الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدلب والثور الأبيض

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


احتاج البيت الأبيض الى بيان رسمي، كي يضع النقاط على الحروف، في تغريدة ترامب التي حذّر فيها من عملية عسكرية في إدلب. وعلى غير ما فُسرت سياسياً وإعلامياً، بدى واضحاً، أن دونالد ترامب، لم يذهب الى تحذير روسيا وحلفائها من شن عملية عسكرية يُحضّر لها منذ زمن طويل، وقد حان وقتها الآن، كما يرون. بل إنه كان واضحاً بالقول أنه يجب تجنب حدوث كارثة إنسانية، ناجمة عن الهجوم على إدلب، وأضاف بيان البيت الأبيض تحذيراً واضحاً الى الاسد بعدم استخدام الكيمياوي في العمليات العسكرية، تماشياً مع تحذيرات سابقة مماثلة، إضافة لموقف بريطانيا وفرنسا من اللجوء إلى ذلك، لإنهاء الوضع المعقد عسكرياُ وأمنياً في آخر المعاقل المسلحة المناوئة للنظام الأسدي.
بانتظار نتائج قمة طهران، وجلسة مجلس الأمن اليوم الجمعة، فإن جملة التطورات المتلاحقة، ومنها إلغاء ترامب حضور القمة اللاتينية لمتابعة الملف السوري، كما يقال، فإن موسكو وطهران ماضيتان في الذهاب الى شن هجوم شامل على إدلب، من مؤشراته الميدانية تكامل التحشيد العسكري بوصول قوات من الحرس الثوري الإيراني للمشاركة في العمليات، واتهام الفصائل والقبعات البيض بالتحضير لاستخدام أسلحة كيمياوية، ضدها. هي في الواقع حيلة جديدة لاستخدام الكيمياوي ضد المدنيين في إدلب، وقد دأب النظام السوري والقوات الروسية والإيرانية على استخدامه بوسائل متعددة، في جميع العمليات العسكرية السابقة، في ريف دمشق والمنطقة الجنوبية، ومنطقة الغاب. واستخدام حق النقض ضد مشروع القرار الأمريكي بشأن لجنة التحقيق الدولية في سوريا، مرة أخرى قبل يومين.
ليس هناك – في الحقيقة – اي اعتراض دولي على القيام بعمل عسكري في إدلب، حيث أكبر التجمعات البشرية في سوريا كثافة اليوم، بسبب وجودها خارج سيطرة النظام، ونزوح مئات آلاف السوريين إليها، هرباً من الموت، أو نتيجة لعمليات المصالحة ( المسلحة ) التي نفذها النظام طوال أربع سنوات ماضية، كانت الوجهة إدلب للمسلحين وعائلاتهم. جوهر الإعتراض هو في استخدام أسلحة كيمياوية. ويأتي الإعتراض بصيغة التحذير من كارثة إنسانية كما عبر عنها ترامب. إن استخدام القوة بالغة الإفراط، هي سمة السلوك الإجرامي الذي دأبت موسكو وطهران ودمشق في اللجوء إليها، بصورة غير مسبوقة، في تاريخ العمليات العسكرية.
مع العاشر من سبتمبر، تكون مهلة النظام للاستسلام قد انتهت. وفي اعتقادنا أنه سوف يتم استخدام جميع الأسلحة المحرمة دولياً، دون اللجوء الى استخدام الكيمياوي، بصورة مباشرة وواضحة، تجنباً لردات الفعل الدولية وخاصة الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي حددت خطط الرد على ذلك. لكن وقائع السنوات الثماني الماضية علمتنا أن ردود الفعل العسكرية، لن تكون فعّالة ورادعة بشكل حقيقي، استهداف ترامب لمطار الشعيرات لم يؤثر على القدرات الجوية السورية والإيرانية بشئ، وتكرر بعد ذلك استخدام الكيمياوي بصورة محدودة.
لن تكون معركة إدلب سهلة ويسيرة، تدرك ذلك موسكو جيداً، واستسلام الفصائل ما يزال حتى اليوم غير ممكن، غير أن لاشئ في عالم الحرب والسياسة مستحيل، وقد تتوصل الجهود التركية المدعومة أميركياً ومن أطراف أستانا، الى انجاز مهم، وهو تفكيك هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى، وهو ما سوف يقود الى عقد " مصالحة " لكنها في كل الأحوال غير مأمونة. وجود كميات كبيرة من السلاح لدى هيئة تحرير الشام، وقيادات متشددة بالغة الغلو في التمسك بخيار المواجهة، يجعل من الأمر معقداً وعصيّاً على الحل.
