الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناس لا تأكل شعارات

نضال العبود

2006 / 3 / 30
حقوق الانسان


" الناس لا تأكل شعارات" ، هذه المقولة أصبحت على ألسنة الكثيرين حتى من غير المثقفين في سوريا، و يزداد انتشارها مع ازدياد تردي الواقع العام في كافة المجالات التي أصبح يحكمها قوانين الهدر و الفوضى و الفساد، و استخدامنا لكلمة قوانين ليس من قبيل الصدفة أو الإنشاء البلاغي، و إنما أتى من توصيف الواقع الذي يكذب كل المنجمين. فالقانون هو عبارة عن ظاهرة طبيعية أو إنسانية تتكرر في نفس الظروف و تحت نفس الشروط و هذا ما ينطبق على واقع الحال عندنا بشكل عام و على القطاع العام بشكل خاص.

ثمة أصوات تهمس خفية و تقول مداورة أن تفاقم الفساد و تضخمه إلى درجات غير مسبوقة هو رحمة، و طبعاً هم يسترجعون دون أن يدرون الاستنتاج الشهير الذي توصل إليه عالمنا الشهير ابن خلدون في مقدمته منذ أكثر من ست مائة سنة، فقد اعتبر ابن خلدون أن وصول الدولة إلى ذروة الفساد يعني انهيارها و نذير زوالها و استبدالها بدولة أخرى. يبدو أنه ما بات يفصلنا عن هذه الذروة سوى خطوات، سوف يأخذ بأيدينا إليها بكل ثقة و اطمئنان و رباطة جأش، "النشامى" أصحاب الهمم العالية و القامات الفارهة الفارغة، أبطال الفساد و صناديده و مخربي الوطن و الإنسان. و ليس بمبالغة أننا قاب قوسين أو أدنى من الذروة إذا ما عرفنا أن الفساد قد دك حتى حصون العلم بالرغم من مناعتها و علو أسوارها. في السابق كان يراعى في هذا الميدان -أي ميدان العلم- إلى حد ما مقولة: الرجل المناسب في المكان المناسب لأن الفاسدين السابقين كانوا أذكى و أخبث من الفاسدين الحاليين الذين كانوا -أي السابقين- يرون أنه من الخطر كل الخطر الاقتراب من "عش الدبابير" فلن يتحملوا لسعاتها التي قد تؤدي بهم إلى الهلاك، فهم أي "الدبابير" ينشرون الوعي بين البسطاء – البسطاء طبعاً في التفكير و التحليل و الاستنتاج و منهم الكثير من المتعلمين و أصحاب الشهادات- أن سبب سوء أحوالهم و تردي أوضاعهم المعيشية و تدني أجورهم و رواتبهم ليس الاستعمار بشكليه القديم و الحديث و لا الصهيونية العالمية، و إنما في المقام الأول سببه هؤلاء الفاسدين أنفسهم، تجار الشعارات و متصدري المنصات.

القطاع العام في سوريا مجرد من الحراسة و الرقابة و يهيم على وجهه مهدداً بالتيه و الضياع في صحراء المجهول. الحزب و النقابة هم الرقيبين التقليديين منذ ما ينيف عن الأربعين عاماً، فرجال الحزب الأشاوس منهمكين بفحص و تجريب سياراتهم الجديدة الفارهة بعد أن عقدوا أحلافاً مع الإدارات و غير الإدارات ، يحترم كل طرف فيها الطرف الآخر و لا يتعدى على مجاله الحيوي، و ينفذ بدون مناقشة كل طلباته الشخصية، أما رجال النقابة و هم الأسوأ حالاً فيعترفون بصراحة أن الأمر ليس بأيديهم فهم مقاتلون بدون سلاح، و يكتفون بالتصريحات في المكاتب المغلقة و الصراخ في وادي التجاهل و النسيان و قهر الإنسان منذ أن جردتهم حالة الطوارئ من أوراقهم في الإضراب و التظاهر و الاعتصام.

لذلك ليس غريباً أو شاذاً أو خروجاً عن المألوف أن نرى مثلاً من يصنع قرارات علمية فنية في دائرة في قطاع حيوي هام مثل قطاع النفط لا يفهم بمفردات اختصاصه و لا حتى بمفردات التعامل مع الآخرين حتى أن المدير الذي عينه و اقترحه بناءً على تزكية أشخاص متنفذين فاسدين آخرين ، كان أيضاً عراباً للفساد على مدار سنوات طوال و ما زال، قال في خلوة : "أنه لا يتخيل هكذا شخص رئيساً لهكذا دائرة". هذا الشخص الجاهل يحارب العلم و يضيق على أصحابه حتى لا تظهر عيوبه و هو يميز هذا و يغمط حق ذاك " و من لا يعجبه فليذهب و يشتكي" و ما هذه العبارة إلا استخفاف و استهزاء واعتراف بأنه لا يوجد من يحاسب أو يراقب ما خلا الرقابة من أجل ألا توجد رقابة . و إلا و بعد أن طبقت شهرته و عدم أهليته آفاق مجاله و ذاع صيته و أصبح موضوعاً للتندر و الفواصل المنشطة بين ساعات العمل لا يقوى أحد على إزاحته قبل التقاعد، ربما يكونون على حق و الآخرين على باطل، فهم قد ثبتوه في مكانه ليكون مثالاً واضحاً على شعارنا الألعوبة : "الرجل المناسب في المكان المناسب" لكن بالمقلوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. هيثم رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة


.. الأمم المتحدة: نزوح نحو 80 ألف شخص من رفح الفلسطينية منذ بدء




.. إيطاليا: هل أصبح من غير الممكن إنقاذ المهاجرين في عرض المتوس


.. تونس: -محاسبة مشروعة- أم -قمع- للجمعيات المدافعة عن المهاجري




.. العالم الليلة | -هيومن رايتس ووتش- تكشف انتهاكات خطيرة لـ-ال