الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحشة عاصفة

هدى يونس

2018 / 8 / 25
الادب والفن


وحشة عاصفة

هدى يونس


"اذهب إلى أرض الشقاء ، سينبت الحسك والشوك ، ومن عرق جبينك تأكل خبزًا" العهد القديم .
تصاحبنى العبارة ولاتتركنى ، صفحات فى تاريخى أفتقد فيها زمنى ، أعماقى بلا قاع .
أزمات تلعننى وألعنها .. غايتى فهم تقلباتى حتى أستقر ..
أتسلق تلال تسبقنى جماعات ماعز تتقدمهم الأم ، وأنا حرمت منها .
الخوف كل الخوف من خطوة فك قيودى ..
أراحنى من التفكير فيها وقال : ماتت !!
استعان الصغير بأم تحميه من ألسنة الصغار ولم أخبرهم بوافاتها ..
أحكى لها وتملأ وحدتى ، سكنت أعماقى أمى المتخيلة ، ملامحها تتغير ،
صوتها يتبدل تبعًا لكل موقف . وينمو المتخيل ..
لا أهتم بتهديد أبى ، ولا أعير إهتمامى لأحد ..
لا أدرى كيف تعلمت اللامبلاة ، عندما يتحدثون عن أمهاتهم..
أشاركهم وأحس أنها معى ، وأنا لا أعرفها !!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

كبرت قليلاً، تغيرت أقوال أبى ..
وقال : خرجت ولم تعد !!.
: ولم تبحث عنها ؟
: بحثتُ كثيرًا ولم أجدها !!

أتخيل رؤيتها .. تغمرنى حيرة كيف نتعارف ؟..
تأتينى مواجع تبحث معى عن حلم هارب .
أضيق من نهارى ، و الليل أعيش إبتهاجى ، ويأتينى دوما بالسحر .
أراها نجمة على ظلال حوائط حجرتى .. على أغطية سريرى .. تهدهدنى فى نومى .. وأسمع حكاويها عن الشاطر حسن ، وتهمس فى أذنى "أنت الشاطر حسن" أنتشى وأحس فروسيتى وذكائى حتى أنام ..
فى الصباح أقوم بمغامرات وحركات بهلوان أمام الجميع ، وأخرج من حالتى على عبارات تهكم مما أفعله .
فى ليلة كنت أحس بالتعب .. نمت على وجهى .. أحسست بيد خشنة تدك ظهرى .. قمت مفزوعاً وعدلت وضع نومتى ، رأيتها تبتسم ويدها تهدهدنى حتى نمت .
تغربت وتهت سنوات ، صارحنى بعدها بمعرفته مكانها .
كرهت صوته .. كرهت سيرتها .. كرهت كل الاصوات والأسماء ، وإمتلأت بصراخ لم يخرج وتركت البيت وسافرت ..
أسير على شاطئ يغمرنى موجه أبكى وحدتى ..
تراقبنى صخوره فأخجل من بكائى .. صدم رأسى طائر ملون إبتهجت وغرد بعدها .
تركت الشاطئ وجلست على صخرة حرمت من ماء البحر ، ويعلوها جفاف ..
إنتبهت لشجرة وسط الصخور لونها صخرى بلا أوراق .. على فروعها طيور بحر لا تستقر ويبرق ريشها ، أدخلتنى الطيور كهف طفولتى ..

"كنت أخاف الظلال على الحوائط .. اجدها فى التو تقف على الباب ، تهرب الظلال وتخاف ، أسمعها تقول : الشاطر حسن لايخاف ، أفرح لأننى أمتلك أمًا يخاف الخوف منها ولا يمتلك أحداً مثلها ، ملامحها تشبه من أحبهن من أمهات زملائى، وجيرانى، وكل النساء.. وتتميز عليهن ".

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

إعلان أبى عنها إرتبط بحفر ونتواءات وشقوق وسراديب ضيقة .. أمتلئ غضباً وتذمراً..
عربدة أصوات تخرج وتدخل مهيمنة ، تفتح نوافذى وأبوابى المغلقة ..
أصرخ على الشاطئ ويردد المدى صرختى..
نسيم بارد يلامس وجهى ، أحلق كطائر سماوى يهيم قادراً على التجدد فى السحاب.
تركت البحر والشط .. وعدت الى جدران حجرتى..
أستعجل محو وجع اليتم الذى احتلنى .
غفرانى لأبى لم يمكننى من ردم الفجوة التى اتسعت وشيدت جبلاً أعاق حروف الكلام .. داخلى يسامحه ، قسوة معاناته من النساء ، ربما أراد أن يبعدنى عن حضورها الذى استعمره واستمر يقاومه ولم يفلح !!



***



اشترطتُ رؤيتها بعيداً عن بيت زوجها وأولادها .. يملؤنى رهبة وحيرة ..
إكتملت أناقتى ولم أرضى .. أخلع وأبدل ولا أستقر .. هددنى الوقت .
تركت دولابى ومرآتى .
فى المكان المحدد إنتظرتُ مجيئها ، قلق ، ضيق ، فرح ، ملل .. قطع كل ما أحسه وجود لم أرسمه أو تخيله .. وقفت مبهوتاً .. مدت يدها وقالت : أخيراً تذكرت !!
جلست وأزاحت ملس أسود حرير عن جسدها بيسر، وظللت واقفاً ..
حضور جسور ووجه مشرق .. تمسح عرقها بمنديل صغير أبيض مشغول أطرافه بلون روز فاتح ، رائحة منعشة تنبعث من وجودها.. ذكرنى وجهها بأوصاف مخلوقات الجنة .. هادئة وأنا مرتبك ،تتأملنى بعين الملهوف على جزء منه ولا تصرح .. شجن نبرات صوتها يفر منه بحار حزنى ويهدم جبال وحدتى ، طُمست خطط هجومى قبل لقائها ، ومشاعر لا أعرفها أسامح بها الوجود ؟!
هدوء وحنان كلامها يتواصل .. وكبلتنى حبالها ..
ولم أدرى حين ألقت تعويذة فى قلبى وعقلى بألا أتركها أو أبتعد ..
وبدأت رحلاتى إليها لفك رموز كلامها الحامل لتراث أجهله ..
وعند خروجى من فلكها لا يتوقف تفكيرى عن إيجاد طرق لحسابها بأثر رجعى عما عانيته في غيابها ..
أحيانا يقايضنى عنادى وأتجاهله .
أحيانا أتعطر بعطر الأنس بحضرة المحبوب .
وتمر أيامى وأحذر إنتهائها قبل تنفيذ ما نويته....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05