الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تشاينا مايفيل هي ثورتنا وعلينا إكمالها
ريما ماجد
2018 / 8 / 26ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
«كانت تلك بالتأكيد ثورة روسيا، لكنّها كانت أيضاً، ولا تزال، ملكاً للآخرين. وكان يمكن أن تكون ثورتنا. وإذا خلّفت أقوالاً غير مكتملة، يتعيّن علينا نحن إكمالها».
هكذا يبدأ الروائيّ البريطانيّ، تشاينا مايفيل، كتابه الجديد «أكتوبر» ليحتفل بمئويّة الثورة الروسيّة ويقصّ لنا حكاية هذه الثورة التي غيّرت وجه العالم في القرن العشرين. لا يخفي مايفيل ميوله السياسيّة على القارئ، بل يحدّد في مقدّمة كتابه أنّه على الرّغم من محاولته الجادّة أن يكون موضوعيّاً في سرد الأحداث، فإنّ «لديه أبطاله وأعداءه في هذه القصّة». ويوضّح مايفيل في بداية الكتاب أنّ هذا العمل ليس بعمل أكاديميّ يطمح إلى البحث التاريخيّ في أحداث الثورة الروسيّة، بل هو كتاب يهدف إلى تعريف القارئ إلى إحدى أعظم ثورات العالم من خلال جمع الأبحاث المنشورة عن الموضوع وإعادة صياغتها على شكل رواية واقعيّة تحكي مجريات العام ١٩١٧ في روسيا.
نجح مايفيل في تقديم تاريخ الثورة الروسيّة بشكل موضوعيّ إلى حدٍّ بعيد، يجمع التفاصيل التاريخيّة بالدّقّة البحثيّة، ما جعل من هذا العمل بمثابة إضافة مهمّة إلى أدبيّات الثورة البلشفيّة. وقد أجمع معظم المؤرّخين، حتى الذين لا يتّفقون مع وجهة نظر مايفيل السياسيّة المؤيّدة والمحتفية بالثورة (مثل البروفيسورة شايلا فيتزباتريك)، على أنّ الكتاب مبنيّ على بحثٍ دؤوب ودقيق لا تشوبه الأخطاء التاريخيّة. وبالتالي، يشكّل هذا الكتاب، الذي استغرق إعداده حوالى العام من البحث المكثّف، مدخلاً مهمّاً إلى تاريخ الثورة الروسيّة، خصوصاً بالنسبة إلى الطّارق الجديد للموضوع. ولهذا القارئ، يقدّم مايفيل في نهاية الكتاب فهرساً طويلاً بأسماء كلّ الشخصيّات المذكورة في الكتاب مع لمحة سريعة عن كلٍّ منها لكي يسهّل التعرّف عليها ويحدّ من الخلط بين الأسماء الروسيّة التي يمكن في كثير من الأحيان أن تبدو متشابهة لمن لا يفقه فيها. أمّا القارئ المطّلع، فهو أيضاً سيستمتع بقراءة هذا العمل الذي يجمع بشكل ٍساحر الوقائع التاريخيّة والنقاشات النظريّة والأيديولوجيّة والسياسيّة بأسلوب روائيّ سلسٍ وممتع يضيء على جوانب الثورة الروسيّة وشخصيّاتها بتفاصيل قلّ من يعرفها. وكما يقول مايفيل في إحدى المقابلات معه، إنّ الكتاب لم يُكتب لقارئ يساريّ بالضرورة، لكنّه كُتب لأيّ قارئ بأيدي مؤلّف يساريّ... وهنا تكمن الحكاية!
يروي تشاينا مايفيل في هذا الكتاب قصّة العام ١٩١٧ في روسيا بحماسة من كان يريد للثورة أن تنتصر. يبدأ الكتاب بفصل يشرح الإطار العام والسياق التاريخيّ الذي أوصل إلى الثورة الروسيّة. تنطلق القصّة في العام ١٧٠٣، مع قرار القيصر بطرس الأكبر إقامة قلعة ومدينة له على رقعة من الأرض الروسيّة لتصبح عاصمة الإمبرطوريّة وتحمل اسمه: سانت بطرسبرغ. ومن هنا تتسارع الأحداث لتربط بين تاريخ روسيا القيصريّة وتقلّباتها، مروراً بالثورة الصناعيّة وتشكّل الاشتراكيّة الروسيّة ومن ثمّ انقسام حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي في العام ١٩٠٣ بين المناشفة (أي الأقليّة في اللغة الروسيّة) والبلاشفة (أي الأكثريّة)، والحرب الروسيّة - اليابانيّة في العام ١٩٠٤، وصولاً إلى ثورة ١٩٠٥ التي قادها العمّال والفلّاحون والعسكريّون عبر الإضرابات والعصيان. وقد استطاعت هذه الثورة، على رغم هزيمتها، في فرض أوّل دستور روسيّ عام ١٩٠٦ وتحويل النظام إلى ملكيّة دستوريّة وتأسيس مجلس دوما تتمثّل فيه مختلف الأحزاب. كانت هذه الثورة بداية تشكّل المجالس العمّاليّة، أو ما عُرف بالسوفيتات، وهي الشكل التنظيميّ الذي سيظهر مجدّداً في ثورة ١٩١٧. هكذا مثّلت ثورة ١٩٠٥ محطّة رئيسة في السيرورة التاريخيّة التي ستؤدّي إلى ثورتَي شباط / فبراير ومن ثمّ تشرين الأوّل / أكتوبر١٩١٧. لكنّ مايفيل رأى أنّ النّقطة التاريخيّة المفصليّة التي ستقود لثورات ١٩١٧ هي دخول روسيا في الحرب العالميّة الأولى، وتفاقم الأوضاع المعيشية والاجتماعيّة، وسوء إدارة (أو حتى سذاجة) القيصر نقولا الثاني، فيروي كيف أنّ الأسرة الحاكمة، ولاسيّما زوجة القيصر، أليكساندرا، وقعت تحت سحر الكاهن راسبوتين الذي استطاع أن يداوي ابنها (أي وليّ العهد) من مرضٍ عضال، فأصبح لديه تأثير كبير على العائلة الحاكمة وعلى سياسة البلاد وقرارات القيصر. ويصوّر مايفيل القيصر نقولا الثاني كشخص أبله، ذي شخصيّة ضعيفة وذكاء سياسيّ محدود جدّاً. فيخبرنا كيف أنّ زوجته ألكساندرا كانت تضع له مشط راسبوتين في جيبه قبل اجتماعاته السياسيّة كي تحلّ عليه حكمة الكاهن ويتّخذ قرارات صائبة، ويروي مايفيل كيف أنّ القيصر تغاضى وقلّل من شأن كلّ المعلومات والبرقيّات التي وصلته في شباط / فبراير ١٩١٧ تشير إلى أنّ الثورة أصبحت على الأبواب. ففي هذا الظرف التاريخيّ، الذي جمع بين ضعف القيصر وتدهور الظروف المعيشيّة بعد دخول روسيا في الحرب العالميّة الأولى، قامت الثورة الروسيّة التي سيأخذنا مايفيل في كتابه إلى تفاصيلها شهراً شهراً، وأحياناً ساعةً ساعة. فبعد الفصل الأّول، ينقسم الكتاب إلى تسعة فصول، يروي كلّ منها مجريات شهر واحد، من شباط / فبراير ١٩١٧، عند الإطاحة بالقيصر وتسلّم الحكومة المؤقّتة للحكم، إلى تشرين الأول / أكتوبر ١٩١٧، عند الاطاحة بالحكومة المؤقتّة وتسلّم البلاشفة للحكم.
في اليوم العالمي للمرأة
بدأت الثورة في ٢٣ شباط / فبرايرحين خرجت الآلاف من العاملات في مظاهرات في اليوم العالميّ للمرأة، محتجّات على الأوضاع المعيشيّة الصعبة والنقص في الخبز، لينضمّ إليها العديد من النّساء والرّجال من خلفيّات متعدّدةبدأت الثورة في ٢٣ شباط / فبراير (أو ٨ آذار / مارس حسب التقويم الغريغوري)حين خرجت الآلاف من العاملات في مظاهرات في اليوم العالميّ للمرأة، محتجّات على الأوضاع المعيشيّة الصعبة والنقص في الخبز، لينضمّ إليها العديد من النّساء والرّجال من خلفيّات متعدّدة. وقد لعب الاشتراكيّون دورآ أساسيّاً في تنظيم الاحتجاجات وتصعيدها. وفي غضون يومين، وصل الإضراب إلى إقفال المعامل والمحالّ والخدمات في العاصمة سانت بطرسبرغ، الأمر الذي أجبر مجلس الدوما على التحرك وطلب التنحّي من القيصر تحت ضغط الشارع. رفض القيصر وأمر العسكر بوقف الإضراب وإعادة الأمور إلى مجراها. لكنّ معظم العسكريّين تمرّدوا على هذه الأوامر وانضمّوا إلى الحركة الثوريّة التي أفضت إلى اعتراف القيصر بالهزيمة واستقالته في ١٩١٧.
كانت عودة لينين إلى روسيا لحظة تاريخيّة هامّة، إذ إنّه أعلن حينذاك «أطروحات أبريل»، أو توصياته العشر التي ستعيد ترتيب العمل السياسيّ للبلاشفةهنا، أعلن مجلس الدوما إقامة حكومة مؤقّتة تحت قيادة الأمير غريغوري لفوف أوّلاً ومن ثَمّ انتقلت القيادة إلى ألكسندر كيرنسكي، رئيس الحزب الثوري الاجتماعي. في هذه الأثناء، كان الاشتراكيّون قد أعادوا تشكيل العمل في سوفيات سانت بطرسبرغ الذي أصبح الممثّل الأساسيّ للعمّال والجنود. وعلى الرّغم من التغيّرات السياسيّة الكبيرة التي حدثت في روسيا بعد شباط / فبراير، فإنّ الحكومة المؤقّتة قرّرت المضيّ في الحرب العالميّة، الأمر الذي أثار غضب الكثير من الروس الذين كانوا يودّون تنتهي الحرب. ونظراً إلى تطوّر الأمور والانفتاح السياسيّ الذي حدث بعد ثورة فبراير، عاد لينين، الزعيم البلشفيّ المنفيّ في سويسرا، إلى روسيا مع رفاقه في قطار مغلق أخذهم عبر الأراضي الألمانيّة وصولاً إلى «محطّة فنلندا» ومن ثمّ سانت بطرسبرغ في نيسان / أبريل ١٩١٧. وكانت عودة لينين إلى روسيا لحظة تاريخيّة هامّة، إذ إنّه أعلن حينذاك «أطروحات أبريل»، أو توصياته العشر التي ستعيد ترتيب العمل السياسيّ للبلاشفة وتؤسّس لمواجهة صريحة مع الحكومة المؤقّتة التي اتّهمها لينين بالبرجوازيّة والليبراليّة. وبعد عودة لينين إلى روسيا، ارتفعت شعبيّة الحزب البلشفيّ وازدادت وتيرة المظاهرات والإضرابات المندّدة بالحرب والرافعة لشعار «كلّ السلطة للسوفيات». وفي شهر أيار / مايو، وصل تروتسكي إلى روسيا عائداً من نيويورك، وأيّد أطروحات لينين وانضمّ إلى الحزب البلشفيّ في تمّوز / يوليو ١٩١٧ حيث انتُخب عضو في اللجنة المركزيّة للحزب. وأفضت هذه الأجواء من التصعيد ضدّ الحكومة المؤقّتة إلى أحداث تمّوز / يوليو العنيفة، حين تحوّلت المظاهرات إلى مواجهات دامية أدّت إلى القبض على تروتسكي وهروب لينين إلى فنلندة. لكنّ «انتكاسة» يوليو لم تستطع إنهاء البلاشفة إذ إنّ أعدادهم ظلّتْ تتصاعد وتمدّد نفوذهم إلى العديد من القرى والمدن البعيدة عن العاصمة. في آب / أغسطس بدأت موجة مظاهرات وإضرابات عماليّة، تلبيةً لنداء الحزب البلشفيّ، مطالبةً بالانسحاب من الحرب العالميّة الأولى.
ونظراً لسخط الشارع، شعر القائد العام للقوّات المسلّحة، كورنيلوف، بأنّ هناك قابليّة عند كرينسكي للانسحاب من الحرب، فقام بمحاولة انقلاب على الحكومة المؤقّتة في ٢٥ آب. لكن، على الرغم من الخلاف مع كرينسكي، قام الحزب البلشفيّ بنجدته، وقد كان لهذا الحزب دور أساسيّ في إفشال محاولة كورنيلوف الانقلابيّة التي عدّها انقلاباً على الثورة. ففي بدايات أيلول / سبتمبر ١٩١٧، كانت قوّة الحزب البلشفيّ وشعبيّته قد أصبحت واضحة للجميع، فقام سوفيات سانت بطرسبرغ بالإفراج عن كلّ السجناء البلاشفة، ومن بينهم تروتسكي الذي ما لبث أن رأس هذا السوفيات بعد تراجع المناشفة والاشتراكيّين الثوريّين في أيلول. في هذه الأثناء كان لينين لا يزال في فنلندا حيث كان قد أنجز كتابه «الدولة والثورة». وفي تشرين الأوّل / أكتوبر، شعر لينين بأنّ الوضع قد أصبح ملائماً لعودته إلى روسيا، فعاد وطرح على اللجنة المركزيّة للحزب البلشفي فكرته بضرورة حلّ الحكومة المؤقّتة وتسلّم سوفيات سانت بطرسبغ (أو بتروغراد) السلطة. صوّت كلّ أعضاء اللجنة المركزيّة تأييداً لهذه الفكرة، ما عدا إثنين: كامنيف وزينوفييف. وهكذا بدأت ثورة أكتوبر، حيث قام البلاشفة، تحت قيادة تروتسكي الميدانيّة، بالسيطرة على القصر الشتوي والإطاحة بالحكومة المؤقّتة لتأسيس أوّل تجربة لحكم السوفيات.
هكذا يروي كلُّ فصل من فصول الكتاب مجريات الشهر من خلال الغوص في يوميّات الإضرابات والنقاشات والخلافات والتنظيمات والعنف والثورة والثورة المضادّة. كما أنّ الكتاب يغطّي تفاصيل تاريخيّة مشوّقة ولافتة، منها دور لينين في تنظيم الطابور للدخول إلى المرحاض في القطار الذي أعاده هو ورفاقه من سويسرا إلى روسيا، أو تفاصيل عن مجموعة «مزرايونتسكي» الاشتراكيّة التي انضمّ إليها ورأسها تروتسكي عند عودته إلى روسيا، وكذلك غناء كيرنسكي للأوبرا في غرفته في «قصر الشتاء» من أجل ضبط أعصابه خلال محاولة الجنرال كورنيلوف الانقلاب على الثورة في آب / أغسطس ١٩١٧... فيشعر القارئ بأنّه جزء من هذه القصّة، يتعرّف إلى الشخصيّات من خلال وصفٍ دقيقٍ يجعله يتخيّل ملامحها ويتعرّف إلى صفاتها ومزاجاتها، فيعاشرها من خلال صفحات هذا الكتاب ليخلص، مثل مايفيل، إلى بناء صداقات وعداوات مع هذه الشخصيّات التاريخيّة.
يظهَر إعجاب تشاينا مايفيل بلينين وتروتسكي جليّاً في صفحات الكتاب. في مقابلة أجراها حول كتابه، يقول مايفيل إنّ عظمة لينين، وتروتسكي إلى حدٍ أقلّ في قدرته الفائقة على التأقلم مع التغيّرات السريعة. على الرّغم من أنّ هذه الميزة لم تأت بلا أخطاء، إلّا أنّ اللافت في سيرة لينين سرعة تغيير مواقفه وتبنّي مواقف مغايرة دون تردّد ودون تمسّك بمواقف فقط لأنّه هو من أطلقها. ومن هنا إعجاب مايفيل بعلاقة لينين «غير العاطفية» بمواقفه وبقدرته الدائمة على إعادة التقييم واختيار مواقفه على نحوٍ إستراتيجيّ يتلاءم مع متغيّرات الواقع.
ديمقراطيّة السنوات الأولى
يعجّ الكتاب بالنقاشات الطويلة والخلافات الحادّة والتقلّبات الفكريّة والتصويت كأداة لاتّخاذ العديد من القرارات. ويظهر هنا دور مجالس السوفيات كساحات أساسيّة للنقاش الديمقراطي، بعيداً عن المركزيّة الحزبيّة التي اتُّبعتْ لاحقاً في العهد الستالينيمن أهمّ ما يسلّط الضوء عليه هذا الكتابُ المكانةُ المهمّة للعمل الديمقراطيّ في المراحل المبكّرة من الثورة البلشفيّة. على عكس الصورة التي رُسمت لاحقاً للبلاشفة وللاتحاد السوفياتي بسبب الحقبة الستالينيّة وما خلّفته، كانت السنوات الاولى من الثورة الروسيّة تتحلّى بروح ديمقراطيّة عالية تتجلّى بوضوح في رواية مايفيل لمجريات العام ١٩١٧، فيعجّ الكتاب بالنقاشات الطويلة والخلافات الحادّة والتقلّبات الفكريّة والتصويت كأداة لاتّخاذ العديد من القرارات. ويظهر هنا دور مجالس السوفيات كساحات أساسيّة للنقاش الديمقراطي ولاتّخاذ القرارات، بعيداً عن المركزيّة الحزبيّة (أو ما سُمّي «المركزيّة الديمقراطيّة» بحسب النظريّة اللينينيّة) التي اتُّبعتْ لاحقاً في العهد الستاليني. ويسلّط مايفيل الضوء على الدور الرئيس الذي أدّته النساء، وخصوصاً الاشتراكيّات مثل ألكساندرا كولونتاي، في اندلاع الثورة. ويروي الإنجازات الكبيرة للثورة البلشفيّة التي استطاعت، في غضون أيّام، منح المرأة حقوقاً سياسيّة واجتماعيّة، والاعتراف بالحرّيّات الفرديّة والدينيّة، والانفتاح على مواضيع المثليّة الجنسيّة والتحرّر الجنسيّ، وذلك كله جاء قبل أن تدخل هذه القيَمُ التقدميّة الدّوَل الغربيّة بسنوات عديدة.
وما يميّز هذا الكتاب عمّا سبقه ممّا كُتب في الموضوع، من كتاب جون ريد إلى كتاب تروتكسي وغيره، هو أن مايفيل يكتب اليوم قصّة الثورة بعدما شهدنا قيامها، وحربها الأهليّة، وتأسيسها للاتحاد السوفياتي في العام ١٩٢٢، وانتكاسها وتحريف مجراها بعد وصول ستالين إلى الحكم، وأخيراً انهيارها وانهيار المشروع الذي كان يحمل، ولو بأشكال مختلفة، أفكارها ومبادئها وأحلامها. يكتب مايفيل قصّة الثورة البلشفيّة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وقلّة هم من كتبوا هذا التاريخ بعد العام ١٩٨٩ وحافظوا على حماستهم ومناصرتهم للثورة. مايفيل من هذه القلّة، إذ إنّه لا يزال يؤمن بأهمّيّة تلك الثورة وبجدوى القيَم التي قامت من أجلها ورفعتْها. ويقول في إحدى المقابلات إن انزلاق الثورة وانتكاس مجراها لم يكن حتميّة تاريخيّة، وإنّما كان من الممكن جدّاً لهذه الثورة أن تأخذ منحى آخر، أكثر إيجابيّة وأكثر عدالة وأكثر اشتراكيّة.
أخيراً، يخلص مايفيل إلى أنّ الثورة في روسيا كانت «ثورة القطارات»، إذ إنّ الثورة الصناعيّة وتطوّر المواصلات وتزايد عدد عمّال سكك الحديد لعب دوراً أساسيّاً في مجريات الثورة. لكنّ المؤلّف يستعمل القطارات أيضاً لتسليط الضوء على الربط بين الجغرافيا والتاريخ، بين المدن والتطوّر الزمني، بين الماضي والحاضر وبين المادّيّة التاريخيّة والأحداث الثوريّة. ويقول مايفيل إنّه إذا كان هناك درس واحد لنتعلّمه من العام ١٩١٧ فهو قدْرة التاريخ على أن يغيّر مجراه وينقلب بسرعة قصوى. لذا، يرى أنّ من المهمّ أن نكتب ونقرأ عن الثورة الاشتراكيّة الأولى لنتذكّر أنّ التاريخ قد انقلب مرّةً، وأنّ بإمكانه أن ينقلب مجدّداً. وعلى الرّغم من عدم تبنّي مايفيل لنظرة تفاؤليّة بالمطلق، على اعتبار أنّ التفاؤل في ظلّ الظروف الراهنة هو سذاجة لا أكثر، إلّا أنّه في هذا الكتاب يحاول أن يبعث الأمل في إمكانيّة تغيّر الظروف المادّيّة وانقلاب التاريخ. والأمل غير التفاؤل، كما يقول مايفيل. ويشكّل هذا الأمل، على الرغم الاعتراف بالانتكاسات والانجرافات في مسار معظم الثورات ومنها الثورات العربيّة، نافذة لنا لنتخيّل مستقبلاً أفضل وأكثر عدالة للمنطقة العربيّة وللعالم أجمع.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أبرز أعضاء الفريق الجديد لترامب | الأخبار
.. فطاير سواريه مشكلة من الشيف عمر
.. ترامب يختار روبيو وزيرا للخارجية.. من أبرز الداعمين لإسرائيل
.. كريمة منصور: عندما تخاطب لغة الجسد الفن السابع • فرانس 24 /
.. متطرفو إسرائيل يدفعون نحو ضم الضفة الغربية: هل سيساعدهم ترام