الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العطب الأخلاقي للحضارة المعاصرة

ثائر دوري

2006 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


أثناء الحرب العالمية الثانية تعاظم دور السلاح الكيماوي ، و خاصة غاز الخردل الذي صنعه الألمان و استخدموه أول مرة في معارك مدينة yeprs عام 1915 ، حيث استخدم الجيش الألماني 180 طن أدت لوفاة خمسة عشر ألف جندي فرنسي و جزائري ، ثم تلاهم البريطانيون باستخدامه ضد الأكراد في شمال العراق ، كما استخدمه الإيطاليون في ليبيا و الحبشة .
صنعت كميات هائلة من هذا الغاز أثناء الحرب العالمية الثانية، و صار التهديد باستخدامه شائعاً لذلك حاول الجيش الأمريكي تصنيع ألبسه و مراهم للوقاية منه.
بدأت التجارب عام 1942و احتاج الأمر إلى متطوعين لإجراء تجارب المراهم و الملابس الواقية فخير عدد كبير من المجندين بين الذهاب إلى الجبهة أو الخضوع إلى التجارب في غرف الغاز، و بالنتيجة تعرض 60 ألف جندي للغاز و بكميات متفاوتة تراوحت من خفيفة إلى شديدة .
عانى أغلب المتعرضين للتجارب من عواقب التعرض لغاز الخردل . و أغلبهم لم يعرفوا أن الأعراض المرضية التي يشكون منها حدثت بسبب التجارب التي أجريت عليهم .فالأمر بقي سراً عسكرياً أربعين عاماً و لم تتوافر سجلات طبية للمتعرضين . لكن الرأي العام بدأ يلتفت للمسألة عندما طالب بعض المحاربين القدماء عام 1991 بتعويضهم عما تعرضوا له من عواقب صحية .
إن قصة تجريب غاز الخردل على البشر ليست فريدة من نوعها بل هناك قصص عديدة في التاريخ الأمريكي . قام موقع دورية العراق بترجمة مقالة توثق لبعض ما فضح من هذه التجارب ، التي تستحل تحويل البشر إلى فئران مختبرات مستهينة أعظم الاستهانة بقدسية الحياة البشرية ، و يبقى ما خفي من أمر هذه التجارب أعظم .
تتضمن القائمة تجارب عن حقن خلايا سرطانية لأشخاص سليمين لأهداف البحث العلمي ,و ترك مرضى السفلس و البلاغرا بدون علاج رغم أن ذلك متيسر، فقط ، لمعرفة الآثار التي يسببها المرضان على البشر . إلى إعطاء جرعات مواد مشعة لمراقبة تأثيرها على البشر . و تجربة عقار L.S.D المهلوس لأغراض التحقيق . و بالمناسبة أباد هذا العقار أجيالا كاملة من الشباب بسبب إدمانهم عليه في نهاية الستينات و بداية السبعينيات و يبدو مفهوماً اليوم أن الإدارة الأمريكية كانت وراء انتشاره في أوربا خاصة لتسريب احتقان الشباب و سورتهم على الأوضاع الاجتماعية الرأسمالية التي تهمش الإنسان و تلغي إنسانيته و تفريغ طاقتهم بالجنس و المهلوسات .
كما وصلت التجارب "البحثية" الأمريكية إلى التهديد بإبادة مدن أمريكية كاملة لأغراض بحثية بحتة كما حدث عام 1950 ففي تجربة لمعرفة حساسية المدن الأمريكية أمام هجوم بيولوجي ، رشت البحرية الأمريكية سحابة من البكتريا من السفن على مدينة سان فرانسيسكو. ووضعت أجهزة قياس في مناطق متفرقة من المدينة من أجل رصد مدى انتشار العدوى. وقد أصيب كثير من ا لسكان بأعراض تشبه الالتهاب الرئوي.و في عام 1953 يطلق الجيش الأمريكي سحابة من غاز كبريتيد كادميوم الزنك zink cadmium sulfide على مناطق وينيبيج وسانت لويس ومينيابوليس وفورت وين ووادي نهر مونوكاسي في ميريلاند وليسبورج في ولاية فرجينيا. والغرض هو تحديد كفاءة القوات الامريكية في نشر العناصر الكيميائية .
و أجرت البحرية و وكالة المخابرات الأمريكية تجارب مشتركة تم خلالها تعريض عشرات الألوف من الناس في نيويورك وسان فرانسيسكو إلى جراثيم serratia marcescens و bacillus glogigii المحمولة جوا.و في عام 1956 أطلق الجيش الأمريكي بعوضا موبوءا بالحمى الصفراء فوق السافانا وافونبارك في ولاية فلوريدا . وبعد كل اختبار ، يمر عملاء الجيش على المنازل مدعين أنهم موظفو الصحة ، لفحص الضحايا ومعرفة التأثيرات و في عام1968 جربت وكالة المخابرات المركزية إمكانية تسميم مياه الشرب بحقن خزانات المياه بمواد كيميائية في واشنطن العاصمة .لنصل إلى محاولة تطوير أسلحة اثنية تصيب مجوعات محددة من البشر بغرض إبادتهم .
هذا ما كشف من المستور حتى اليوم و هو لا يستنفذ كل شيء فما خفي أعظم . كما أن كثيراً من أمثال هذه التجارب ما زال مستمراً دون أن نعلم شيئاً عن ذلك . و تتوافر اليوم دلائل كثيرة على أن مرض الإيدز هو عبارة عن سلاح بيولوجي طورته الإدارة الأمريكية !!
إن الاستهانة بالحياة البشرية و انعدام الوازع الأخلاقي و السعي نحو الربح يجعل البشر مجرد فئران تجارب و هذا ما ألقت عليه الضوء مؤخراً التجارب الفاشلة لعقار جديد «تي جي ان 1412» من إنتاج الشركة الألمانية «تيجينيرو» و هو مخصص لمعالجة السرطانات ، فقد نقل ستة من المتطوعين ، و هم فئة من الناس صحاح البنية ، حيث تشترط شركات الأدوية أن يكونوا شباباً لا يدخنون و لا يشربون و ليس لديهم أمراضاً ، يقدمون أجسادهم للتجارب الدوائية بدافع الحصول على المال . نقلوا بحالة خطيرة إلى العناية المشددة بعد تجربة هذا العقار .
مايفنوي‎ مارشال‎ أصيبت بصدمة‎ عنـد زيارة‎ صديقها البالغ 28عاماً من‎ العمر في المشفى ، و الـذي‎ قبل‎ بالمشاركة‎‎‎ في‎ هذه التجـارب‎ لأنه كـان‎ يحتاج‎ إلى‎ المال‎ . و روت‎ و هي‎‎ تبكي "يقوم‎ جهاز بتفريـغ السائل‎ من‎‎ رئتيه‎‎‎ و صدره و وجهه منتفخان." و أضافت‎ " ليس‎ هناك‎ عـلاج‎ انـه‎ دواء لم‎ يسبق‎ أن‎‎ جرب‎ علي‎‎ بشر من قبل‎ و بالتالي لا يعرفون‎‎ كيف‎ يتصرفـون انـه‎ يـحتـاج‎ إلى‎ معجزه‎ للشفاء. "
و نتيجة هذا الحادث تناولت بعض وسائل الإعلام هذا الأمر ، و هي نادراً ما تفعل لأنه محاط بما يشبه السرية . فضحايا هذه الاختبارات هم من الفقراء الذين يريدون الحصول على دخل إضافي أو من السياح الذين تقطعت بهم السبل فيقبلون على المشاركة في التجارب على أساس أنها الطريق السهل والسريع للحصول على المال .
لكن الموضوع لا يستنفذ بهذه التغطية البسيطة التي سرعان ما تقوم الشركات الدوائية بمحو أثارها عن طريق حملة علاقات عامة. فما يجري في بلدان العالم الثالث من تجارب على الأدوية الجديدة بدون أية ضمانات صحية أو تثقيفية للأشخاص الذين سيتعرضون للدواء يشكل جريمة لا تقارن بما تعرض له هؤلاء الشباب . ففي أفريقيا ، التي تجري بها نسبة كبيرة من اختبارات الأدوية لانتشار الأوبئة هناك ، لا تقدم المعلومات الكافية عن الدواء الجديد للأشخاص الذين سيخضعون له. يقول *جان فيليب شيبّو في مقالة ((أفريقيا حقل تجارب "بيغ فارما")) المنشورة في لوموند . يقول عن الاختبارات المجراة في أفريقيا :
(( إنّ كلفتها هناك تقلّ بنسبة خمسة أضعاف عن كلفتها في الدول المتطوّرة. أضفْ أنّ ظروف انتشار الأوبئة في أفريقيا، هي في أغلب الأحيان مناسبة أكثر لإجراء الاختبارات، فهنالك النسبة المرتفعة للأمراض، خاصة المعدية منها، ووجود عوارض لا تتجاوب مع العلاجات المكرّرة والمكثفة. أخيراً، إن انقياد المرضى الذين يعانون من الفقر الشديد بسبب ضعف التجهيزات الصحية المحلية، يساهم في تسهيل تلك العمليات.))
و أغلب الأدوية المختبرة في أفريقيا لا تستفيد منها هذه القارة . يقول الكاتب
(( ......إن كان يجب إجراء اختبارات طبّية على الموقع في أفريقيا، نظراً لطبيعة الأمراض المنتشرة فيها، فهل أنّ الشروط الخاصّة لممارسة الطبّ والتنبّه في مجال الأدوية هي دائماً ملائمة؟. ضمن الأدوية الجديدة التي بلغ عددها 1450 دواءً مُسوّقاً بين العامين 1972 و1977، 13 دواء فقط منها يتعلّق بالأمراض الاستوائية ........))
كما لا يفوتنا هنا أن نشير إلى ما يحدث في السجون الإسرائيلية من تجربة أدوية على المعتقلين الفلسطينيين . ففي عام 1997 أثير الموضع في الكنيست الصهيوني فقد نشرت صحيفة الأيام المقدسية الصادرة يوم الخميس الموافق 10/7/1997، خبراً مفاده أن عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس لجنة العلوم البرلمانية الإسرائيلية (داليا ايريك) كشفت عن وجود (1000) تجربة لأدوية خطيرة تحت الاختبار الطبي تجري سنوياً على الأسرى الفلسطينيين والعرب في إسرائيل وقد اعتادت وزارة الصحة الإسرائيلية إصدار ألف تصريح لشركات الأدوية الإسرائيلية الكبرى لإجراء تجاربها على الأسرى الفلسطينيين في إسرائيل، كما كشفت ( أمي لفتات) رئيس شعبة الأدوية في وزارة الصحة الإسرائيلية أمام الكنيست في ذات الجلسة أن هناك زيادة سنوية قدرها 15% في حجم التصريحات التي تمنحها وزارتها لإجراء المزيد من تجارب الأدوية الخطيرة على الفلسطينيين العرب في السجون الإسرائيلية كل عام .
إن طريقة تناول الإعلام لهذه الأحداث الخطيرة طريقة سطحية تبتعد عن العمق و التاريخ، كما هو الحال في تغطيته لكل ما يجري من أحداث صاخبة مثل الحروب التي تشنها الولايات المتحدة، أو من فضائح أخلاقية كبيرة مثل التي تحدثنا عنها، فيصورها على أنها أحداث عابرة منفصلة عما قبلها، فلا صلة لها بالماضي و لا علاقة لها بأي حدث معاصر و لا تأثير مستقبلي لها. و بذلك تنشأ إحاطة سطحية معادية للتاريخ و للحاضر و بالتالي لا أهمية لها في المستقبل و لا يمكن أن تتيح للبشر مراكمة خبرات كي يستفيدوا منها إن مروا بظروف مشابهة و هذا يجرد الإنسان من أهم ركن من إنسانيته ، و هو تاريخيته .لأن الإنسان كائن له تاريخ . أما تحويل أي حدث إلى حالة معزولة بدون تاريخ أو حاضر أو مستقبل فهو تجريد للإنسان من بعد أساسي من أبعاد إنسانيته كما قلنا .
إن الحضارة الغربية معطوبة في نخاعها العظمي لأنها لا تضع الإنسان في مركز اهتماماتها . بل إن الربح و المال لهما اليد العليا و لو على حساب الحياة البشرية . لذلك يتحول التقدم العلمي إلى نقمة على البشرية بدل أن يكون نعمة. فنتائج شطر الذرة، هذا التقدم العلمي الباهر ، جربته البشرية في هيروشيما قبل أن تجربه في أي مجال مفيد آخر . و ينطبق الأمر على أغلب الاكتشافات العلمية الأخرى . و هي حضارة تبيح لنفسها كل شيء في سبيل ما تظنه مصلحة لها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس