الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا للحرب . والاستبداد . والهيمنة . نعم للسلم . والديموقراطية . والمساواة

فريد زهران

2003 / 3 / 17
الارهاب, الحرب والسلام


 

 شهدت مدينة دربان بجنوب أفريقيا فيما بين 28 أغسطس و7 سبتمبر 2001 انعقاد المؤتمر العالمى لمكافحة العنصرية والتمييز، وقد تحول هذا المؤتمر الذى احتشد فيه الآلاف من المنظمات غير الحكومية إلى مظاهرة تأييد للانتفاضة الفلسطينية الباسلة وانتهى الأمر إلى عزلة الوفدين الإسرائيلي والأمريكي وانسحابهما، ، وتأكد مجدداً خروج الإدارة الأمريكية وربيبتها إسرائيل عن الشرعية الدولية ، وهو الأمر الذي لاحظناه على الدوام فى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالشرق الأوسط ، حيث صوت العالم كله مراراً وتكراراً لصالح قرارات تدين جرائم الصهيونية ، وتنصف الشعب الفلسطيني ، ولم يصوت ضد هذه القرارات سوى الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية ، وتعطلت الشرعية الدولية فى عشرات المرات بسبب الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن.

بعد مؤتمر دربن بأيام وقعت أحداث 11 سبتمبر الإرهابية ، ووجهت أصابع الاتهام إلى جماعة بن لادن التى أحسنت المخابرات المركزية الأمريكية فى تاريخ سابق تمويلها وتدريبها، وتحول فجأة الرئيس بوش الذى نجح بالكاد و" على الحركرك " – لأول مرة – فى انتخابات شابها الكثير من شبهات التزوير، إلى منقذ للعالم من الإرهاب ومدافع مقدام عن الشرعية الدولية!

وهكذا عادت بنا الولايات المتحدة إلى التقاليد الاستعمارية التي سادت في القرن التاسع ، وهاجمت واشنطن حلفاء الأمس بضراوة ، وفرضت احتلال عسكري مباشر على أفغانستان ، لكي تفرض بذلك هيمنتها المباشرة على آسيا الوسطى لأسباب بترولية وجيواستراتيجية لا تخفى على أحد ، وتشكل بهذه الهيمنة تهديداً مباشراً لروسيا والصين وتخل بالتوازن الاستراتيجى لا في آسيا الوسطى وحدها ولكن في شبه القارة الهندية أيضا ، بكل ما يعنيه كل ذلك من تهديد للأمن والسلم العالميين، ولم تكتفي الولايات المتحدة بهذا القدر من الخروج على الشرعية الدولية التى تتشدق بها، بل إنها مارست بكل غطرسة وتبجح ممارسة تتنافى كلية مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان ، سواءً فيما يتعلق بالقتل خارج القانون عندما قصفت بصاروخ سيارة تقل عدد من تراهم إرهابيين فى اليمن ، أو عندما عاملت أسرى الحرب بصورة تتناقض كلية مع اتفاقيات جنيف ، وفرضت عليهم شروط اعتقال لا إنسانية ، باستثناء مواطن يتمتع بالجنسية الأمريكية أقلته طائرة للعلاج في أمريكا ومثل أمام جهات التحقيق على الفور !! وذلك في سابقة تمييز عنصرية تؤكد مرة أخرى فى أن الولايات المتحدة لم تخرج عن الشرعية الدولية فحسب، بل إنها خرجت أيضاً عن الأعراف الإنسانية التى ضحى من أجلها البشر على مدى القرنين الماضيين.

واتساقاً مع نفس الممارسات الأمريكية الرامية إلى عسكرة العولمة الرأسمالية المتوحشة ، وفرض الهيمنة على العالم ، بدأت واشنطن الاستعداد العسكرى لاحتلال العراق ، معلنة أنها ستفعل ذلك بموافقة مجلس الأمن ، أو حتى بدون هذه الموافقة ، ولأن العالم قد أفاق بعض الشيء من هول أحداث 11 سبتمبر التي استغلتها أمريكا لاحتلال أفغانستان ، فإن موجة الرفض للحرب ، العدوانية المرتقبة ، ضد العراق تتزايد يوماً بعد يوم ، ويتساءل الناس ، في كل مكان من العالم ، أين المتهمين في أحداث 11 سبتمبر ؟! ولماذا لم يمثل أحداً أمام المحكمة حتى الآن ؟! ومن هي الجهات التي تقف وراء الجناة ؟! ولماذا لم يُقدم للمساءلة من أمد جماعات الإرهاب فى أفغانستان ، وفى غيرها ، بالعتاد والسلاح والتمويل وعلى رأسهم بالطبع الإدارات الأمريكية المتعاقبة وضباط المخابرات المركزية الأمريكية ؟! ولماذا تظهر شرائط الفيديو المشبوهة في محطات – زمنية وفضائية !! - بعينها ؟ وبسبب من كل هذه التساؤلات ، وغيرها ، فرغم ضغوط الولايات المتحدة على كافة دول العالم – ربما باستثناء حلفائها المقربين من أمثال إنجلترا وإسرائيل – فإن دول حليفة لواشنطن مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا وغيرها قد رفضوا هذه الغطرسة الأمريكية ، لا بسبب لا إنسانية هذه الغطرسة الرامية إلى الانفراد بالعالم وفرض هيمنة أمريكية مطلقة عليه فحسب، ولكن بسبب ضغط شعوب هذه البلدان على حكوماتها وهو الضغط الذى تجلى فى مظاهرات حاشدة غير مسبوقة طافت فى 15 فبراير الماضى ، وفقاً لنداء موحد أطلقه المنتدى الاشتراكى الأوروبى ، كل العواصم والمدن الأوروبية والأمريكية والآسيوية فى موقف جديد يؤكد على أن الولايات المتحدة الأمريكية والقلة القليلة من الأنظمة التى تدور فى فلكها هم الخارجون على الشرعية الدولية.

إن وقوفنا ضد الحرب ، جنباً إلى جنب مع كل الشعوب المحبة للسلام والمعادية للهيمنة الأمريكية ٍوعسكرة العولمة ، لا يعنى بحال من الأحوال أننا ندافع عن النظام العراقى ، فقد كنا – ولازلنا – ضد هذا النظام أو غيره من النظم الاستبدادية التى كانت حليفة حتى الأمس القريب للولايات المتحدة وغيرها من الدوائر الاستعمارية، ولكننا لا نرى أن أحداً قد فوض الولايات المتحدة لإقرار العدل والسلام، ولا نرى أن الولايات المتحدة بكل تاريخها العنصرى والاستعمارى وممارستها الحاضرة الخارجة عن الشرعية الدولية والإنسانية مؤهلة للاضطلاع بدور من هذا النوع ، ولنفس هذه الأسباب فأننا متأكدون أن ما ستفرضه الولايات المتحدة من احتلال عسكرى للعراق لن يؤدي بحال من الأحوال إلى تحسن أوضاع الشعب العراقي، ولذلك كله فإننا نقف إلى جوار الشعب العراقى وممثليه من قوى المعارضة الوطنية الديموقراطية التي قدمت تضحيات جسيمة فى نضالات باسلة ضد النظام العراقي المستبد ، وهى تقف الآن بشجاعة وترفع ضد التحالف مع الإدارة الأمريكية ، رغم ما تغدقه من أموال ووعود لقوى معارضة أخرى ، ستفقد بالتأكيد كل شرعية وجودها ، وتتحول إلى مجرد تابع ذليل ، أو ستتعرض للمقصلة الأمريكية بمجرد إتمام الغزو ، وتصبح ضحية مواقفها الخاطئة ، ونحن نتمنى أن تنجح المعارضة الوطنية الديموقراطية العراقية في الإطاحة بنظام صدام وإعلان دستور ديموقراطي لكي يتمكن الشعب العراقي من امتلاك مقدراته ورفع راية المقاومة في مواجهة العدوان الأمريكي المرتقب .

نحن ندرك بعمق أن الخطر لا يحدق بالعراق وحده ، وإنما بالمنطقة العربية كلها ، ووجود القوات الأمريكية فى الخليج سيؤدى إلى مزيد من تبعية المنطقة وافقارها ، وفى ظل هذا الخطر الخارجى فإن الديمقراطية تصبح هى طوق النجاة الوحيد القادر على انتشال الوطن من الغرق ، ذلك أننا فى اشد الاحتياج لحشد وتعبئة كل القوى والجهود لمجابهة ما يحيط بنا من أخطار ، ويقيناً فإن ذلك يقتضى أولاً ، وثانياً ، وثالثاً ، وأخيراً ، أن ينعم الناس بالحريات الكفيلة بإطلاق مبادرتهم ، والتفاعل مع بعضهم البعض ، سياسياً ، واجتماعياً ، وثقافياً ، وهو تفاعل لن يحدث أبداً فى ظل الهامش الديمقراطى المحدود والمتناقص ، والمسئول عن إشاعة روح اليأس والإحباط والفردية ، لا في وسط الجمهور فحسب ، ولكن في أوساط الطلائع والمثقفين أيضاً، ومن غير المقبول والمنطقى أن تتأجل الديمقراطية على الدوام ، مرة بإثارة الفزع من الإرهاب والإرهابيين الذين تم تصويرهم وكأنهم سينقضون على السلطة ما لم يستمر الاستبداد ، ومرة أخرى – الآن – تحت دعوى التكاتف من أجل مجابهة الخطر الخارجى والوقوف ضد إملاءات الولايات المتحدة ومبادرات بول التى تسعى لفرض الديمقراطية فى المنطقة !! ونحن نرى أن الانتصار على الإرهاب لن ينجح إلا بالديمقراطية والتنوير وتحديث بنى المجتمع المؤسسية والثقافية، ولذلك لم يكن صدفة أن يتجاوز عدد المعتقلين عشرون ألف من الجماعات الإسلامية دون بارقة أمل فى القضاء على جذوة التطرف والتعصب التى لا تزال مشتعلة – بكل أسف - في وجدان وعقل الملايين من أبناء شعبنا وتهدد باندلاع موجات جديدة من العنف، ونحن نرى أيضاً أن القادر على مواجهة الخطر الخارجى هو المواطن الحر لا العبد الذليل وأننا كنا – ولا زلنا – مع الديمقراطية سواءً تحدث عنها باول أو لم يتحدث، وأبناء مصر المخلصون قدموا - ولا زالوا يقدمون – تضحيات من أجل الديمقراطية والتحديث.

نحن نطالب الدولة المصرية لا أن تسمح لمعارضى الحرب بالتظاهر فحسب، ولا أن تفرج عن المعتقلين فى هذه المظاهرات فحسب، ولكن أن ترضخ لآراء ورغبة ملايين المصريين فى إلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات السياسية لأن ذلك – وذلك وحده – هو الكفيل بوضعنا على طريق مجابهة ما تتعرض له بلادنا من تحديات، كما نطالب الدولة المصرية أيضاً بعدم التورط بأى صورة من الصور فى تقديم أى دعم أو تسهيلات لهذه الحرب بما فيها ضرورة منع مرور الأسلحة والعتاد والحشود العسكرية من قناة السويس أسوة بما اتخذته النمسا عندما منعت القوات الأمريكية الذاهبة إلى العراق من المرور فى أراضيها، وأخيراً فإننا نطالب الدولة المصرية بالتمسك بموقفها الرافض للحرب فى المحافل الدولية ، وأن لا تتورط أبداً فى مواقف أو تصريحات تلقي باللوم على النظام العراقى – رغم أننا لا نحترمه البتة – ذلك أن مبدأ التفتيش على أسلحة الدمار الشامل ينبغى أن يطبق على الجميع بما فيهم إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية نفسها، بالذات وأنهما دولتان خارجتان عن الشرعية الدولية وأولهما تمارس التطهير العرقى وقتل المدنيين والعقاب الجماعى، والثانية هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووى في هيروشيما ونجازاكي .

                                       فريد زهران
 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر