الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين أمي .. وفيروز .. والإنقلاب .. شدة وفرج

يحيى غازي الأميري

2006 / 4 / 1
كتابات ساخرة


تأتي كلمات أغانيها ، محمولة عبر الاثير ، ممزوجة بلحن الطيور ونسمات الربيع ، أشعار تذوب بالألحان ، تتمايل الابدان لها طربا ً ، فتزيد النشوة والهيام ، فيروز سحر الصباح وعطره الفواح ، بين لسعات برد الصباح ، وسماعي صوت فيروز كل صباح ، كان يفصلني وقت قصير جدا ً ، اعتدت هكذا أسمعها كل يوم قبل الذهاب للدوام ــ كنت اعمل موظفا ً في مزرعة الصويرة ــ فمع حلاقة ذقني وتناول الفطور .... يأتيني صوت فيروز منسابا ً من المذياع ، فيعطني جرعة الصباح للعمل والاستمتاع !!
كنت قد جمعت العديد من أشرطة التسجيل ( الكاسيت ) لاغاني فيروز ومسرحياتها ، وكلما أحتجت للراحة والمطالعة الهادئة استمع لفيروز ، فأغانيها تحوي ثلاث اشياء مفيدة مجتمعة معا ً ( اللحن الجميل الخلاب والصوت الساحر الشجي والكلمات المفيدة الرصينة ) ، فهي مهدىء جيد و منعش ، يسر النفس ويجلب البهجة .
في منتصف عام 1978 أشتدت حملات السلطة البائدة ضد القوى الوطنية واليسارية بشكل كبير متخذة ً كافة وسائل الضغط والترويع لاجبار الناس على الانضمام لحزب السطة الحاكم ، في تلك الأيام كانت حالة القلق والفزع مسيطرة علينا وعلى أجواء البيت ، كانت أمي ( تلوج) معنا .... تخاف علينا .... تكمد حزنها وخوفها ومعاناتها ، ليس بيدها فهي ( الأم ) !!!
كنت أسمع مسرحية فيروز ( الانقلاب )1 خطرت لي فكرة وهي ان أمزح معها ( أقصد أمي ) وأكسر من طوق الرعب الذي يلف جو المنزل .
فمسرحية فيروز ( الإنقلاب ) تحتوي على تعليق يبدأ هكذا بيان ( رقم واحد ) ومارشات عسكرية ثورية وتتخللها بيانات ونداءات ، انه الجو العام الذي يرافق الإنقلاب ، أخترت التوقيت المناسب للتنفيذ، بعد ان عمدت منذ الصباح على أسماعها بعض الحكايات عن الإنقلاب وهو الذي يفرج عـنا هذه الشدة ويخلصنا من هذا الوضع المخيف و التعيس .
وضعت ( جهاز التسجيل ) في مكان مخفيٍ وراء المذياع وقبل ان ينهي المذيع نشرة الاخبار ، أخفضت صوت المذياع وأدرت كاسيت الإنقلاب ، وذهبت من أمامها بحركة توحي اني سأجلس في الغرفة المجاورة لها لغرض أريد القراءة ، كانت أمي تجلس لوحدها منهمكة بعمل يدوي أعتادت عليه في أوقات فراغها ــ تغزل خيطا ًرفيعا ًجدا ً من الصوف لغرض ان تعمل منه عباءة رجالية لوالدي ــ اخذت أراقبها ماهي الا لحظات ، ما ان سمعت أمي صوت المذيع يذيع ( بيان رقم واحد ) بديباجته المعتادة ( بعد الإتكال على الله ....... ) ويتبع البيان بالمارشات العسكرية حتى ، وضعت ما بيدها جانبا ًو صاحت بأعلى صوتها :
( إلحك يحيى ... يمه يحيى إلحك .... تعال بالعجل )
( تعال أسمع ) كررت ذلك بسرعة وصوت عال ِ يبدو عليه اللهفة ويشيع منه الترقب !!!
دنوت منها ، وجدتها مشدوهة ، لكن وجهها مستبشر ً فرح ً لا يسعها الا ان تزغرد وهي تقول ( أسمع ....... أسمع) وهي تشير بيدها للمذياع ..... صمت برهة ثم .... وقبل أن ينقلب الوضع ، أخبرتها سريعا ً بما فعلت ، حزنت أمي ، وزعلت وتركت المكان !!


بقيت أتذكر هذه الحادثة بأستمرار والسنين العجاف، تسير ببطأ وهي تعصرنا عصرا ً ، وتذوقنا حكومتنا ( الوطنية التقدمية ) أقسى أنواع البطش والقهر والظلم ، ولم استمع لمسرحة فيروز ( الإنقلاب ) بعد ذلك ولغاية هذا اليوم !

وعندما سقط النظام بعد حوالي أكثر من ( 25 ) عاما ً مرت على هذه الحادثة ، كانت الآف والآف والآف من المآسي قد مرت علينا ومات خلالها ألف فرج .... إلى أن جاء الفرج ........المهم جاء الفرج ، ولكن أي فرج .... لنسكت ولا نتحدث عن الفرج ..... ففي الكلام كثير من الخوف والحرج !!!
و ها هي ثلاث سنوات قد مضت على سقوط النظام ..... ولم تزل ( أمي ) لغاية اليوم ، كلما أخابرها وأتحدث معها تقول (( شدة يمه أنشاء الله يجي الفرج )) !!
ولنبقى هكذا ...... ننتظر الفرج ؟؟



( 1 ) الإنقلاب : أن اسم المسرحية هو يعيش .. يعيش ، عرضت عام 1970 قصتها جميلة ، دولة تكثر فيها الإنقلابات ، ونهايتها كل من يستلم السلطة ومهما أكثر من الوعود ( المعسولة ) قبل أستلامها ، يرجع كسابقيه من الحكام ، يعيش الحاكم ومجموعته في عالم الحاكمين ، والناس تعيش في عالم أخر عالم المحكومين ، كل مجموعة منهم في وادي كما تقول كلمت أحدى أغاني المسرحية (الرعيان بوادي و القطعان بوادي ).... وهكذا يأتي الفرج !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نجم الغناء الأمريكي كريس براون يعلق في الهواء على مسرح أثناء


.. طرد كوميدي شهير وصف نتنياهو بـ-النازي- في فرنسا.. ما القصة؟




.. أحمد فهمى و أوس أوس وأحمد فهيم يحتفلون بالعرض الخاص لفيلم -ع


.. أحمد عز الفيلم المصري اسمه الفيلم العربي يعني لكل العرب وا




.. انطلاق فيلم عصابة الماكس رسميًا الخميس في جميع دور العرض