الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمرو موسى ودبلوماسية الديمقراطية والتنمية

جوزيف بشارة

2006 / 3 / 30
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


أعادت الجامعة العربية في إجتماع "شبه القمة"، الذي عقد بالأمس في العاصمة السودانية الخرطوم، إنتخاب عمرو موسى أمينا عاما لها لفترة جديدة مدتها خمس سنوات. جاءت إعادة انتخاب موسى بإجماع أراء الوفود ليبدد الشائعات التي تواترت حول اعتراض خليجي محتمل على شخصية الأمين العام التي طالما أثارت إعجاب البعض ونقمة البعض الأخر. جاء صعود شخصية عمرو موسى في عام 1991 عندما تم تعيينه وزيرا لخارجية مصر في الفترة التي أعقبت غزو صدام حسين للكويت، تلك الفترة العصيبة في تاريخ العرب التي شهدت انقسامات عربية حكومية وشعبية - غير مسبوقة - حول شرعية التدخل الدولي لتحرير الكويت. إنقسمت الحكومات العربية عندئذ بين مؤيد لحرب تحرير الكويت مثل حكومات مصر وسوريا والمغرب، ومعارض مثل حكومات اليمن والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ذلك الإنقسام الذي لم يقم على مبادئ محددة بقدر ما جاء مبنيا على مواقف شخصية من القادة العرب تجاه الكويت وحكومتها وصدام حسين، فسوريا حافظ الأسد على سبيل المثال وقفت بجانب الكويت حينئذ نكاية في عدوها اللدود صدام حسين، في حين جاء تأييد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وقتذاك ياسر عرفات لصديقه صدام حسين ردا لمساندة النظام البعثي في العراق لمواقف المنظمة الفلسطينية منذ قمة بغداد التي عقدت عام 1978 بغرض عزل مصر بعد زيارة السادات للقدس.

لم يكن طريق عمرو موسى في وزارة الخارجية المصرية مفروشا بالورود، إذ انتظرته مهام وأحداث جسام لعل أهمها مؤتمر مدريد للسلام بالشرق الأوسط، ومفاوضات السلام العربية الإسرائيلية، وعملية إعادة مصر إلى الحظيرة العربية، والحصار الإقتصادي الذي فرض على العراق، بالإضافة إلى العديد من الأحداث التي شهدتها تلك الحقبة مثل تصاعد ظاهرة الإرهاب والصراعات العرقية في يوغوسلافيا وروندا والصومال. تطلبت مرحلة ما بعد الحرب الباردة نوعية خاصة من الدبلوماسية تختلف في منهجها ونهجها عن تلك الدبلوماسية التي مورست خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لم يعد اللعب على ورقة التوازن الدولي بين الكتلتين الغربية والشرقية مجديا، ولم يعد لقوي حركة عدم الإنحياز التأثير المدوي في دول العالم الثالث كالذي شهدته حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، كما انخفضت وانعدمت أهمية العديد من البقاع الجغرافية حول العالم. كان من الطبيعي في ظل المناخ العالمي الجديد أن تسقط دبلوماسية مرحلة الحرب الباردة، التي مارستها العديد من دول العالم وبخاصة الدول الواقعة في مناطق نفوذ القوتين العظميين أنذاك، وأن تحل محلها دبلوماسية مرحلة الوفاق التي كانت الديمقراطية والتنمية الإقتصادية من أبرز سماتها وأدواتها.

يعرف عمرو موسى بميوله القومية العروبية التي تتخذ من النموذج الناصري مثالا يحتذى لتحقيق التقارب العربية. كان توجه موسى الدبلوماسي مرتكزا على تحقيق التقارب والوفاق العربيين، والتأييد المطلق للقضايا والأنظمة العربية في المحافل الإقليمية والدولية، ومعارضته القوية لإسرائيل وسياساتها وممارساتها وتسلحها ما أكسب موسى شعبية كبيرة في العديد من الدول العربية مقابل عدم قبول في إسرائيل والولايات المتحدة وبعض حلفائهما وقد نال عمرو موسى نصيبا من الإتهامات بعرقلة مسيرة السلام بتشدده ورفضه حلولا وسطا فيما تلق بعض القضايا الأساسية كالقدس واللاجئين في الشق الفلسطيني، والجولان في الشق السوري. رغم جهود موسى العربية إلا أنه اصدم كثيرا بعديد من الدول العربية من أهمها دول الخليج وعلى رأسها قطر. على جانب أخر، يعرف عن عمرو موسى منذ بدء حياته السياسية في خمسينيات القرن الماضي دقته وصرامته، وعدم قبوله بالحلول الوسط بشأن بعض القضايا والمسائل السياسية والتقنية والإدارية. لقد انعكست صرامة شخصية موسى على دبلوماسيته، فاتصفت تصريحاته بالحدة وانطبعت أقواله بالتصلب. لم تكن مواقف موسى وتصريحاته في العديد من المواقف سواء كوزير لخارجية مصر أو أمين عام للجامعة العربية لتعبر عن الدبلوماسية التي جاءت في مرحلة ما بعد الحر الباردة.

لعل المتأمل لمفهوم الدبلوماسية يعي أنها فن إدارة الحوار والمفاوضات، وممارسة الوساطة بين الأطراف المختلفة بغرض التوصل إلى أفضل الإمتيازات والحقوق والمكاسب عبر اتفاقات تتعلق بصناعة السلام والإقتصاد والتجارة وغيرها. ترى ما هي إنجازات عمرو موسى الدبلوماسية طبقا لهذا المفهوم؟ لا أعتقد أن سنوات عمرو موسى العشر كوزير لخارجية مصر شهدت إنجازات مهمة، فها هي عملية سلام الشرق الأوسط التي كرس عمرو موسى جل وقته وجهده لها تتعثر بعد نحو خمس عشرة سنة على انطلاقها، في الوقت الذي لم تجن فيه مصر ثمر نجاح دبلوماسي يذكر على أي صعيد أخر. فقد جاء تركيز عمرو موسى على البعد العربي دون سواه على حساب الأبعاد الأخرى من السياسة الخارجية المصرية، ففترت على سبيل المثال العلاقات المصرية الأفريقية وبلغت أدنى مسوياتها منذ عهد عبد الناصر، في حين توترت العلاقات الإستراتيجية مع إثيوبيا التي تتحكم في منابع نهر النيل مصدر الحياة الأوحد في مصر بسبب الخلاف على حصص المياة. أما سنوات موسى الخمس الماضية كأمين عام للجامعة العربية فهي ليست أفضل حالا. لعل فشل قمة الخرطوم وغياب ما يربو على نصف القادة العرب يتحدثان عن فشل الجامعة لعربية تحت قيادة عمرو موسى. كما لم يكن إنشاء الكيانات العربية الجديدة كالبرلمان العربي سوى تقليد أعمى لمؤسسات الإتحاد الأوروبي.

إن مسئوليات وتحديات الحاضر والمستقبل تختلف جذريا عن مسئوليات وتحديات الماضي، حيث أنه أصبح من الضروري التغلب على التحديات الأمراض السياسية والإقتصادية والإجتماعية المنتشرة بالدول العربية. لقد ولى نهار دبلوماسية مرحلة الحرب الباردة التي يتقنها عمرو موسى، وأشرقت شمس دبلوماسية الديمقراطية والتنمية في جميع أركان العالم. لقد انتقل العالم إلى استخدام دبلوماسية تدمج الدول - ذات الأبعاد الثقافية والجغرافية المشتركة - سياسيا واقتصاديا وحضاريا، وتنهض بالديمقراطية والتنمية والرخاء الإقتصادي كما يفعل الإتحاد الأوروبي مع دول شرق أوروبا. إنها مسئولية كبيرة تتطلب فكرا حديثا يبث الحياة في الجامعة العربية ودماء جديدة تضخ النبض في مجتمعاتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل.. تداعيات انسحاب غانتس من حكومة الحرب | #الظهيرة


.. انهيار منزل تحت الإنشاء بسبب عاصفة قوية ضربت ولاية #تكساس ال




.. تصعيد المحور الإيراني.. هل يخدم إسرائيل أم المنطقة؟ | #ملف_ا


.. عبر الخريطة التفاعلية.. معارك ضارية بين الجيش والمقاومة الفل




.. كتائب القسام: قصفنا مدينة سديروت وتحشدات للجيش الإسرائيلي