الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شروط الأزمة الثّوريّة في روسيا والتّصدّي للتّيّارات الانتهازيّة تأليف: حزب العمّال الشّيوعي الفرنسي

ابراهيم العثماني

2018 / 8 / 28
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


ابراهيم العثماني .... تعريب

وضع روسيا سنة 1914
كانت روسيا، سنة 1914، خاضعة لنير الاستبداد القيصري، وكان النّظام السّياسي يعتمد بالأساس على كبار الملاّكين العقّاريّين والإقطاعيين والنّبلاء والكنيسة الأرتودكسيّة، وعلى تنظيم بوليسي وعسكري شرس يقمع عَنوة كلّ معارضة. وبعد هزيمة ثورة 1905كان النّظام القيصري قد استعاد السّيطرة على الوضع وأخضع الجماهيرالكادحة لاستغلال وقمع فظيعين. وظلّت الأسباب الّتي أدّت إلى اندلاع ثورة 1905قائمة الذّات. فروسيا كانت تساوي،في نظر الأغلبيّة المطلقة من الفلاّحين وكذلك الطّبقة العاملة، حياة البؤس القائمة على الاستغلال والحرمان. أمّا الشّعوب الدّخيلة في الجهات المحيطة [ بروسيا] فوضعها كان كذلك أكثر فظاعة، وكانت القيصريّة تمثّل، بالنّسبة إليها، سجنا حقيقيّا.
كما كانت روسيا، في ذلك الوقت، شبه مستعمرة من البلدان الغربيّة وبالخصوص الامبرياليّة البريطانيّة والامبرياليّة الفرنسيّة، وكانت كثرة القروض الماليّة وسيلة أخضعت بها هذه القوى القيصريّة . وارتبط القيصر بفرنسا بمعاهدات تجبره على إعلان الحرب على ألمانيا لفتح جبهة في الشّرق. وفي هذه الحرب كان القيصر وكذلك البورجوازيّة الرّوسيّة الّتي تتحكّم في دواليب السّلطة الاقتصاديّة يتابعان أهدافهما الامبرياليّة الخاصّة: نهب النّمسا (حليف ألمانيا) واحتلال المنطقة الثّريّة من قاليسي، والاستيلاء على القسطنطينيّة مفتاح مضيق الدّردنال ومنفذ على البحر. كما كانت القيصريّة ترى في الحرب، مثلها مثل البورجوازيّة، وسيلة لإيقاف مدّ الحركة الثّوريّة.
" كانت البورجوازيّة الامبرياليّة الرّوسيّة تعتمد على الاستبداد القيصري اعتمادها على قبضة مغلّفة بالحديد قادرة، من ناحية، على ضمان غزو الأسواق الجديدة والمقاطعات الجديدة، ومن ناحية أخرى، على قمع الحركة الثّوريّة للعمّال والفلاّحين"( تاريخ الحزب الشيوعي البلشفي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السّوفياتيّة، طبعة موسكو 1949 ص 180) لأنّ الحركة العمّاليّة شهدت انظلاقة جديدة منذ ربيع 1912. فمجزرة عمّال مناجم لينا في سيبيريا الّذين كانوا يتظاهرون سلميّا في سبيل مطالبهم كان لها صدى في كامل أنحاء البلاد وسجّلت بداية تطوّر حركة إضرابيّة جماهيريّة. وفي سنة 1914 اتّسعت رقعة الإضرابات في المصانع واكتست طابعا سيّاسيّا مناهضا للنّظام بل حتّى طابعا تمرّديّا أحيانا وذلك بإقامة المتاريس [ في الشّوارع] واندلاع المواجهات العنيفة مع البوليس.
الحرب أذكت كلّ التّناقضات:
أعلنت الحكومة القيصريّة، يوم 14 جويلية 1914، إذن التّعبئة العامّة وشارك الجيش الرّوسي في هذه الحرب العالميّة الأولى لإعادة التّقسيم الامبريالي [ للعالم]. ولكن منذ الأيّام الأولى للحرب مُنيت فرق الجيش الرّوسي بهزائم:فيوم 30أوت1914كانت صفوف الجيش الرّوسي تعدّ 20.000قتيلا و90.000سجينا !لكن وبالخصوص في سنة1915تكبّدت روسيا هزيمة على الجبهة وعاشت صعوبات جمّة من الخلف. وفي المنتصف الثّاني من سنة 1916 ازدادت التّناقضات الطّبقيّة حدّة !
لم يكن الجيش مهيّأ لهذه الحرب ولايمتلك في صائفة 1914 إلاّ احتياطيّا صالحا لستّة أشهر !وصناعته الحربيّة تسجّل تخلّفا تقنيّا مهمّا. وسرعان مافقد الجنود الذّخيرة والملابس الدّافئة والأحذية والغذاء. والجنود يقودهم ضبّاط غير أَكًفَاء وفاسدون. ومن الخلف كان الإنتاج بطيئا في المصانع كما في الحقول الّتي أُفرغت من القوى العاملة لتغذية الجبهة باللّحم الطّازج !فالمحروقات والموادّ الأوّلية غير متوفّرة لتشغّل المصانع الّتي لاتسمح تجهيزاتها المتقادمة إلاّ بإنتاج ضعيف، والنّقل تعمّه الفوضى والجهاز القيصريّ الّذي شلّته البيروقراطيّة وعجز قادته يعيش حالة تفكّك تام. وبلغت المضاربات بشأن مخزون الحبوب أوجها، وعجز سكّان المدن عن الإيفاء بقوتهم اليومي، وغذّت الصّفوف الّتي لاتنتهي أمام المخابز الغضب على النّظام.
دور الحزب البلشفي ونشاطه:
أثناء حالة الجزر لثورة1905والقبضة الحديديّة للرّجعيّة الستوليبينيّة كان البلاشفة قد استغلّوا أدنى الإمكانيّات القانونيّة للحفاظ على التّواصل مع الجماهير بدءا بصناديق الضّمان ومرورا بالنّقابة والدّوما، وزاوجوا ببراعة بين هذا العمل والعمل غير القانوني. وكانوا الوحيدين الّذين لم يستسلموا وبقوا أوفياء لبرنامجهم في حين كان المناشفة قد تنازلوا عن هذا البرنامج متخلّين عن أهدافه وشعاراته الثّوريّة ليصبحواحزبا إصلاحيّا، وكان التروتسكيّون، من جانبهم، يساندونهم تحت شعار الدّفاع عن "وحدة الحزب".
لكنّ البلاشفة بقيادة لينين كانوا قد فهموا أنّهم لايقدرون على مواجهة انطلاقة جديدة للثّورة مع الإبقاء على المناشفة في صلب الحزب. ولهذا السّبب طُردَ المناشفة من الحزب في ندوة براغ المنعقدة في جانفي 1912. وهكذا تأسّس الحزب العمّالي الاشتراكي الدّيمقراطي البلشفي بروسيا كحزب مستقلّ، كحزب من طراز جديد.
فيفري 1917: الثّورة الدّيمقراطيّة في وجه النّظام القيصري
لئن أوقف إعلان الحرب وتعبئة الجماهير الفلاحيّة العريضة وجزء من العمّال انطلاق مدّ الحركة الثّوريّة فإنّ سرعة الهزائم العسكريّة والظّروف المخيفة الّتي يحارب فيها الجنود على الجبهة وآلام السكّان من الخلف ستخلق وضعا ملائما لاستعادة الحركة الثّوريّة نسقها ولتطوّرها.
وبعد ثلاث سنوات من الحرب اشتدّ الغضب على الحكومة القيصريّة، والبورجوازيّة نفسها غاضبة لأنّها تخشى أن يعقد القيصر سلما منفصلة مع ألمانيا. وهدفها هو ثورة القصر الّتي تزيح القيصر نيكولا2وتعوّضه بقيصرمرتبط بالبورجوازيّة هو ميشال رومانوف ( شقيق نيكولا2). وهذه الوضعيّة قد تسمح له بالوصول إلى الحكم متجنّبا للثّورة، وقد حظي هذا المخطّط بدعم الحكومة الفرنسيّة والحكومة الأنقليزيّة لكن دون الاعتماد على قوّة الحركة العماليّة المتصاعدة.
وبداية من جانفي وبالخصوص شهر فيفري 1917تطوّرت الإضرابات والمظاهرات والتّجمّعات واتّسعت رقعتها في بتروغراد وموسكو واكتست طابعا سيّاسيّا أكثر تميّزا. الحزب البلشفي يستعدّ للثّورة المسلّحة.
وتظاهر العمّال يوم 23 فيفري(8مارس) ضدّ المجاعة والحرب والقيصريّة وهم يصيحون مردّدين:"يسقط القيصر، تسقط الحرب [ نعم] للخبز ! ". ويوم 26 فيفري(11مارس) هوبداية الثورة المسلّحة: افتكّ العمّال سلاح البوليس والجندرمة وتسلّحوا هم به. ويوم27مرّ الفيلق حذو الشّعب، وتمّ إيقاف الوزراء والجنرالات القياصرة، وغادر الثّوريّون السّجون.والنّصر الّذي تحقّق في بتروقراد مقرّ النّظام القيصري امتدّ إلى كامل أنحاء البلاد.
كانت البروليتاريا القوّة المهيمنة في هذه الثّورة المسلّحة الّتي أطاحت بالقيصريّة.لكن ستتركّز ثنائيّة السّلطات حتّى شهر أكتوبر. فالبورجوازيّة ليست قويّة بما فيه الكفاية لتحكم وحدها وتفرض سلطتها، والطّبقة العاملة وطبقة الفلاّحين لم تكونا جاهزتين لإزاحة البورجوازيّة وممارسة السّلطة بمفردهما.
"إنّ العمّال والفلاّحين الّذين ارتدوا المعطف العسكري كانوا قد أنجزوا الثّورة لكنّهم لم يجنواثمارها في مرحلة أولى: فإلى جانب السّوفياتات ظهر حكم البورجوازيّة" (تاريخ الثّورة الرّوسيّة، المجلّد الأوّل، نشر خطّ التّباين،مونريال 1981 ص 94).

ظهور السّوفياتات:
ظهرت السّوفياتات أثناء ثورة 1905 بوصفها أجهزة الثّورة المسلّحة ومنطلق سلطة جديدة. وأعيد تشكيلها أثناء ثورة فيفري 1917. وقد اتّسعت رقعتها هذه المرّة بأن أصبحت سوفياتات تضمّ العمّال والجنود. وفي الحقيقة وجدت أغلبيّة المزارعين المجنّدين نفسها تحمل الزّيّ العسكري.
لكن كان المناشفة والاشتراكيّون الثّوريّون ممثّلو أحزاب الوفاق مع البورجوازيّة أغلبيّة على رأس السّوفياتات في بتروقراد وموسكو وكذلك على رأس عدد آخر من السّوفياتات. ويُفسّر هذا الوضع بكون القادة البلاشفة ظلّوا مدّة طويلة في السّجن أو في المنفى، ولم يستعيدوا موقعهم في النّضال السّياسي في روسيا إلاّ بعد ثورة فيفري. ومن ناحية أخرى فإنّ 40في المائة من العمّال كانوا قد أُلحقوا بالجيش وكانوا إذن في الجبهة. وقد تسلّل عدد كبير من الملاّكين الصّغار والصّناعيين وأصحاب الحوانيت إلى المؤسّسات ليفلتوامن التّجنيد. وكانت اليد العاملة الجديدة الملتحقة بالمصانع متحدّرة من الرّيف وتحمل وعيا لايزال ضعيفا، وكون الجماهير الشّعبيّة الواسعة غير متدرّبة على السّياسة وتجاوزها تدفّق العنصر البورجوازي الصّغير، ومنتشية بالانتصارات الأولى للثّورة يُفسّرإمكانيّة احتفاظ المناشفة والاشتراكيين الثّوريين بقيادة السّوفياتات والتّأثير فيها سيّاسيّا خلال عدّة أشهر.
كان المناشفة والبلاشفة متعارضين بشأن كلّ مسائل الحرب والثّورة الأساسيّة:
حول الحرب:
تبنّى المناشفة مواقف أحزاب الأمميّة الثّانية الّتي كانت تساند بورجوازيّة بلدها في أهدافها من الحرب الامبرياليّة ضدّ بورجوازيّة البلدان الخصوم، وكان المناشفة يساندون، بدورهم، بورجوازيّة بلدهم في الحرب ضدّ "المعتدي" الألماني، و يدافعون عن السّلم الاجتماعيّة داخل البلد حتّى لايعوق البورجوازيّة عن مواصلتها للحرب.وينشرون الفكرة القائلة بأنّ البورجوازيّة الرّوسيّة لم تكن مسؤولة عن الحرب. والوسطيّون من أمثال كاوتسكي وتروتسكي ومارتوف...الّذين تميّزوا عن المناشفة بالجملة اليسراويّة والنّصال ضدّ الحرب كانوا يدافعون في قرارة أنفسهم عن السّياسة نفسها بما أنّهم رفضوا التّصويت ضدّ قروض الحرب مكتفين بالاحتفاظ بأصواتهم. !وفي الحقيقة فإنّ ما يعني كلّ الانتهازيين هو التّخلّي عن الصّراع الطّبقي أثناء الحرب.
وخلافا لذلك كان للحزب البلشفي موقف واضح جدّا من الحرب الهادفة إلى إعادة التّقسيم الامبريالي [ للعالم]: تحويل الحرب الامبرياليّة إلى حرب أهليّة ثوريّة أي أنّ العمّال والمزارعين والجنود مطالبون بأن يوجّهوا سلاحهم ضدّ بورجوازيّة بلدهم، والعمل على هزم حكومتهم في هذه الحرب. وخلافا للمسالمين الّذين يتوقون إلى السّلم ويكتفون بإصدار البيانات بشأن هذا الموضوع فإنّ البلاشفة كانوا يجهدون أنفسهم لتكريس هذه التّوجيهات. وهذا يعني التّصويت ضدّ قروض الحرب وتأسيس منظّمات غير قانونيّة في الجيش والبحريّة وتشجيع التّآخي بين الجنود على الجبهة.
كان البلاشفة يطبّقون هذه التّوجيهات بكلّ شجاعة وإصرار، وفي نوفمبر1914كان نوّاب الكتلة البلشفيّة في الدّوما الّذين كانوا قد صوّتواضدّ قروض الحرب وندّدوا بأهداف حرب القيصرية والبورجوازيّة قد حوكموا بتهمة الخيانة العظمى وجرّدوامن حقوقهم المدنيّة ونُقلوا إلى سيبيريا الشّرقيّة.
حول إمكانيّة [انتصار]الثّورة في بلد واحد:
كان المناشفة والانتهازيّون لايعتقدون في إمكانيّة[ انتصار]الثّورة الاشتراكيّة في بلد واحد. وقد ظلّوا سجناء أفكا رمنظّري الرّأسماليّة ماقبل الامبرياليّة الّذين يرون أنّ الثّورة الاشتراكيّة قد تنتصر في آن واحد في البلدان المصنّعة.
وقد بيّن لينين، في مؤلَّفه المطبوع في ربيع 1916، الامبرياليّة أعلى مراحل الرّأسماليّة، أنّ هذه النّظريّة ولّى زمانها و أنّ الامبرياليّة لم تكن حبلى بالثّورة الاشتراكيّة فحسب بل إنّ الجبهة الامبرياليّة قد تتفكّك أينما كانت شديدة الضّعف بسبب التّطوّر اللاّمتكافئ للبلدان الرّأسماليّة.
" إنّ تفاوت التّطوّر الاقتصادي والسّياسي هو قانون الرّأسماليّة المطلق.ويترتّب على ذلك أنّ انتصار الاشتراكيّة ممكن في البداية في عدد محدود من البلدان الرّأسماليّة أو حتّى في بلد رأسمالي واحد على حدة(...) إنّ الاشتراكيّة ليست بقادرة على الانتصار في أنحاء العالم في وقت واحد. ستنتصر أوّلا في بلد واحد أو في عدّة بلدان..." ( مأخوذ من مقال"شعار البلدان المتّحدة بأروبا...أوت 1915- لينين مؤلّفات مختارة- المجلّد 1 ص 755).
حول ضرورة فوز البروليتاريا والفلاّحين بقيادة الثّورة الدّيمقراطيّة وإنجاز أهدافها
هنا أيضا كان المناشفة والبلاشفة يدافعون عن مفاهيم متعارضة. فالمناشفة كانوا يعلّلون ذلك بأنّ الثّورة يجب أن تقودها البورجوازيّة اللّيبيراليّة بحكم طبيعتها الدّيمقراطيّة البورجوازيّة ،وعلى البروليتاريا أن تساعد البورجوازيّة على أن تتملّك السّلطة وألاّ تظهر الحماس الثّوري حتّى لاتخيفها وتدفعها إلى الارتماء في أحضان الاستبداد، وعليها أن تكتفي بممارسة ضغوط خارجيّة حتّى تجبرها على إنجاز مهام الثّورة الدّيمقراطيّة البورجوازيّة، وعليها إذن أن تضطلع بدور مساعد، دور التّابع للبورجوازيّة اللّيبيراليّة.
وبالنّسبة إلى البلاشفة فإنّ البروليتاريا هي صاحبة المصلحة الكبرى في انتصار الثّورة الدّيمقراطيّة الّتي ستسمح لها بتنظيم صفوفها وتطوّرها على المستوى السّياسي واكتساب التّجربة في القيادة السّياسيّة للجماهير الكادحة وبذلك إعداد الانتقال إلى الثّورة الاشتراكيّة. وقد بيّن الحزب البلشفي كذلك أنّ طبقة الفلاّحين لها مصلحة في هذه الثّورة الّتي ستمكّنها من تصفية حساباتها مع طبقة كبارالملاّكين العقّاريين وتوزيع الأرض عليها. و بيّن أنّ البورجوازيّة لم تكن ترغب في توزيع الأرض على الفلاّحين ولا في إيقاف الحرب، وتبعا لذلك فكلّ سياسة قائمة على الوفاق معها ستقود الثّورة إلى الفشل.
فكيف سيتصرّف البلاشفة والحال أنّ أغلبيّة قيادة السّوفياتات لاتزال بين أيدي المناشفة
بذل البلاشفة، ودون أن تخور عزيمتهم، جهدا من الشّرح دؤوبا لتعرية الطّبيعة الامبرياليّة للحكومة المؤقّتة والتّنديد بخيانة الاشتراكيين الثّوريّين والمناشفة.وكانوا يفسّرون بلا كلل ولاملل أنّ تحقيق السّلم يتطلّب الإطاحة بالحكومة المؤقّتة وإقامة حكم السّوفياتات.
ومنذ انتصار[ ثورة] فيفري أعاد الحزب تنظيم أجهزة صحافته الّتي صودرت منذ بداية الحرب. غير أنّه ما إن خرج من الوضع اللاّقانوني وهو ضعيف العدد حتّى وفّر فيلقا من الكوادرتدرّب على الحرب واشتدّ ساعده في الصّراع . وسيستعمل الحزب والمنظّمات البروليتاريّة جميع الحريات الدّيمقراطيّة المكتسبة مثل حقّ التّعبير والاجتماع وتكوين الجمعيّات والتّظاهروالصّحافة لتطوير عمله.
وفي أفريل عاد لينين من المنفى وقدّم أطروحاته: إنّها مخطّط للمرورمن الثّورة الدّيمقراطيّة البورجوازيّة إلى الثّورة الاشتراكيّة.. ف"أطروحات أفريل" هي تتمّة وتدقيق لمحتوى كتاب تكتيكا الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة في الثّورة الدّيمقراطيّة الّذي حرّره لينين في ربيع 1905. وهذه الأطروحات الّتي تبنّاها الحزب سلّحته لينجز المهامّ المناطة بعهدته على أحسن وجه.
وفي جدول الأعمال طُرح بذل جهد دؤوب من الشّرح والتّوضيح والنّقد وبلورة شعار" كلّ السّلطة للسّوفياتات". يجب إذن افتكاك الأغلبيّة في السّوفياتات. لكن الدّعاية لاتكفي لإنجاز هذه المهمّة إذ يجب المزاوجة بين هذا العمل وتجربة الجماهير. وكان هذا العمل ضروريّا لانتزاع الفلاّحين من تأثيرالبورجوازيّة والاشتراكيّين الثّوريّين.(ا.ث).
وستمنحهم الحكومة المؤقّتة هذه الفرصة. فقد صرّح وزير الشّؤون الخارجيّة للحكومة المؤقّتة البورجوازيّة للحلفاء أنّ روسيا قد تخوض الحرب حتّى النّصر النّهائي وأنّ "ح.م" مقرّة العزم على الإيفاء بكلّ التزاماتها تجاه حلفائها" في حين وعدت البورجوازيّة وحلفاؤهاا.ث والمناشفة بتحقيق السّلم، وطالبت الجماهير العمّالية والفلاّحون بالسّلم وثارت في وجه القيصريّة رافعة شعار السّلم. وقد اُعتبر هذا الإعلان خيانة وأثار غضب الجماهير. ويوم 20 أفريل وجّهت اللّجنة المركزيّة للحزب البلشفي نداء للاحتجاج على السّياسة الحربيّة للحكومة المؤقّتة. وتظاهر ما يقارب 100.000مردّدين:" انشروا المعاهدات السرّية"،"لتسقط الحرب"،" كلّ السّلطة للسّوفياتات". وقد أثارت هذه التّعبئة أزمة في صلب ح.م، وتكوّنت حكومة جديدة شارك فيها ا.ث والمناشفة !
ولئن لعبت هذه التّجربة دورا مهمّا في تعرية البورجوازيّة فإنّ الجماهير العمّالية والفلاّحيّة لم تفكّ بعد ارتباطها بأحزاب الوفاق الإصلاحيّة.
وفي جوان 1917 وفي المؤتمر الأوّل للسّوفياتات لاتزال الأغلبيّة بيد المناشفة وآخرين مثل ا.ث والانتهازيّين إذ يعدّ 100مندوب بلشفي مقابل مابين 7...800 مندوب للتيّارات الأخرى (مناشفة، اشتراكيّون ثوريّون...إلخ).
وهناك تجربة أخرى مريرة ستسمح للجماهيربإدراك طبيعة البورجوازيّة وبالخصوص طابع أحزاب الوفاق المعادي للثّورة. ففي بداية جويلية شنّت ح.م الّتي يشارك فيها المناشفة هجوما على الجبهة. فباء بالفشل. ولمّا انتشر هذا الخبرأثار غضب الجماهير الّتي فهمت أنّ الحكومة المؤقّتة، رغم وعودها، كانت مساندة للحرب وأنّ اللّجنة التّنفيذيّة المركزيّة للسّوفياتات بروسيا وبترقراد ( الّتي يسيطر عليها الاشتراكيّون الثّوريّون والمناشفة) لم ترد معارضتها أو لم تقدر على ذلك.
تطوّرت التّعبئة العمّاليّة حينئذ في بتروقراد، وكانت كتائب العمّال تريد الذّهاب إلى الثّورة المسلّحة لكنّ الحزب رأى أنّ هذا الذّهاب سابق لأوانه ، وأنّ شروط الانتصار في هذه الثّورة المسلّحة لم تتوفّر بعد. غيرأنّ البلاشفة شاركوا فيها لاستعراض قوّتهم بطريقة سلميّة ومنظّمة. ورغم الطّابع السّلمي للتّعبئة فإنّ الرّجعيّة استشاظت غضبا وانهال القمع على الحزب والمنظّمات العمّاليّة والشّعبيّة الثّوريّة. إنّها نهاية ثنائيّة السّلطات.فقد استولت البورجوازيّة على كلّ مقاليد الحكم، وانتهت مرحلة التّطوّر السّلمي للثّورة وكان الحزب البلشفي يستعدّ للثّورة المسلّحة ويعدّ لها الجماهير.
وانعقد المؤتمر السّادس للحزب في موفّى شهر جويلية وبداية شهر أوت في السرّية. ودارت أشغاله حول إعداد الحزب للثّورة المسلّحة والثّورة الاشتراكيّة.
وفي الأسابيع الموالية حاولت الرّجعيّة أن تقود انقلابا لكنّ المحاولة أُجهضت [بسرعة]بفضل التّعبئة العمّاليّة والشّعبيّة الّتي قادها البلاشفة. وتحوّل ميزان القوى لفائدة الثّورة، وكان الحزب جاهزا واستعادت السوفياتات نشاطها وتخلّصت من سياسة الوفاق الّتي يتّبعها ا.ث والمناشفة، والتحق الفلاّحون الفقراء والفلاّحون الصّغاربصفوف العمّال. ودُعي المؤتمر الثّاني للسّوفياتات إلى الانعقاد، وكان البلاشفة يتهيّؤون لافتكاك أغلبيّة النواب وتولّي القيادة.
واجتمعت اللّجنة المركزيّة للحزب يوم 20أكتوبر، وبعد تحليل مستفيض ودقيق للوضعيّة قرّرت إعلان الكفاح المسلّح. وفي اللّيلة الفاصلة بين يوم25 ويوم 26أكتوبر اُقتُحم القصر الشّتوي الّذي تتحصّن فيه الحكومة المؤقّتة. ويوم 25 افتتح المؤتمر الثّاني للسّوفياتات أشغاله وكان البلاشفة أغلبيّة، وانتقلت السّلطة إلى أيدي السوفياتات وأقرّت في ليلة 26أكتوبر مرسوما حول السّلم ومرسوما حول الأرض وشكّلت الحكومة الاشتراكيّة الأولى مجلس مفوّضية الشّعب.
الدّروس المستخلصة من دراسة تطوّر الثّورة في روسيا من فيفري 17( الثّورة الدّيمقراطيّة البورجوازيّة) إلى أكتوبر17( الثّورة الاشتراكيّة).
لئن استطاع الحزب الشّيوعي البلشفي أن يفوز بالقيادة السّياسيّة للسّوفياتات وبالحركة الثّوريّة للجماهير الكادحة فلأنه:
1- كان مسلّحا على المستوى الإيديولوجي والنّظري والسّياسي وعرف كيف يطهّر صفوفه من الانتهازيّين وكيف يتشكّل في حزب مستقلّ من طراز جديد يعمل على قاعدة المركزيّة الدّيمقراطيّة.
2- وكان له هدف واضح هو الثّورة الاشتراكيّة لم يحد عنه أبدا، وفي أعسر الظّروف( هيمنة الرّجعيّة والقمع الوحشي وظروف السرّية القاسية) لم يستسلم أبدا
3- عرف في كلّ مرحلة من مراحل تطوّر الصّراع الطّبقي كيف يرسم سبلا ملموسة للاقتراب من هذا الهدف متبنّيا تكتيكا مرنا للهجوم كلّما تطلّب الوضع ذلك، وللتّراجع بانتظام كلّما فرض الانسحاب نفسه. وفي كلّ مرحلة عرف كيف يتبنّى تطلّعات الجماهير العمّاليّة لترجمتها في شكل شعارات للنّضال في سبيلها.
4- يَعُدّ بين صفوفه شيوعيين منضبطين وبواسل ومستعدّين للكفاح ولقيادة النّضالات، ويثقون في الجماهير وبطولاتها وقدرتها الثّوريّة، شيوعيّين عرفوا كيف يوحّدون سبل الحفاظ على روابطهم مع الجماهير وتطويرها من خلال المنظّمات الجماهيريّة مهما كانت الظّروف.
5- إنّ الثّقة في الجماهير العمّاليّة هي الّتي سمحت للحزب باستنباط الوسائل لتخليصها من تأثيرالأحزاب الإصلاحيّة والوفاقيّة الّتي لم تكن ترغب في الثّورة بل كانت تنادي بمجرّد إصلاحات للنّظام البورجوازي بسيطة. لقد فاز البلاشفة بقيادة الحركة الثّوريّة بعد بذل جهد من الشّرح دؤوب مستعملا كلّ الوسائل الّتي في حوزته ومعتمدا على تجربة الطّبقة العاملة والفلاّحين الكادحين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار