يوم السادس عشر من اذار من اكثر الايام حزنا للشعب الكوردي . ففيه ارتكبت بحقه ابشع جريمة عرفتها البشرية من قبل نظام يعتبر من اكثر الانظمة دموية في العالم .
 في مثل هذا اليوم وقبل خمسة عشر عاما اي في السادس عشر من اذار عام 1988  اقدم نظام صدام المجرم بضرب مدينة حلبجة الكوردية الامنة بالاسلحة الكيمياوية مما ادى الى استشهاد اكثر من 5 الاف شخص من سكان المدينة واغلبهم من النساء والاطفال والشيوخ واصابة الالاف من الناجين منهم بمختلف الاصابات الخطيرة والتشوهات الامراض .
وبالرغم من ان العالم شهد العديد من الجرائم بعد الحرب العالمية الثانية وفي مناطق مختلفة منه ,  منها ما هي جرائم ضد الانسانية , او من جرائم الحروب كجرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي , الا ان جريمة حلبجة تعد الاسوأ والاكثر فظاعة على الاطلاق لاسباب عديدة ,  فقد استخدمت فيها الاسلحة الكيمياوية والغازات السامة وهذه اسلحة محرمة دوليا لم يسبق ان استخدمت من قبل بهذا الشكل الواسع ضد مدينة يعيش فيها  الالاف من السكان المدنيين ,  فهي بذلك تشكل سابقة خطيرة لم يسبق لها مثيل من قبل  .
 ومما زاد في بشاعة الجريمةهذه العدد الكبير من الضحايا الذين سقطوا بين قتيل وجريح ومشرد . فاضافة الى الخمسة الاف قتيل اصيب الالاف من السكان بعاهات دائمة وامراض سرطانية وامرض في الجهاز التنفسي . وامتدت اثار هذه الجريمة الى المواليد الجدد حيث كثرت نسبة المصابين منهم بتشوهات خلقية مما يشير لى اصابة سكان المنطقة التي تعرضت للقصف الكيمياوي الى تلف الجينات الوراثية .
 كما حصل تدمير شامل للبيئة حيث فتكت هذه الاسلحة الكيمياوية بالحيوان والنبات ولوثت الاجواء  ومصادر المياه  وشلت كل معالم الحياة , وستبقى اثار هذه الجريمة الى فترات زمنية طويلة لا يمكن تحديدها . ولم تكن مدينة حلبجة الوحيدة التي تعرضت للاسلحة الكيمياوية فقد استخدمت هذه الاسلحة ضد
 اكثر من 250 قرية اخرى في كوردستان .
عندما استشهدت مدينة حلبجة قبل خمسة عشر عاما مات معها ضمير العالم الذي وقف متفرجا ينظر بعدم اكتراث لهذه الجريمة التي ارتكبت بدم بارد من قبل نظام لم يفلت من ظلمه وقسوته احد من ابناء العراق بكورده وعربه وقومياته الاخرى واديانه المختلفة .  فدول العالم المتحضر كأمريكا واوربا اثرت السكوت عن هذه الجريمة في حينها ¸ والدول العربية والاسلامية لم تحرك ساكنا  علما بان منظمة الدول الاسلامية عقدت مؤتمرها في الكويت بعد هذه الجريمة بايام معدودة ولم تشر الى ما تعرض له هذا الشعب المسلم في غالبيته , فكأن قتل ابناء الشعب الكوردي حلال وقتل غيرهم من المسلمين حرام حسب معايير هذه الدول .
اما الشعب الكوردي فلم يسكت بل قرر ان يفضح الجريمة ويعلنها للملآ ليطلع عليها العالم باجمعه ,  ومما سهل عليه مهمته هذه تحرركوردستان من قبضة الطاغية بعد حرب تحرير الكويت .  فقام الكورد وعبر جميع وسائلهم الاعلامية وانشطتهم  ومنظماتهم الرسمية وغير الرسمية المختلفة بالقاء الضوء على هذه الجريمة واستطاعوا ان يوضحوا للراي العام العالمي ابعاد هذه الجريمة البشعة واثارها الكارثية على المدنيين الابرياء وعلى مدى ما يتصف به النظام الحاكم في العراق من قسوة ليس لها نظير في العالم .
وبعد ان راى العالم بأم عينه هذه المناظر والافلام المحزنة والمخزية التي سجلت ما حل بالكورد من فظائع في حلبجة واكوام الجثث هناك وصورالامهات الشهيدات وهن مرتميات على الارض  محتضنات لاطفالهن الصغار و صورالاف المصابين والمشوهين والمختنقين بالغازات السامة , تحركت جميع دول العالم (عدا العربية منها والاسلامية) للتنديد بهذه الجريمة وادانة مرتكبيها والمطالبة بتقديمهم للمحاكمة لينالوا جزاءهم العادل  , كما وان العالم باسره شعر بجدية المخاطر التي تترتب عن امتلاك النظام العراقي الحاكم لهذه الاسلحة الكيمياوية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل والتي لن يتورع في استخدامها في اية مناسبة وعلى اية بقعة من الارض .     
واليوم وفي ذكرى هذه الماساة الانسانية ينظم الكورد في كوردستان وفي جميع دول العالم الندوات والفعاليات  والتجمعات لغرض استذكار هذه الجريمة التي تمثل اقصى درجات العنف الذي هو سمة من سمات الفكر العنصري الفاشي لنظام حكم البعث في العراق الذي ارتكب مختلف الجرائم ضد العراقيين كافة خلال اكثر من ثلاثة عقود بحرية تامة وسط  صمت وتجاهل من المجتمع الدولي .
  ولكن تبقى جريمة حلبجة هي أم الجرائم في العصر الحديث ووصمة عار في جبين كل الانظمة الفاشية المتسلطة على رقاب الشعوب .