الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا .. لمشروع الدستور الجديد / 3

محمد بن زكري

2018 / 9 / 7
دراسات وابحاث قانونية


مع تسجيل اعتراضنا على استمرار برلمان طبرق (المنتهية ولايته غير الشرعية ، و فاقد الأهلية ، و مغتصب السلطة بقوة فرض الأمر الواقع) ، و استمرار أعضاء تلك الميليشيا السياسوية ، في ملهاة مناقشتهم البائسة لمشروع قانون الاستفتاء على مسودة أبريل 2017 للدستور ، نسجل فيما يلي بعض الملاحظات (النقدية) على بعض مواد مشروع الدستور المقترح ..

المادة (9) الدفاع عن الوطن
النص : " الدفاع عن الوطن و وحدته و استقلاله واجب على كل مواطن و مواطنة " .
ملاحظات : هو نصٌّ مِن عَشر كلمات فقط ، لكنه يكفي لإرساء دكتاتورية عسكرية غاشمة ! و يطرح احتمال العودة إلى عسكرة المجتمع ، ليس من باب الحرص على أمن الوطن ، كما كان النظام السابق يزعم ، تحت شعاره الديماغوجي (السلطة و الثروة و السلاح بيد الشعب) ، بل لضمان إخضاع الشعب كله للقانون العسكري ، أي لوضع الشعب كله تحت (الجزمة العسكرية) ، كجنود (أنفار) يتلقون الأوامر من أدنى مستويات الرتب العسكرية ، لتنفيذها دون مناقشة ، كأنجع وسيلة لتطويع المواطن و و استتباعه و تفريغه من ذاته الإنسانية . و من ثم احتمال العودة إلى انتهاك كرامات الأولاد و البنات في معسكرات التجنيد الإجباري ، كما لا زال شهود المرحلة يذكرون إيعازات سحق الكرامة ، في دورات التدريب العسكري العام (سبعينات و ثمانينات القرن الفائت) ، من قبيل : " ازحف يا خرقة " ، الموجهة للذكور ، و إيعازات التحرش الجنسي ، من قبيل : " ثابت .. صدر بارز إلى الأمام " ، الموجهة للإناث ! لكنّ الأنكى من ذلك ، أن يُساق أبناء الفقراء ، دون أن يكون لهم حق الاستنكاف ، ليموتوا دفاعا عن ثروات و امتيازات الأثرياء ، باسم الدفاع عن الوطن ؛ ذلك الوطن الذي ليس فيه لأبناء الفقراء و المفقرين من شرائح الطبقتين الدنيا و الوسطى ، غير الحرمان و البطالة و العوز و الضياع .
على أنّ ما يلفت النظر ، بشكل يفضح براغماتية الإسلاميين ، و زيف ادعائهم الإيمان بالدين الإسلامي ، هو التناقض الواضح بين النص على أن الشريعة مصدر التشريع ، في المادة (2) ، و بين فرض التجنيد الإجباري على النساء ، في المادة (9) ! و بصيغة إطلاقية .. لا تستثني زمن السلم .
و كم تبدو المفارقة صارخة ، عندما نجد أن دساتير الدول (الكافرة) ، تستثني النساء من التجنيد الإجباري ؛ فالدستور السويسري ، لا يلزم النساء بالخدمة العسكرية ، بل يترك لهن حرية الاختيار ، حيث نصّ في المادة 59 فقرة 2 ، على أنه : " يمكن للسويسريات أداء الخدمة العسكرية ، على أساس تطوعي " . و نجد في المادة 143 فقرة 2 من دستور البرازيل : " يُعفى النساء ، و رجال الدين ، من الخدمة العسكرية الإلزامية زمن السلم ، لكنهم يؤدون واجبات يمكن أن تحدد لهم بالقانون " . و فضلا عن ذلك ، يعطي كل من الدستور البرازيلي و الدستور السويسري ، للذكور (حق الاستنكاف الضميري) عن أداء الخدمة العسكرية .

المادة (10) الجنسية
في النص : " ... و لا يجوز إسقاط الجنسية لأي سبب " !
ملاحظات : من الواضح أن هذه الصياغة تمت لصالح مزدوجي الجنسية ، و غني عن البيان أن رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ، كان أميركي الجنسية ، و بالتالي فالنص على عدم إسقاط الجنسية بالمطلق ، إنما كان المقصود به - واقعيا - هو عدم إسقاطها عن المتجنسين بغير الجنسية الليبية ، حيث إن التشريعات الليبية النافذة ، تُسقط الجنسية الليبية عن أي ليبي تجنس بجنسية دولة أجنبية
؛ فقد نصَّ القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن أحكام الجنسية الليبية (ساري النفاذ) ، في المادة (5) ، على أن : " يفقد الجنسية الليبية ، من يكتسب باختياره جنسية أجنبية ، ما لم تأذن له بذلك اللجنة الشعبية العامة للأمن العام (وزارة الداخلية) . و قبل ذلك كان القانون رقم 17 لسنة 1954 ، قد نص - أيضا - على أن " يفقد الجنسية الليبية مَن يكتسب باختياره جنسية أجنبية ، ما لم يأذن له بذلك وزير الداخلية ، لمبررات يقبلها " . و كان الدستور المؤسِّس للدولة الليبية (دستور 1951) ، قد نص في المادة رقم (5) على أنه : " لا يجوز الجمع بين الجنسية الليبية و أية جنسية أخرى " ، كما جاءت المادة (10) من دستور المملكة الليبية المعدل (دستور 1963) ، بنفس الصيغة : " لا يجوز الجمع بين الجنسية الليبية و أية جنسية أخرى " . فالجنسية الليبية - إذن - تعتبر ساقطة عن حاملها ، بمجرد اختياره حمل جنسية أخرى .
و ما كان ذلك إلا تحسبا لما يرتبه ازدواج الجنسية من ازدواج الولاء الوطني ، و تجنباً لتداعيات و مخاطر ازدواج الجنسية ، أخذا في الاعتبار انعدام التكافؤ بين دولة صغيرة متخلفة و ضعيفة كليبيا و دولة كبيرة متقدمة و قوية كالولايات المتحدة الأميركية . و غني عن البيان أنه ما من ليبي تجنس - طيلة الأربعة عقود السابقة لفبراير 2011 - بجنسية دولة أخرى ، كان قد حصل مقدما على موافقة وزارة الداخلية الليبية ، و رغم ذلك فكثيرون جدا ممن شغلوا منذ سبع سنوات مضت ، و يشغلون الآن (بالعشرات) مواقع سياسية وزارية و نيابية و مواقع الإدارة العليا ، هم وفقا للقانون الليبي ليسوا ليبيين ، و يعتبر تكليفهم بتلك المواقع و شَغلهم لها باطلا بطلانا تاما ، و ذلك أحد أوجه نكبة فبراير الكارثية .. و خاصة فيما يتصل بنهب و تهريب المال العام .

المادة (22) العدالة الاجتماعية و التنمية
في النص : " تتولى الدولة تأهيل المدن و القرى و فق مقتضيات العدالة الاجتماعية .... و تضمن توزيعا عادلا للمشروعات و المصالح و الشركات العامة بين المدن كافة .. إلخ " !
ملاحظات : أين هي العدالة الاجتماعية ، في هذه الصيغة الإنشائية المميَّعة ؟! لقد صيغ نص هذه المادة على أساس المحاصصة الجهوية ، في توزيع تنفيذ المشاريع و مقار الشركات العامة ! و هذا شأن يتعلق أساسا بالتنمية المكانية و إدارة المجتمعات المحلية ، ضمن السياسة العامة لتخطيط النمو (إن وُجد) ، مما ليس له علاقة مباشرة بتحقيق العدالة الاجتماعية ، من حيث هي : التوزيع العادل للثروة ، و القضاء على الفقر ، و رفع مستوى المعيشة ، و المساواة و تكافؤ الفرص ، و الحد من ظاهرة التمايز الطبقي . علاوة على أن مسألة توطين المشاريع و الشركات العامة ، هي مسألة محكومة بشروط موضوعية ، ليس من الضروري أن تتوفر هنا أو هناك ، من بين مختلف المناطق و المدن .
و من الواضح جدا أن من صاغوا هذه المادة ، قد تعمدوا أن يُغفلوا تماما مبدأ عدالة (توزيع ثروة المجتمع بين أبنائه الأفراد ، أي عدالة توزيع الثروة القومية بين المواطنين على أساس المساواة و تكافؤ الفرص ، مع مراعاة الإشباع المتزايد لحاجاتهم المادية و المعنوية) ، و ذلك هو جوهر أي مفهوم للعدالة الاجتماعية . و هو ما ينعكس عموما و إلى حد ما ، في متوسط الدخل (الحقيقي) للفرد في الدولة ، كمعيار لقياس نصيب الفرد من الدخل القومي ، و كمؤشر عام يدل على مدى تحقق أو انتفاء العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل القومي (ثروة المجتمع) توزيعا عادلا .
و كم يبدو الفارق واسعا ، بين مشروع الدستور الليبي هذا ، و بين الدستور البرازيلي ؛ حيث نصّ في المادة (6) على أنّ : " التعليم ، و الصحة ، و التغذية ، و الإسكان ، و العمل ، و الاستجمام ، و الأمن ، و الضمن الاجتماعي ، و حماية الأمومة و الطفولة ، و مساعدة المعوزين ، هي حقوق اجتماعية ، طبقا لهذا الدستور " . ثم نص في الفقرة 4 من المادة 7 (التي تتكون من 35 فقرة) ، على فرض " حد أدنى وطني موحد للأجور ، يحدده القانون ، يوفر للعامل و لأسرته الاحتياجات المعيشية الأساسية ، من حيث السكن ، والغذاء ، والتعليم ، والصحة ، والترفيه ، واللباس ، والنظافة ، والنقل ، والضمان الاجتماعي ، وتعديله دورياً للمحافظة على قوته الشرائية " ، هذا فضلا عن حق التأمين ضد البطالة في حالة البطالة غير الطوعية .

المادة (51) الحق في الحياة الكريمة
ملاحظات : خلت هذه المادة خلوا كاملا - كخلو كل مشروع الدستور - من أي نص على (الحق في تعويض البطالة ، للمعطلين عن العمل) ، كحق مكفول لكل مواطن قادر على العمل ، وفقا لمؤهلاته العلمية و خبراته العملية ؛ فالحق في التأمين ضد البطالة غير الاختيارية ، هو حق تفرضه المواطنة ، و ليس مِنّة من أحد ، و بخاصة (في دولة يأتي دخلها من بيع ثروة قومية عامة ، هي النفط و الغاز) . و إنه لمن العار على حكام ليبيا الجدد (كما على حكام النظام السابق المطاح به) ، بل إنه لجريمة موصوفة : أن تتخلى الدولة عن مواطنيها الشباب ، فلا توفر لهم حق العمل ، و الاختيار بين فرصه وفقا لمؤهلاتهم العلمية و إمكاناتهم الأدائية . و لا تقرر لهم دخلا شهريا يصون حقهم في الحياة الكريمة ، تعويضا واجبا عن (البطالة .. غير الطوعية) ، طالما أن السلطة قاصرة أو مقصرة ، في تحقيق هدف الاستخدام الكامل و الأمثل للقوى الوطنية العاملة المتاحة .
و في الفقرة رقم 4 ، جاء النص على حقوق المتقاعدين ملتبسا و غامضا و مفتقدا للدقة : " تكفل الدولة حقوق المتقاعدين بما يضمن تناسب المعاشات مع المراكز القانونية " ، فليس واضحا ما هو المقصود بـ " تَناسب المعاشات مع المراكز القانونية " ، و هي عبارة مائعة تحتمل عديد التفسيرات . فضلا عن الغياب (المقصود) لإنصاف موظفي الدولة المتقاعدين و مساواتهم في اكتساب الحقوق مع نظرائهم الموظفين في الخدمة ، كاستحقاق مترتب عن خدمتهم الدولة لعدة عقود من الزمن ؛ و إنه لمن الجور البيّن ، الذي يصل إلى درجة إهدار الحق في الحياة الكريمة (قصداً) ، أن يكون و أن يظل المعاش التقاعدي ، لموظف متقاعد بدرجة مدير عام أو وكيل وزارة 450 دينارا ، استمراراً لما كان عليه معاش التقاعد و أحكامه في النظام السابق !
و اللافت جدا في صياغة هذا الدستور المعيب ، أنه يتجاهل تماما تثبيت الحكم الذي قرره القانون رقم (5) لسنة 2013 ، الصادر عن المؤتمر الوطني العام ، في شأن الضمان الاجتماعي ، و نصه : " إذا زيدت مرتبات العاملين في الدولة زيد معاش المتقاعدين منهم بذات النسبة التي يزداد بيه المرتب المقابل لدرجة صاحب المعاش عند التقاعد " .. و هو الحكم التشريعي الذي لا زالت السلطة التنفيذية (حكومة طرابلس و الحكومة الموازية في البيضاء) تمتنعان عن تنفيذه حتى الآن (!) .
و للمقارنة : ينص الدستور السويسري على أنه : " يجب أن يغطي التقاعد الحد الأدنى المعقول من الاحتياجات . و يتم رفع التقاعد ليتناسب على الأقل مع تطور الأسعار " . كما يَنصّ على أنْ : " لا يبلغ أقصى حد للتقاعد أكثر من ضِعف أدنى حد " ، و ليس كما قررت ميليشيا برلمان طبرق لأعضائها ، من تقاعد فلكيّ ، يفوق تقاعد وكيل وزارة سابق (450 دينار) بأكثر من ثمانيةٍ و عشرين ضِعفاً !

يُتبع .. الجزء 4 و الأخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار