الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمعات البريئة

محمد ابداح

2018 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


قد لايكون من المتواتر في سجلات التاريخ الحصول على عصور بريئة، منذ زمن آدم وحواء وحتى يومنا هذا، وألاّ يكون للمرء (علاقة) فمعناه أن يكون بريئا،وإن كان له أية علاقة كانت مباشرة أو غير مباشرة، مشاركا أو متواطئا أو محرضا أو آمرا أو صامتا بعلم؛ فهو غير بريء، وبما إن أي رؤية أو نظرية تأخذ قوّتها المادية من خلال نفاذها للجمهور، لذا فلن يكتمل طرفي السلسلة (الدولة) بين أصحاب الرؤية وبين الشعب الذي يأخذ مكانه المتواضع (الغير مشكوك فيه) في السلسلة، إلا من خلال عدم تردّد الجمهور لحظة واحدة بالإعتراف وبكل شجاعة بتواطئه مع الجلاد، السابق والحاضر والآتي، ولا يطرح هذا الأمر علينا أية مشكلة؛ فاهتمامنا هنا ينصب على طبيعة العلاقات القادرة على الجمع بين الفعل السّيء والجيد، وبعبارة أدق يستجوبنا طابع الشفافية المطلقة حول حقيقة تلك العلاقات التي تجأر بالبراءة من أفعالنا، ودون أن نطمح حتى لتوبة لم نستحقها بعد، وعلى الفور قد يتبدى السؤال عن كيفية حصول الفكرة أو الرؤية (دينية - سياسية) على قوتها المادية بمُجرّد نفاذها للشعوب؟ في الحقيقة فإن الرؤية لم تنفذ يوما، ولو جرى الحديث على لسان رجل حكيم لقال بهدوء: لم تنفذ عبر الشعوب، بل نفذت عبر معسكرات الجيش والمعتقلات.
وفي حين أنّ على المرء أن يختار ولا معنى للخيار الثاني سوى الموت، فالأول يبدو مُلهما، والثاني مُختلا في ذاته، علما بأنهما صادران عن الخطاب نفسه، فالمحبة والسلام بأقوال موسى وعيسى ومحمد لم تمنعا مذابح التطهير العرقي تاريخيا وحتى يومنا هذا، وكما أن للمرء الحق في الإعتراض عند ظهور الوقائع التي تثبت مواضع الخلل، إلا أنه في المقابل قلما يتزاحم الناس في المحكمة للدفاع عن مُعارض سياسي، أو ناقد أو حتى صحفي كشف بعضا من عورة الفساد في دولة عربية ما، وإنه من الإثارة بمكان حيث تجد أن كل سطرا يُقرأ من لائحة الإتهام (بصوت مرتفع على غير عادة) يجعل الجمهور في حالة بُكمٍ، ويبقى مقعد الدفاع شاغرا في المحكمة، بحيث لاترغب في ملئه تجربة ثلاثة آلاف عام من الجدل اللاّهوتي حول تفنيد المسؤولية الجنائية وتعريف الإرهاب، لأنها ببساطة لاتحاربه بل تُنتجه وتُساهم وتتواطىء وتحرّض كما السياسة.
قد لايكفي أن تصرخ كي تحصل على الأضواء، وإلا لكانت البهائم أولى بها، لذا فإن إنكار الغثّ لا يجعل منه وهما بل يبقى حقيقة لا تنفصل عن السّمين، ولن يعكس إمرء عن أيّ عمق بالتفكير إن هو إدّعى أن لاعلاقة البتّة بين الدساتير العربية وعلم الأعراق، وهذا ما يجعل من المواطن العربي أبله، ومن المعلوم أن الأبله لايرى الفظائع، فما باله بإدراك تفاصيلها! ومن هنا ودون العودة إلى القراءات العزيزة على قلوبنا من حكم الأوّلين وتخريج المتأخرين، نقول: أنه لاإبداع في المنطق، وخصوصا حين يُنشيء كمّا سببيّا متواصلا من الرّيب بين من ليس له علاقة (بريء) ومن له علاقة، والخلاصة ليس ثمة مواطن بريء رغم كل هذا الألم المتراكم، وإلا فكيف تساهم المجتمعات في ولادة معسكرات للموت وتكون بريئة؟
إن الطريقة الوحيدة لإفلات المُجتمعات ( الغير بريئة) من الإجابة على أسئلة مصوغة بشكل لايُمكن معه أن تتقبل أجوبة منطقية هو إحناء الرأس حسرة والهروب خارج الوطن (السودان، الصومال، العراق، سوريا، ليبيا، اليمن)، وبما أن مشاعر الغضب تشكّل مصدرا طبيعيا ومتجددا للطاقة، بل ويُضاهي الطاقة الشمسية، لذا فيمكن استغلاله بسهولة من قبل المؤسسة الأيديولوجية، لأخذ ثأر المنتحبين على أبواب معسكرات الموت، دون التفريط في أدنى حق لأي من أبناء آدم وحواء وبأثر رجعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يخطط للجبهة الثامنة.. من الهدف التالي لإسرائيل في ال


.. سودانية تستقبل ابنها العائد من جبهات القتال بالتكبير




.. فعاليات عدة للتضامن مع فلسطين في مانهايم الألمانية


.. تعرف على أبرز عمليات المقاومة عند حاجز النفق جنوب القدس




.. مصابة من غزة تودع زوجها الشهيد بعد قصف إسرائيلي طال منزلهما