الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الحرية في التاريخ العربي وآفاق التغيير

نجاة الموسوي

2003 / 3 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


نجاة الموسوي في ملتقى الأحد بالمنبر الديمقراطي التقدمي:
إشكالية الحرية في التاريخ العربي وآفاق التغيير

 
أقامت جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي مؤخراً ندوة بعنوان "إشكالية الحرية في التاريخ العربي وآفاق التغيير" للكاتبة نجاة الموسوي وذلك بمقر الجمعية بالجفير. وقسمت المحاضرة موضوع الندوة إلى ثلاثة محاور هي: الحرية في التاريخ العربي القديم، والحرية في العهد الإسلامي والحرية في التاريخ الحديث.

الحرية في التاريخ العربي القديم

بدأت الموسوي بتوصيف تاريخ العرب القديم الذي وصفته بقولها: نستطيع القول إن التاريخ العربي هو تاريخ الفلاحين والارستقراطيين أي أنه منقسم إلى سيد ومسيود الأمر الذي خلق صراعاً شكل أول ملامح المطالبة بالحرية من خلال الانتفاضات الفلاحية - وليست العبيدية - وذلك نتيجة لشدة القمع والاستغلال والعبودية. وقالت: الفلاح هو اللبنة الأساسية لصنع الحرية وأكثر من ذلك عندما يتعانق الفلاحون مع العبيد في أكثر المواقف خاصة للمطالبة في عتق رقبة العبد من الارستقراطيين ومن هنا تشكل الفكر السياسي أثناء قيام التحالف بين طبقة الفلاحين والعبيد من جهة وطبقة الإقطاع والعبيد من جهة أخرى الأمر الذي شكل مواقف متأرجحة بين التحالف والتخاصم وفي بعض الأحيان يجتمع هذان الأخيران في ما يمكن تسميته بوحدة وصراع الأضداد. واستطردت الموسوي: إن مشاركة الفلاحين للارستقراطيين في الاستحواذ على الأرض ووسائل العمل جعلهم يشاركون في صنع أيديولوجيا صيغت على شكل ميثولوجيا الأسطورة العربية مما يشير إلى أن الحرية متداخلة في الأساطير والبحث عنها يدفعنا لدراسة هذه الأساطير وتفكيك رموزها، مضيفةً أن علماء الميثولوجيا توصلوا في بحثهم إلى وجود عداء اتجاه الدولة المستبدة والنقد المعادي لأيديولوجيتها.

وأعقبت: يدلنا البحث في الأسطورة العربية على المخزون الذي تحمله هذه الأسطورة من دلائل بأن الفلاح العربي بنفسيته المتحررة مجبول على حب الحرية التي جسدها على شكل رمز للمستبد بحيوان شرس وهو الإعاقة في سبيل الوصول إلى الحرية بالإضافة إلى أنه يمكننا أن نستشف عداء الفلاح المنتج وحلفاءه من العبيد اتجاه الدولة المستبدة في ذلك الوقت والنقد المعادي لأيديولوجيتها خاصة بالنسبة إلى الفلاح المتمتع بالحرية نوعاً ما، قياساً بالعبد. وتابعت: نلاحظ أيضاً أن الصراع على السلطة يؤدي إلى تحول شطر كبير من الارستقراطيين إلى فلاحين وأحياناً إلى عبيد مما أوجد جسراً بين الفلاحين والعبيد الأمر الذي جعل الأسطورة تحمل في طيّاتها متناقضات عديدة في تصويرها للحرية ومنها الاستسلام الذي جاء في الميثولوجيا الجنسية - قصة الأرض والسماء - وفيها تسويغ لأفكار السلطة وتضييع اللحظة التاريخية لاكتشاف العلاقة الشرطية بين الاضطهاد والاستغلال من طرف وامتلاك قوى الإنتاج من طرف آخر أي تسويغ الفقر والغنى بأنهما أمر طبيعي لا حول ولا قوة للناس فيه. لهذا - والحديث للموسوي - اتجهت صيغ الأساطير لتأخذ طابعاً سلفيا ورومانسياً حزيناً يتراوح بين دعوة للفردوس المفقود أو انتقاداً للأوضاع السياسية والدينية وتشكيكاً في الآلهة كما جاء في نص ما بين النهرين (لم يكن هناك حية ولا عقرب .. لم يكن يوجد الضبع ولا الأسد.. ولا الكلب البري ولا الذئب) ويفسر هذا النص بأنه دعوة للفردوس المفقود الذي كان ينعدم فيه الاستغلال. وأشارت الموسوي إلى أن الصيغة الثانية من تصور الحرية هي النقد للواقع من العهد السومري) حيث صورت الرسوم السومرية أنه من الأحسن للفقير أن يكون ميتا إذ حين يكون لديه خبز يفتقد ملحه وحين يكون لديه ملح يفتقد الخبز . وأضافت: قد تحدث اختراقات بين الحين والآخر فتحول الفلاحين إلى عبيد يزيد من عددهم وتحدث مواجهة قوية وهنا تكون الحرية أكثر تبلوراً حيث تتحدد صورتها في ساحات المعارك وازدياد قوتها التي تتحول إلى جحيم من العنف والاستغلال ومن هنا يحدث التجاوز في التاريخ ويبرز تصور البعد التقدمي.