لا تفكر أي من الأطراف بوضع المدنيين، والأخطار التي تحيق بهم، في ظل اندلاع أي مواجهات مسلحة، أو عبر الاستهداف الصاروخي التي تقول موسكو أنه سيكون محدداً، يأخذ في الاعتبار عدم استهداف المدنيين. لكن ذلك أيضاً وفقاً لمنطق الحرب غير صحيح. كانت واشنطن تكرر القول إن عمليات التحالف الدولي ضد داعش في الرقة نوعية وذكية، تحول دون تضرر المدنيين، لكن النتيجة هي دمار هائل وتقويض البيوت فوق السكان العزّل، ومقتل واختفاء عدة آلاف من المدنيين.
لم تكن سياسة المصالحات والهدن، واتفاقات خفض التوتر، التي نهجها النظام بدعم روسي مباشر كطرف ضامن، سوى عمليات احتواء للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، واستعادتها بالحرب أو بالمصالحة، وهذا ما قاله المعلم قبل أيام : " استعادة إدلب أولوية، بالحرب أو بالمصالحة ". وكان واضحاً جداً منذ اتفاق هدنة حمص، أن الأمور جارية على قضم المناطق واحدة بعد أخرى، في عملية ممنهجة لتجميع المقاتلين في منطقة واحدة، هي إدلب، وقد أكل السوريين الطعم عن آخره، لتصبح إدلب اليوم في فوهة البركان، بما تجمعت فيها من قوى مسلحة، ومن استعداد لشن هجوم المرحلة الأخيرة، في سياسة المصالحات القاتلة والمريرة. وصول إدلب الى هذه الحال، كانت مؤشراته واضحة في حلب وفي درعا، غير أننا لم نفكر ولم نعمل لهذا اليوم، إن كانت لنا القدرة على ذلك.
بلا شك أن القرار ليس بيد النظام السوري، إنما بيد القوات الروسية الممنوحة سلطة واسعة للعمل العسكري، ليس كقوة احتلال فحسب، بل بموجب اتفاق استراتيجي بين سوريا وروسيا.
قد لا تجدي التحذيرات من حصول كارثة إنسانية نفعاً، حين تبدأ حمم الموت بالتهاطل فوق أحياء إدلب. حتى اليوم، ليس ثمة من يصغي إلى ذلك في الكريملين. وجود ثلاثة ملايين مدني بينهم مليون طفل في إدلب، لن يوقف شهوة التدمير المستعرة في أكباد مجرمي الحرب: بوتين والأسد وروحاني.
إن كانت الغاية هي حماية المدنيين وحفظ إدلب من مصير مماثل للرقة، وشرق حلب، فإنه يتوجب على جميع القوى المسلحة، مغادرة المدينة بالكامل، ومصير هيئة تحرير الشام، قد يكون أسوأ من مصير داعش التي حظيت باتفاقات جنبتها المعارك المباشرة، ومنحتها الوقت والممرات الآمنة للعبور الى مناطق أخرى. لكن الأمر مختلف في إدلب، لن تمنح الفصائل المسلحة ممرات آمنة للمغادرة، ولن تكون هناك مناطق مجاورة خارج سيطرة النظام او روسيا. والدور الذي تقوم به أنقرة اليوم، هو ممارسة أكبر قدر من الضغط على حلفائها، لمنع وقوع الكارثة. لم تكترث الفصائل المسلحة يوما ما بمسألة حماية المدنيين، على قدر شبيه بالنظام وروسيا وإيران. ولذلك فإن تفكيكها يبدو حتى الآن صعباً، وقد تنهار قدراتها مع أولى موجات القذف الصاروخي الروسي، والهجوم البري الأسدي - الإيراني.
حدوث العمليات العسكرية بصورة فجائعية " ضد الإرهابيين الذين لم يعد ممكناً احتمال وجودهم في إدلب " كما يكرر سيرغي لافروف، أمرٌ قاب قوسين أو أدنى، ليس هناك اعتراض دولي عليه، ومالم تحدث مفاجئات واختراقات من داخل هيئة تحرير الشام، والفصائل الأخرى، فإن الكارثة لا يمكن لأحد إيقافها، بما فيها تغريدات ترامب.
ليس لدى السوريين ما يقومون به للحيلولة دون ذلك، أو للتخفيف منه، بكل أسف وألم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت