم ، لماذا تبقى قيادة الجامعة مرهونة بمصر ، وخاضعة لتوجهات حكمها ؟ ولماذا لم تعارض وزارة الخارجية العراقية هذا النهج ؟ وهذا ما يجب أن تناضل دونه وتسقطه القوى الديموقراطية في مختلف البلدان العربية .
على القوى الديموقراطية العراقية ، بكل أحزابها ، وتوجهاتها الفكرية والتنظيمية ، أن تضغط باتجاه عدم جواز تعديل الدستور " مطلقا " فيما يخص رآسة الدولة العراقية لأكثر من دورتين متتاليتين ، وحبذا لو أقدمت الأحزاب العراقية ، على النص في أنظمتها الداخلية بعدم جواز إعادة انتخاب ، رئيس الحزب أو سكرتيره أو أمينه العام ، لأكثر من دورتين كذلك ، وفي هذا المنحى تتجدد القيادات وتتفاعل مع كل جديد ، كما تترسخ المبادئ الديموقراطية في نهج هذه الأحزاب ، وتحول دون تعميق نرجسية القادة ، بعدم وجود البديل القادر على إدارة الدفة من بعدهم ..وبذا يمكن الحيلولة دون انتقال عدوى الديموقراطية المزيفة ، في مؤسسات المجتمع ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تستخدم الدراجات لمواجهة المحتجين في جامعة ميشيغن


.. جانب من بروفات موكب عيد النصر في موسكو




.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ أطلقت من جنوب لبنا


.. مشاهد لآثار الأضرار في مستوطنة -كريات شمونة- إثر سقوط عدة صو




.. نصائح ذهبية لا تفوتك إذا كنت ترغب في بيع سيارتك المستعملة