ولخصت الموسوي ما تقدم بقولها: إن إشكالية الحرية واقعاً موضوعياً وتصورا ذاتيا في إشكالية النمط الاقتصادي - الاجتماعي - السياسي ومجتمع العلاقات القروية أي الانغلاق والانفتاح التاريخي والذي يشكل تعاقباً وتصاعداً، ترميماً وثورة. وأشارت إلى أن العنف والاستغلال دافعان لنشوء وتبلور الحرية على صورة فعل تحويلي حتى مع غياب أيديولوجيا واضحة مستشهدة بقول فؤاد الشمالي: إن أكثر العمال يتظاهرون لأجل حقوقهم ويضربون عن العمل وهم لا يعون السياسة ولا التكتيك ولا الاستراتيجية. وأكدت ان تعثر الحرية ساهم في دمار بعض الأمصار مثل الدمار الذي حصل في اليمن وتساءلت الموسوي عن مصير المجتمع العربي القديم (المشاعي) وعن ما آلت إليه ثقافته وأساطيره. وقالت: إن الإجابة عن هذا السؤال معقدة للغاية وتتشعب في اتجاهين: بعض الأمصار التي واجهت دماراً طبيعياً كاليمن فقدت حلقة من حلقات الحرية أما الأمصار التي نجت من التدمير فقد سلكت سلوكاً متقدماً أوصلها إلى القرن التاسع عشر وتحولت تدريجياً من النمط الآسيوي إلى النمط الرأسمالي بالإضافة إلى أن هناك بلداناً مقتسمة بين مشاعية بدائية ومشاعية قروية وارستقراطية تجارية وصيغ من الإقطاع العسكري والمدني الأمر الذي أدى إلى صهر واختزال هذه التعددية فبرزت الرأسمالية التجارية وبقى العنصر المشاعي للأرض ضعيفاً جداً وسائر إلى الانحسار متى ما حاول التشبث واللجوء مثل قرامطة العراق.

الحرية في الإسلام

وقالت نجاة الموسوي: الإسلام وريث للمجتمع المشاعي القديم لكنه ليس امتداداً له وعندما أتى الإسلام في القرن السابع الميلادي كان يحمل طموحين: التوحيد القومي للقبائل والأمصار والتحرر الاجتماعي الإصلاحي وشكل الإسلام في تلك الفترة مظلة لكل الثقافات التي كانت موجودة آنئذ على اعتبار أنه جاء ليعبر عن مجمل الآراء الثقافية فاستظل به كل الفرقاء من أصحاب الرأي والحديث إلى الخوارج والمرجئة والشيعة والسنة والأشاعرة.

وأكملت الموسوي: كانت الحرية عنواناً بارزاً لهؤلاء الفرقاء، كل منهم يفسر الحرية بحسب موقعه الاقتصادي ومن هنا برزت حركات اجتماعية متناقضة ومتخاصمة فجرت الحوار والخصومة والصراع تحت مصطلحين الجبرية والقدرية. وتشرح الموسوي هذين المصطلحين بقولها: الجبرية هي سلطة سياسية كانت سيدة الموقف بزمانها وأتباعها من ملاك الأراضي الشاسعة، أول من قال بها هو معاوية، وقد عملوا على مكافحة القدرية وكان شعارهم عزل جماعة القدريين (المعارضين) حيث يمنع أن يسلم أحداً عليهم وإذا مات أحد منهم لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يشيع إلى قبره، أما القدرية فهي معارضة ثقافية سياسية اقتصادية دينية بدأت منذ قيام الدعوة المحمدية في مكة. وقالت: تم حسم الموقف الأيديولوجي لأنصار الحرية أو لأعدائها بطرق متعددة كالانتقاء من آيات القرآن الكريم حيث اختارت السلطة الإسلامية الآيات التي تدعو إلى الاستسلام بعيداً عن أي حوار، أما جماعة القدريين (المعتزلة) فاختارت الآيات التي تعبر عن أريحيتها مثل قوله تعالى "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" أي أنهم آمنوا بالحرية وبمشاركة الناس في السلطة ومن بعدهم جاء القرامطة الذين جندوا أنفسهم للدفاع عن المستضعفين في الأرض. وتطرقت الموسوي إلى إشكالية موازين القوى الاجتماعية التي فرضت نفسها إبان الحكمين العباسي والأموي والتي اتسمت بأشكالها المتعددة وصيغها المعقدة مما يدعو للقول إن الحرية هنا خضعت لحال الطبقات الاجتماعية واستقطاب اتجاهات واستنفار أخرى سواء كانت دينية، أو علمانية، أو إلحادية وبقت الحرية في هذه الموجة الضخمة من الصراعات وحملت الفتوحات الإسلامية نفس هذه الإشكاليات إلى الدول الإسلامية فالثورات تأخذ نفس الاتجاهات سابقة الذكر وهي محصلة ذهنية لجميع الإشكاليات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية. وبينت الموسوي: في القرن الثاني عشر الميلادي ، حدث تحول عميق في المفاهيم حيث افترض ابن رشد أن العالم أزلي قديم وأن حركته ذاتية "لا شئ من عدم ولا شئ بلا عدم"، وسلك الفلاسفة من بعده نفس مسلكه حتى القرن الرابع عشر حين جاءابن خلدون والمقريزي اللذان ساهما في البحث الاجتماعي على صعيد الحرية ومن جملة ما قالاه أن الحرية هي سيطرة بشرية متعاظمة على العلاقات الطبيعية وعلى العلاقات الإنتاجية.

وأوضحت: مارس الاتجاه العقلاني ورواده (الماديون، التوحيديون والانسانيون) فعلهم الإيجابي على مسيرة التاريخ العربي الإسلامي في العصر الوسيط حيث أكدوا قدرة الإنسان على الفعل وعلى أن الكون يمتلك حركته الذاتية وهذا يعني أن الرأسمالية التجارية خلقت هذه الاتجاهات، مشيرة إلى أنه وإن كان ابن خلدون متأخراً عن الازدهار الذي حصل في القرن العاشر، إلا أن ذلك لم يقلل من بلوغه - هو ومجموعة من الفلاسفة العرب والاجتماعيين - لآفاق عليا من تصور الحرية. ونوهت الموسوي إلى أنه في الإسلامي الوسيط برزت مسألة الحرية وأهمية الإنسان وقيمة إرادته وجعلته مسئولاً عن تصرفاته واختياره وبرز الإيمان بالنضال ضد محتكري الحريات. واسترسلت نجاة الموسوي بقولها: جاءت بعد ذلك فترة الحكم العثماني الذي يشكل امتداداً للجبريين وكان يمتلك سلطات استبدادية مما جدد طموحات الإقطاع، وشدد الفكر العثماني على أن الإنسان غير مهيأ للحرية وإن طالب بها فإنه ينتقص من إرادة الله ومن هذا المنطلق مارس رجل الدين إلى جانب مهامه الدينية العمل السياسي. ثم تحدثت الموسوي عن المرحلة التالية وهي مرحلة النهضة في عهد محمد علي بمصر ومثلت عصر البرجوازية العربية التي شكلت مشروعاً عربياً متقدماً ولكن المشكلة كانت في تزامنها مع نشوء البرجوازية الغربية التي تكونت في عهد النهوض الرأسمالي فصارت مشروعاً للبناء والتطوير بينما تكونت البرجوازية العربية في فترة هبوط رأسمالي الأمر الذي جعل منها تابعة للبرجوازية الغربية ليس لها أية مصلحة في البناء والتطوير وأصبحت متممة للخطط الاستعمارية أو إلى حالات غير مدروسة مبعثرة ومتواطئة مع الأجانب في مقابل أن يحافظ على قوتها وقوانينها وأدوات سيطرتها التي حملتها معها أثناء نضالها ضد الإقطاع وانتصارها عليه. وتابعت: وسقطت النهضة بسقوط محمد علي وهيمنت بعد ذلك مجموعة من المحاولات التي تبلورت مع الانحدار الإمبريالي ونشوء أول ثورة اشتراكية في روسيا القيصرية أي نشوء حركة التحرر الوطني. وقالت الموسوي: بنشوء هذه الحركة برزت أزمة وهي تناقض الأيديولوجية البرجوازية كونها قومية معادية لحركة التحرر الوطني والتي تمثل الطبقة العاملة وحلفائها وهذه الأخيرة كانت تعاني من أزمة عدم وعي الطبقة العاملة وحلفائها بضرورة الحركة ومنعت بالتالي من أن تكون في موضع القيادة في هذه الحركة.

(الحرية... اليوم)

وأكدت الموسوي: لدينا أزمة مترابطة مع الصراع الأساسي الذي يدور في المنطقة بين حركة التحرر وبين الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية التي أخذت تكتسح العالم العربي من بعد وفاة جمال عبد الناصر ومجازر الحكم الهاشمي ضد الفلسطينيين في أيلول الأسود التي استهدفت حركة التحرر بكاملها، وتلتها مخططات كيسنجر بقيادة السادات وتصفية القضية الفلسطينية حيث وجدوا عقبة لبنان أمامهم والذي يتميز بالحريات والتلاحم مع الثورات فتم ضربه بحرب أهلية وأثناءها ضرب المعسكر الاشتراكي فتفككت حركة التحرر بتفكك نصيرها. واختتمت الموسوي حديثها بتأكيدها على أنه يتوجب علينا التفكير في قضية الحرية على أساس أنها كل لا يتجزأ، متمثلة في الديمقراطية الثقافية والديمقراطية السياسية التي تشكل مدخلاً لنيل الحرية ونيل الحرية يتطلب إنساناً يعرف قدرته على تحمل مسئولية الحرية والمحافظة على المكاسب الاجتماعية والحقوقية والعدالة. وبينت الموسوي هذه المكاسب بأنها: فتح مدارس وجامعات ومصانع والقضاء على البطالة وفتح أماكن للبحوث العلمية وتوسعتها وتشجيع الاتصال بالعالم وتشجيع الفكر بكل أنواعه، أي خلق إنسان له قدرة على تملك عالمه الداخلي والخارجي.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة