الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسين قسام شاعر السخرية والالم

صادق الطائي

2018 / 8 / 27
الادب والفن


اذا اردنا الحديث عن الشاعر الشعبي حسين قسام الخفاجي النجفي ( 1890 م -1960 م ) فلابد ان نبتدأ ‏بترجمة له او سيرة سريعة لحياته ، فهو حسين بن عبود القسام ، وآل قسام عائلة نجفيه كبيرة خرجت ‏اعلاما كبارا من العلماء وهم ينتمون الى قبيلة خفاجة العربية التي وهبت العراق عددا من الشعراء ‏والخطباء والسياسيين . الشيخ حسين قسام شخصية أثارت جدلا كبيرا في الوسطين الإجتماعي والأدبي ‏خاصة في مدينته النجف الاشرف ، وحاول دارسون مهمون من العراق وخارجه تحليل نصوصه مرة ‏وتحليل سلوكه أخرى وتوصل اغلبهم الى ان حسين قسام قد ابتكر اسلوبا كوميديا من ادب اللامعقول ‏لقراءة الواقع الأجتماعي ونقده ، وممن تناوله بالكتابة نذكر ؛ جعفر الخليلى والشيخ عبد المولي ‏الطريحي ومحمد علي البلاغي وعلي الخاقاني وهاشم الطالقاني وحميد العقابي وعبد الإله الصائغ من ‏العراق والأستاذ حسين مروة من العرب .‏
وربما جاءت شهرة الشاعر حسين قسام من ديوانه الثاني (قيطان الكلام) ، فعندما يذكر اسم الشاعر امام ‏احد سرعان ما يجيبك بـ :‏


قيطان الكلام اليشتري منه ‏
طيف ايشوف جنه ابروضة الجنه ‏
طيف ايشوف جنه كاعد ابستان ‏
يتونس على الازهار والريحان ‏
ياكل خوخ ياكل عنب والرمان ‏
الحور ابخدمته لوجاع ينطنه ‏
‏ ‏

ماذا كتب عنه المفكر حسين مروة والاخرون :‏

‏ كان المفكر الماركسي اللبناني حسين مروة صديقا مقربا للشاعر حسين قسام وقد كتب واصفا اياه ( ‏وفي فن هذا الرجل عبقرية عجيبة اقول فن واقول عبقرية وانا اعنيهما معا واقصد معناهما قصدا دون ‏التواء او انحراف ، وما هو الفن ؟ وما هي العبقرية ؟ أليس الفن موهبة طبيعية هي في الذهن خصوبة ‏واتساع وقوة تخيل ودقة ملاحظة وهي في النفس شعور مرهف وانسانية صافية خيرة ! وهي في القلب ‏رحمة وشهامة ونبل وهي في العين نور نفاذ الى ما وراء المظاهر التي يراها الناس عامة !! والعبقرية ‏أليست قوة في هذه الخصائص الفنية جميعا اذا صحبتها جاءت بالغريب المعجب ؟ وإذا كان هذا معنى ‏الفن وكان هذا معنى العبقرية فلم لا يكون حسن قسام الذي احدثك عنه فنانا عبقريا وهو موهوب طبيعة ‏الفنان وطبيعة العبقري وسترى انني لا اسرف في قولي هذا ولا ابالغ !! لأن في فن حسين قسام ‏لعبقرية عجيبة هي عندي تقترب من مقام العبقريات التي يمجدها الناس في رجال الفنون الملهمين ، ‏غير ان مقسم الحظوظ جعل مكان هذا الرجل في مضطرب العامة فلا ترمقه العيون إلا من عل ، ‏وصرف القدر عبقريته الى وجهة لم يسبق في مصطلح الناس ان يحسبوا البارعين فيها من ذوي ‏العبقرية ومستحقي التمجيد والخلود ومن اجل هذه القسمة سيرى اناس انني اغلو كثيرا اذا اضفي عليه ‏هذا اللقب الفخم وفي الحق انه وهب عنصرا خصبا من عناصر العبقرية وانتج في المجال الذي اركسه ‏فيه مقسم الحظوظ اقوى ما يستطيع انتاجه هذا العصر في رجل من رجال الفنون الذين يمجدهم الناس ‏وعنصر العبقرية هذا الذي ركب في طبيعة القسام الفنية هو قوة الخلق والإبتكار المرتجل ويقظة الذهن ‏الحادة وسرعة الألتفات الى نواحي الضعف على اختلاف الوانها. والعجيب في كل ذلك مطاوعة كل ‏جارحة في جسمه وكل خالجة في روحه لهذه الطبيعة الخصبة المبدعة ) ، وقد رد حسين قسام الفضل ‏لهذا المفكر الذي كان موضع هجوم من البعض في النجف عندما كان طالبا في حوزتها ، فكتب عنه ‏عددا من القصائد الطوال منها وربما اشهرها : ‏
يحسين المروة امجانها راسك / وانت اتوصفت بيها وحكَـ باسك

بلاط العلم سوّاك وضخم راسك / وعلمك صار خزنة وكنز ماليه

حتى يصل بطريقته الفنتازية المعروفة والتي يتميز بها شعره فيقول دفاعا عن حسين مروة :‏

‏ اليكرهك إيد تطلع فوكَـ علباته / تضربه جم عجل وتمزكَـ اعباته ‏

تهلس شاربه وتحركَـ لك امواته / بصفحة والده ايذبون سليه ‏

سليه تصيد اضلوعه واعظامه / بإذنه ديج لاري لابس اعمامه ‏

يو بزون طوله سطعش كَامه / لابس له انعجه وراكبله بنيه ‏

اليكرهك اظن اسود ينكَلب لونه / كَالولي من اباطه طالعه اسنونه ‏

امضيعلك اشفافه وبايع اعيونه / يمشي لي وره وزردومه عاريه ‏

هذا اللي يكرهك مثله ابد ما صار/ جفوفه سندلوس وكَصته طاكَـ مدار ‏

نوبه ايصير طياره ونوبه كار/ ويكَدر من تريده ايصير حوليه ‏

من صرته لعد رجله تره امبنج / لا تطي اشعير الوجع يتحجج ‏

ما بي حيل من احوايجه يعرج / أهله بين لندن والحميديه


كان حسين قسام نجم المدينة دون منازع وبخاصة الأفراح ، ولكن الحفلات العامة او الخاصة التي تقام ‏له مجانية !، كان لا يأخذ عليها اجرا رغم حاجته الموجعة وتردي وضعه المعيشي والصحي ولكنه ‏كبرياء الفرسان والمبدعين ، ويكفي انه صديق الملك غازي الذي كان لا يستغني عنه وبخاصة حين ‏تشتد عليه الكآبة وصديق الملك فيصل الثاني ومرافقه الأقدم عبد الله المضايفي ، وكان اول ما يفعلانه ‏حين ينتجعان في القصر الملكي في الكوفة هو استقدام الشيخ حسين القسام ليقيم فترة اقامة الملك وكل ‏العائلة المالكة تهش وتبش للشيخ قسام ذي الملامح الصارمة الكئيبة والروح الفكهة العجيبة !! وكذلك ‏كانت للشيخ القسام الحضوة لدى وزير المالية الحاج محسن شلاش والدكتور فاضل الجمالي والسيد ‏عطية السيد سلمان العوادي والسيد عطية ابو كَلل والسيد علي الحبوبي والسيد علي المرعبي الصائغ ‏والدكتور محمود صفوت و الوجيه السيد هاشم الشريفي وسواهم من اثرياء العراق وموسري النجف .‏

العلامة الشيخ عبد المولى الطريحي هو اول من كتب عن حسين قسام كما كتب عن الشاعرة فدعة ‏الازيرجاويه وأخرين، وهو اي العلامة الطريحي محقق دواوين حسين قسام يقول ( نشأ الشيخ حسين ‏عبود قسام الخفاجي نشأة طيبة وولع منذ طفولته بالأدب العامي والظرف الشعبي حيث كان يتردد كثيرا ‏على المآتم الحسينية والمجالس العزائية التي كانت تعقد بين آونة وأخرى في البيوت النجفية وجوامعها ‏الدينية ونواديها الإجتماعية العامة والخاصة ويستمع الى اقوال الخطباء والشعراء التي تلقى على ‏المنابر ويصغي الى احاديثهم الهزلية ومناقشاتهم الأدبية والفكاهية حتى ولع بنظم اللغة العامية ‏خصوصا في القسم الهزلي واشتهر بهذا القسم ايما اشتهار وصار اسمه يذكر في كل مناسبة بتلك ‏النوادي الهزلية والإجتماعية الظرفية حتى هيأ من نظمه مجاميع مخطوطة ومطبوعة ) ويقول ‏المرحوم عبد الرضا محمد علي المطبعي مؤسس مطبعة الغري في النجف وناشر دواووين الحاج زاير ‏وفدعة الزيرجاوية والمله امينة بنت الجد والملة تقية تويج وعبود غفلة وحسين قسام وآخرين ( ... ‏ومما ساعد على انتشار اللهجة العراقية اتخاذها احدى وسائل رثاء الحسين وتلاوة الهوسات فيها ساعة ‏الهياج او الفرح والترنم بالأشعار الغزلية العامية ولم يدع الشعراء العاميون بابا من ابواب الشعر الا ‏وطرقوه وهكذا اخذت عوامل التطور تكسبها القوة والجمال حتى استقلت العامية العراقية بحكمها ‏وامثالها المصطبغة بألوان المحيط كآبة ومرحا وقد اغتنت الحسجة من المجالس التي تعقد لمراثي اهل ‏البيت الكرام ومدائحهم ومنها تولد شعراء كبار واسعو الخيال عميقو الإبتكار ظفروا بالقدح المعلى في ‏ميادين التصوير الشعري البارع والدقة التركيبية والأسلوب الدقيق الأنيق ومنهم شاعرنا الكبير ‏الفكاهي الأستاذ حسين قسام النجفي الذي امتاز وانفرد في العراق بشعره الفكاهي الهزلي حينما تقرأ ‏شعره يدهشك جمال اسلوبه وابتكار تركيب الفاظه الخلابة)‏

حسين قسام السريالي
يذكر الدكتور عبد الاله الصايغ - وهو من القلة الذين تناولوا حسين قسام بدراسة جادة - في مقاربة ‏مفادها؛ (وقد راقت لي فكرة اعتداد حسين قسام ضمن المدرسة السوريالية فهناك تزامن بين اندريه ‏بريتون 1896 – 1966م وحسين قسام من حيث الولادة والوفاة والتعبير !! فحسين قسام ولادة ووفاة ‏بين 1898 – 1960اي ان بريتون جاء الى الدنيا قبل القسام بسنتين ورحل عن الدنيا بعد القسام بست ‏سنوات!! لكن الذي قهرني هو عدم وجود وثائق تدل على صلة ما بين الإثنين ( بريتون والقسام ) مع ‏الأسف! ثمة قوت الأرض لبريتون وثمة قيطان الكلام وسنجاف الكلام والأفكار المطلسمة للقسام !ولا ‏احاول ليَّ عنق الحقيقة العلمية لتقارب الفرضية ! فاندريه بريتون كان متابعا يقظا لما ينجم من ادب ‏في منطقتنا ! وقد بعث رسالة مطولة الى الشاعر المصري المغمور جورج حنين في الثامن عشر من ‏ابريل 1936 قال فيها بريتون لحنين : يبدو لي ان الشيطان السوريالي له جناح هنا والآخر في مصر ) ‏

ومن سرياليات الشاعر حسين قسام : ‏

لو وقع بيدي اصعدت سابع سمة ‏
إبلا درج واركب بعيرة محزمة
امحزمة وحزامها امقوّة وتنك ‏
‏ بيها اريد اوصل وطيرن للفلك
واقلب البرغوث والبرغش فلك ‏
خاطر اشتل فوقهن شجرة جمة
وبالسمة السات ارد اسوي لي فعل ‏
اقلب الثيران تفاح وفجل
ابميل اقلبهن امعصي ومنشجل ‏
‏ واقلب القبطان ناقة معممة
وبالسما الخامس اسوي لي اخبار ‏
اقلب الجاموس كله بيض فار
وباذن ارنب اردن ازرع لك اخيار ‏
‏ ومنه افصِّل قمر جُبْتَه امقلِّمة
‏........‏
وشفت واحد بالسمه راكب بلم ‏
الدواية البير والقوغة القلم
قاعد ايقيد بزازين العجم ‏
‏ وكل العتاوي عليه متلملمة
معذباته مدوخاته تصيح ماو ‏
‏ هذا تفسير الحجي يردن ابلاو
شي اصغار وشي اقصار وشي علاو ‏
‏ وجوهها بجعب القدر متصخمة
وشفت واحد طالع ابخشمة قرون ‏
لا حلق عنده ولا عنده عيون
وشفت بقَّة تسحل الها ابفاركون ‏
اذنة عمية عينة طرشة امقرعة
شفت شوفة موش فوق ولا حدر ‏
لا هي بطة ولا هو فيل ولا نسر
لا جلج فوق السطوح ومنحدر ‏
طلع مركب خوص طاير من حلب
وشفت واحد فوق راسه نخلة طوخ ‏
اربع اجناحات إله واربع اجروخ
من تفوره ينقلب معجون خوخ ‏
ومن تنسفه منه يطلع لك شعب.‏


الشكوى والنقد الاجتماعي :‏

ولشعر حسين قسام جانب نقدي اجتماعي مهم ، ربما اتاه تأثرا بمن زاملهم او صادقهم ممن يحملون ‏الفكر اليساري او الماركسي في النجف واهمهم المفكر حسين مروة والاديب محمد شرارة وغيرهم ، وقد ‏كانت قصائده النقدية سلسة سهلة غير متكلفة ببناء صور عالية الفنية كما هو الحال في شعر الحاج ‏زاير الذي وصفه المستشرق الفرنسي جاك بيرك بـ شكسبير العامية العراقية ، فحسين قسام تناول ‏الهموم اليومية في تصوير درامي يصف فيه حاله وصراعه مع الفقر المكتوب عليه ولا يستطيع منه ‏فكاكا ، وتارة يكتب عن حال المرأة – الزوجة وما ينالها من حيف وجور مضاعف من الزمن ومن ‏زوجها ، وفي كل ذلك نجد النفس التقدمي النقدي في شعر القسام ، والذي حاول بعض الباحثين ليه ‏واعتبار القسام ماركسيا وشعره ثوريا ، الا ان الحق يجب ان يقال بان الرجل كان ابسط من ذلك وان ‏الجانب الذي استهواه من الفكر اليساري هو العدالة الاجتماعية وانصاف المظلومين .‏
وقد كانت فكرة الدخول في عصر النور مسيطرة على الطروحات في اربعينيات القرن العشرين مبشرة ‏الناس بالخير والحداثة والتنوير القادمين ، بينما حسين قسام قرأ الامر بشكل مختلف اذ يقول : ‏

وحكَـ عزتك يربي استفلست آنه / مثل اكميل من كَابل الحنانه ‏
وحكَـ عزتك يربي امخربطة احوالي / وخاف وياي يبكَه الفكَر للتالي ‏
لازكَلي على اعباتي وعلى انعالي / ويضربني الوكت دانه باثر دانه ‏

او في قصيدة اخرى :‏
هم هاي ابكتب تاريخ مذكوره / عصر النور عنه منحجب نوره ‏
علينه الدهر كوَّر ظُلْمه وجوره / ولسهام النوايب صرت نيشانه ‏
كَلي اشبعد منها وتخلص المده / من هذا العصر نخلص وهل شِدَّه ‏
بشرني الفكَر يمته يذب جرده / ويمته نجلي همّ الفكَر واحزانه ‏
لتلوم الحجه وياي ما ينلام / حربك صار ويه احسين بن قَسّام ‏
اريد وياك احجي وارد اشك الخام / نورك غاب جنّك صرت جنكَانه

اعماله المطبوعة ونثر حسين قسام السريالي : ‏

لحسين قسام النجفي ثلاثة دواوين وليس اثنين كما يعتقد كثير من الباحثين ، فعدا " سنجاف الكلام" ‏و"قيطان الكلام" ، أصدر له حسن الكتبي ديوانا ثالثا بعنوان " محراث الكلام" عام 1973 اي بعد ‏وفات الشاعر بثلاث عشرة سنة ، ويحتوي هذا الديوان قصة نثرية ساخرة ذات طابع سيريالي عنوانها ‏‏" قصة أرخنة" وصدرها بانها الجزء الأول . في الديوان أيضا قصائد عن مواليد أهل البيت (ع) ‏وقصائد هزلية طريفة صدرها بمقدمات نثرية بالغة الجمال . ‏
‏" قصة أرخنة" هذه ربما كانت الأثر النثري الوحيد التي تركه ، وهي مقاربة او نوع من ادب المقامة ‏المعروف تاريخيا وقد حاول بعض الادباء في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بعثه كما ‏هو الحال في مقامات المويلحي الشهيرة ، ومقامة حسين قسام تحكي بأسلوب ساخر مذكرات رجل ‏يسميه "أبا طفيل الطيلساني" يسافر لقارة غريبة مليئة بالعجائب بدء من أشكال الناس مرورا ‏بتصرفاتهم وليس انتهاءً بالأشعار التي يقولونها . ‏
تبدأ القصة بهذه المشاهد؛" كان رجل يسمى أبا طفيل الطيلساني رأيته في المنام يثغب ويقول دخلت ‏الى مدينة أرخنة في زمن ظهير بن جبارة الكبشي وهي مدينة عظيمة معمورة كاملة جيدة لها أشجار ‏وأنهار وأزهار ولها جداول ومزراع وبها فلاحون كثيرون يزرعون الشفلح الفاخر ويزرعون النيل ‏المتجمر والعسل المتعطر ويستخرجون من مرابط العسل ماء الثوم ومن الشفلح الابريسم الصندلي ‏ومن النيل البوتاز الحديدي وينسجون من ماء الثوم الثياب الحمر والسود والحرير المتلبد والقماش ‏المتجمد ويستخرجون من هذه الثياب والبدر المتعطرة والمتطرزة من قشور العنبر والكافور ويجعلونها ‏بقراريب من خوص ويرسلونها الى الهند فتشتريه تجارها ليستخرجون منها الدهونات للغذاء والمعيشة ‏ويستخرجون منها أيضا الحليب الصافي ثم يبيعونها في الأسواق . وكانت أهل أرخنة في رفاهية من ‏العيش في تمام الراحة والاحترام ". ‏
الحال أن حسين قسام لا يلتزم في قصته هذه بأي معايير أدبية ولا أي قواعد نحوية أو عروضية فهو ‏يكتب ما بدا له ساخرا ،وربما من المعارف والآداب السائدة في زمانه . لنقرأ هذا المقطع الذي يعكس ‏
بعض خياله الجامح حيث يلتقي البطل بكائن عجيب في شكله أغرب ما فيه أنه طويل البطن كما يقول ‏؛ "يقول أبا طفيل الطيلساني بينما أنا أتمشى في شوارعها أذا بشاب حسن الصورة كبير السن رقيق ‏الجبين دقيق العظم طويل البطن عريض المنكبين غليظ الشفتين له أربع شامات الأولى من عمود خده ‏إلى سرته والثانية من قدمه إلى ساقه والثالثة من زنده إلى صدره والرابعة من الأذن إلى الأذن وصفات ‏هذا الشاب جرع مرع ورع له من العمر ألف دقيقة وكل دقيقة تحتوي الف ساعة وكل ساعة تحتوي ‏ألف يوم وكل يوم يحتوي ألف أسبوع وكل أسبوع يحتوي ألف شهر وكل شهر يحتوي ألف سنة من ‏سنين الفراشة ،وهذا الشاب من عفاريت الطعوس وهو شجاع يباشر الحروب الصامتة المتعلقة على ‏معاني الإفهام . قال رعد بن سندلوس الشيباني متغزلا بهذا الشاب : ‏
يا نمير الخد يامن أزهرت فيك المثالا ‏
يا ظلام واقتحام وابتسام واعتزالا ‏
لك رسم من هبوط وارتفاع وانتزالا ‏
لك في الأرنب معاني من محاسين االغزالا ‏
ومن الدعلج ريشا يشبه الرمي النبالا ‏
أيها القاسي رويدا سترى أين الزلال ‏
طحن الغنج عظامي من قلاقيل الدلالا ‏
لعب السرج زمانا من مزامير الزبالا ‏

ومن نثر حسين قسام السريالي لابد ان نذكر رسالته الشهيرة التي رد بها على احد هواة ادبه من ‏الوجهاء الأثرياء البخلاء في مدينة النجف ، الذي كتب الى حسين قسام معلنا إعجابه بموهبته الشعرية ‏الكبيرة ودعمه لهذا الشاعر قائلا أن اطلب مني اي شيء ايها الشاعر العظيم وأعدك امام الله أنني ‏سأنفذ لك اي طلب تطلبه مني ولكن فقط لا تطلب مني نقود !! اطلب اي شيء سوى النقود !! فأجابه ‏حسين قسام برسالة تاريخية جعلت الثري البخيل عبرة لمن أعتبر .. فقد طلب حسين قسام في رسالة ‏جوابية من البخيل طلبات عديدة ولم يطلب نقودا .. اما هذه الطلبات فهي : ‏

اخي وعزي وفخري وملاذي ياصاحب الكرم التام والبدر التمام والمحبة والأكرام .. بعد السؤال ‏والإستفسار عن صحة ذاتك الرارنجية واخلاقك المرضية وعيونك الكهربائية وصلنا كرمك في شهر ‏طير وطار شكَـ ابحار لا له ريش ولا منكَار .‏
ثم يا اخي ارجو من احسانك تنخالي فضلك على لطفك يبعث لنا خصافة دهن امهبش مارسيلي مع ‏طول سكنجبيل مجروش سيالي نمبر وان من شغل عبادان يكون الذراع نص قران وتبعث لنا درزن ‏هنود سودان بزوني شغل عال مو دوني وتبعث لنا كَونية اصفهانية من اهل الحياضية شغل الصليجية ‏قيمة الوحدة نص ربية انريدهم لأجل روازين البيار حتى لا يطب الماي للغرف من حيث المرازيب ‏يضرن الطارمة من الشمس وقت المطر وتبعث لنا عشرين قرابة بيذنجان يكون ست الوان لأجل ‏تربيع البيبان حتى الفي لا ايصير بالليوان خاطر نضبط عتبة باب الخان وتبعث لنا كَيشة فجل فنطازي ‏لأجل شباج سطح البير حتى لا يطيره الهوه وتبعث لنا سرداب سفري لاستيك إله خمسين درج مربع ‏ابقرص النعناع وتبعث لنا قوطية حبوب جينكو يكون سداهن من تنك جاوي من الطول طول الواحد ‏متر والعرض ميتين وستين مربع على امثلث حتى الحرمس والبرغوث لا يخش بيه من حيث الجراد ‏أكل الحيطان وتبعث لنا صندقجة إكَطين رشتي امشيرز بجبنتو على اكَموع بيذنجان وتبعث لنا كَشور ‏لبن مصقول سحاري لأجل البناية لا تخرب وتبعث لنا تنكة جنكل انريد انبيض بيهن الكَدور حتى ‏الطرشي لا يجمد وتبعث لنا حمام خوص حدادي من حيث طاحت علينه حدرة بدو كبيرة حتى يسبحون ‏بماي تمر هند والجنس الذي ناظمة بالشعر كله تبعثه بالعجل اما انا فسوف ابعثلك حواله بيد موش ‏معروف لا انته اتعرفه ولا آنه اعرفه ولا كل واحد يعرفه والحواله ابعثها اقساط كل قسط اثمانين ‏اسبوع من الفلوس وازيد من هذه ما اذكر لك يامسكين وهذا الجنس كله لفّه بوصله كَمر الدين ‏

لو يجيك الخط يكتكت لا تحير /لا جن اترجاك ابعثلي بعير ‏
ارد احمله حواش مبنيه ابكَراد / ارد احملهن وادزهن لبغداد ‏
ارد احط بيهن وترسهن جراد / ولا تكَلي هذا كله مايصير ‏
وبعد اترجاك ودي لي جحش / بالعجل دزه وحط فوكَه كرش ‏
ياحبيبي افلوس اقبض من دبش / ودبش عدكم هل وكت ماهو فقير ‏
ودزلي ساقو ياحبيبي من الجزر / وزخمة فصلِّي سريع من المطر ‏
عبايه بيضه حوكلي من الشكر / ودزلي بغله منقشه حمره وتطير
واربع اطرامات دزلي من فجل / ودزلي قوزي طويل وثوير وعجل ‏
ارد احملهن وادزهن للجفل / وارد اعليهن ابوايكَـ من شعير ‏
ودزلي حوض احديد اريدن من جمه/ ودزلي ناكَه عريضه كون امقلمه ‏
ودزلي بوتين عليه صخله امحزمه / لا جبير ولا عريض ولا زغير ‏
وبعد وديلي فرد كوسج عدل / دزه وحده لا تجتفه بالحبل ‏
عيون عنده كون يمشي بنص رجل/ طوله الف ذراع ما ريده جبير ‏
ودزلي هندي وعجمي ومعيدي عريض / ودزلي دب وفيل اريدنه يبيض ‏
جلاب سود اثنين دزهم كون بيض/ واحد اعمه اعيون والثاني ضرير ‏
ودزلي ثوب مبطن بوصله شمس / ودزلي ثور ادرع وماريده نحس ‏
بالعجل دزه يكتكت عل جنس / حمله بعدول حطه اعله الحمير ‏
ودزلي حوش احديد وادناكَه صفر / ودزلي كَونيه خشب لأجل الجسر ‏
ارد اكَوم ابني وعمرلي قصر / وارد اسوي القصر كله من حرير .‏
يـاعزيزي بالعجل دزلي جنس / مــــاي كونيه وخصافة شمس ‏
واربع كواني من كشور الدبس / وألـــــف ناكه حطهن بقوطيه ‏
ألف ناكه حمــــر ماريدن عشم / دزهن عرايـــه وحطلهن حزم ‏
ودزلي ثـــور عتيك أغبر يفتهم / يعارك البرغـــــــوث بالبريه ‏
ودزلي ابو الجنيب شايلّـــه بعير/ ودزلي دب مكمط بوصلة حصير ‏
وجمل دزلي كون بجناحه يطير / بـــي مراجل مــــــا أريده بليه

نوادر ومقالب حسين قسام المشهورة : ‏

وعند ذكر حسين قسام لابد من ذكر جانب مهم من شخصيته الا وهو المقالب، ان نوادره ومقالبه كانت ‏حديث الناس تلك الأيام ومادة سمرهم ومنها على سبيل المثال : ‏

‏* قيل أنه وقف وسط الشارع ذات يوم وأشار الى إحدى السيارات المارة طالبا من السائق ‏الوقوف،وعندما توقف السائق قال له متسائلا:عندك خرده دينار؟ أي لديك صرف دينار،وكثيرا ما ‏تعرض للأهانة والسب جراء هذه المواقف فيتقبلها بروح رياضية. ‏
‏* ودخل مرة أحد المقاهي التي لا يعرفه صاحبها وعندما جاءه صاحب المقهى سأله:عندك شاي ‏‏«تازة» أي جيد فقال صاحب المقهى نعم ،فقال وهل هو جديد لم يبق على النار طويلا فرد عليه ‏بالإيجاب،عندها سأله :هل وضعت عليه الهيل ،فقال له نعم فرد عليه(بروح أبوك جيبلي حامض) أي ‏هات لي حامض.ولا تسل عما لاقاه من صاحب المقهى الذي أعتبره يسخر منه. ‏
‏* ومن طرائفه الذائعة أنه كان سادنا لمقام النبيين هود وصالح،وكان يزور المقام الكثير من الزوار ‏فيحصل على أعطياتهم ونذورهم ،ولكن روح النكتة التي جبل عليها تدفعه لصنع بعض المقالب،وذات ‏يوم جاء مجموعة من الأعراب لزيارة المقام ،وجلسوا في ركن منه،وعندما شاهدهم حسين جلب كمية ‏من الحلاوة مع أقراص خبز ووضعها قريبا منهم وجلس في مكانه ينظر إليهم بين حين وآخر،وعندما ‏شاهد هؤلاء الأكل ظنوا أنه من النذور التي جلبها الزوار ،فاقبلوا عليه وأكلوا منه طلبا للبركة ،وبعد ‏أن انتهوا من الأكل قام حسين قسام وهو مضطرب وجل وسأل صاحبه الذي يعلم بالحيلة،أين الطعام ‏والحلاوة التي كانت في هذا المكان فقال له لعل أحد الزائرين قد تناولها ،فقال له حسين وقد أصفر ‏وجهه وزاد اضطرابه تلك أذن كارثة لأني قد وضعت السم مع الحلاوة لقتل الفئران التي تعبث ‏بالمقام،وكان الأعراب يستمعون لما يقول ،فأصابهم الخوف والوجل واصفرت وجوههم، وأفرغوا ما ‏في بطونهم ،وأشرف أحدهم على الإغماء ،عند ذلك أخبرهم بالحقيقة وأنه يضحك معهم. ‏
‏* ومن طرائفه الأخرى مع الزائرين ،انه جاء ذات يوم بعض الهنود لزيارة المقام ،وكان حسين ‏يرتدي العمامة حينها ،وكأنه من كبار رجال الدين ،فطلبوا منه أن يقرأ لهم الدعاء المخصوص،ولأنه ‏في أكثر الأوقات جدية لا يفارقه المزاح،فقد وقف أمامهم وتوجه نحو المقام وأخذ يقرأ الدعاء وهم لا ‏يفقهون كلامه وكان دعاؤه: ‏
السلام على ألحنانه ‏
والسلام على المنانة ‏
وأنعل أبوكم لا أبو الجابكم مناك لهنانه ‏
‏* وقيل أنه كان ذات يوم في مدينة الكاظمية المقدسة ،فدخل أحد الحمامات العامة ،وبعد أن أغتسل ‏بحث عن ملابسه فلم يجدها ووجد محلها ملابس جديدة لأحد (الجلبية) فظن أنه مقلب عمل معه ‏،فارتدى تلك الملابس ووضع الكشيدة على رأسه والحذاء الجديد في قدمه وخرج منتظرا أن يبادر ‏أصحاب المقلب لإعادة ملابسه ولكن لم يظهر أحد وأنتظر أكثر من ساعة وهو يسير في المدينة دون ‏أن يأتيه أحد ،وظل يرتدي تلك الملابس الراقية لأكثر من عام. ‏
‏* وفي احد الايام جاء الشاعر القسام الى بغداد لقضاء بعض الامور وبعد ما انتهى من عملة وكان الجو ‏صيفا وحار جدا قرر العودة الى النجف وكان في حينه يلبس عمامة بيضاء وعندما وصل الى كراج ‏النجف صادفه شخص يحمل بيده رسالة يريد احد يقرائها له فقال لحسين القسام شيخنا ممكن تقرالي ‏هذه الرسالة فرد عليه حسين القسام والله اني ما اعرف اقره فقال له الرجل صاحب الرسالة شلون ‏متعرف تقره وانت لابس عمامه هلكبرها فرفع حسين العامة من فوق راسه ووضعها على رأس ‏الرجل فقال له حسين القسام انت اقره هسة انت لابس العمامة .‏

لماذا لم يحض القسام بالشهرة : ‏

يقول الكاتب العراقي محمد غازي الاخرس في موضوع كتبه عن حسين قسام ( خيال حسين قسام ‏الجامح وصوره السيريالية العجيبة هما اللذان خلداه في ضمير التراث الشعبي بحيث حاول عشرات ‏الشعراء تقليده ومنهم الملا عبود الكرخي) وقد كان الكرخي مجايلا للقسام ، وقد حضي الملا عبود ‏الكرخي بشهرة اوسع بكثير من القسام ربما لوجوده في بغداد والقسام كان في النجف وربما لان ‏الكرخي عمل في الصحافة فكان ان عرف اكثر وربما لان العديد من قصائده لحنت وتحولت الى ‏اغانب مشهورة ربما كان اشهرها قصيدته المجرشة التي غناها القبانجي ويوسف عمر ، ويضيف محمد ‏غازي الاخرس ؛( لقد سار الكرخي على منوال حسين قسام في كثير من التحف وهذا محور مهم ‏يحتاج دراسة تليق بالشاعرين الكبيرين ).‏

واخيرا : ‏

حتى الموت لم ينج من سخرية القسام وهذا ما نفرأه في قصيدته (وصيّه الميّت ) الشهيرة : ‏

بطلوا من البواچـي لا تخرعونه ‏
ميتكم فطس ومبحلج أعيونه

‏ وصّه أجبيّر وشمخي على التنور ‏
وگاللهم بعد عندي عجل مكسور ‏
وگاللهم بعد عندي هويشه وثور ‏
للخطار ثوري لا تذبحونه

وعندي بعد خنجر ماكو بيه أگراب ‏
وعندي طاكَ رحه ومعجنه وجراب ‏
وعندي أجاجه عوره وعندي تسع أچـلاب ‏
وعندي چـلب أعرج لا تبيعونه

وعندي بيت بردي ماعليه أحصير ‏
لو گـام الهوه كل الحنايه أتطير ‏
وعندي تانكي بي چـنت احط اشعير ‏
أمزرّف والتنـكــچـيّه يلحمونه

وعندي جرد قوري بغير بلبوله ‏
مو سكسون محد شايف اشـچـوله ‏
يخر من صفحته لوهيّس أبلوله ‏
خلوه بثوابي لا تكسرونه

وعندي جرد دوشك خذته ربيّه ‏
شغل بيروت جبته من الصليـچـيه ‏
وعندي حزام بردي وجرد صينيه ‏
وعندي صخل أعشم لا تجوعونه

وعندي ميجنه وجاون وجرد الحاف ‏
شريته العام من أجبير النداف ‏
أبدال الگطن حطوله ورك َصفصاف
للخطـــــــــــار يا ولادي تخلونه

وعندي شماغ شعري مشتريه بفلوس ‏
بصندوگي مطّركَ بعده ما ملبوس ‏
وعندي كحل صافي جايبه من ( الروس ) ‏
بثوابي للأريمد كحلوا أعيونه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو