الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية إلى أدونيس.. رداً للجميل

فرج بيرقدار
(Faraj Bayrakdar)

2006 / 4 / 1
الادب والفن


نشر أدونيس في جريدة "الحياة" 13/1/2005 مقالاً متعدد المحاور والأفكار بعنوان "حول جبلة وقصَّابين والشاطئ وحقوق الإنسان في سورية"، وقد تريثت في تسجيل ملاحظاتي على بعض ما جاء فيه عاماً كاملاً، لأطمئن إلى أن ما سأكتبه هو قناعتي الراسخة، المتحررة من ردود الفعل الآنية، والساعية إلى الابتعاد عن النقد الجارح المجاني، أو وجهته الأخرى التي يمكن أن تتزيَّا في هيئة المجاملة المجانية.
ردَّ أدونيس في مقاله على ما أسماه الفرع السوري لمنظمة حقوق الإنسان (الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ـ فرع «المنظمة» في سورية") الذي ("وزّع بياناً في الانترنت يقوم على مبدأ «تَسويد» صفحة شخص معين اسمه أدونيس").
وأضاف إلى عنوان مقاله عنواناً فرعياً، يقول: "تحية - رسالة إلى أنطون مقدسي، وميشيل كيلو، وفايز ساره". وقد ظلت التحية ملتبسة على كثيرين، في حين فهمتها أنا على أنها نوع من خلط الأوراق، أو تمرير شيء ما، لتغطية هجومه اللاحق على المعارضة السورية. أم هو محض تحوُّط يتيح له تعليق المعنى، عند الضرورة، على الشماعة الشهيرة التي تقول: المعنى في قلب الشاعر؟
أشار غيري، وأكرر الإشارة، إلى أن الجهة التي وزعت البيان هي (فرع المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير في سورية)، وليس "الفرع السوري لمنظمة حقوق الإنسان"، وقد نُشر البيان على موقع في الإنترنيت اسمه (الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان). فهل قام أدونيس بهذه المناقلة أو "المَنتَجة" بين الأسماء من حيث لم يعلم، أم لم يقرأ جيداً، أم لم يرغب في منح الدقة والأمانة ما تستحقان من الجهد والتمحيص؟
كررتُ إشارتي لأن أدونيس بقي مصراً على رأيه، وأعاد طرحه في هذه النقطة وفي غيرها، ضمن حوار معه على صفحات جريدة "النور" في 6/4/2005، أي بعد حوالي أربعة شهور، نُشرت خلالها تصحيحات من أكثر من كاتب، غير أن أدونيس، على ما يبدو، لم يرغب في قراءتها أو التوقف عندها. وليس الأمر غريباً بالنسبة إلي، وقد قرأت، في مقابلته مع عزمي عبد الوهاب ومهدي مصطفى، قوله أو قولهما عنه: "كشف لنا رأيه في أخلاق نجيب محفوظ العالية، وأنه لم يقرأ له سوى رواية ثرثرة فوق النيل" .
أعود لأعلق على جانب آخر، من مقاله في الحياة مطلع 2005، حيث كان لي فيه نصيب، تعثَّر وربما تعسَّف أدونيس كثيراً في شكل ومضمون عرضه.
في الحقيقة لدي تعليقات كثيرة على المقال، ولا سيما في ما يخص رُهابه حيال اليسار السوري، إلى حد أقدم فيه على تحميله مسؤولية قمعية، تفوق مسؤولية النظام!
ولكن لذلك مقاماًً آخر أرجئه إلى ما يناسبه، مكتفياً هنا، حين يلزم، ببعض الإشارات المختصرة، التي يمكن أن يقتضيها سياق الموضوع.
يقول أدونيس في مقاله:
( "رابعاً - طُلب مرة مني في باريس أن أوقع على عريضة تطالب بالإفراج عن "الشاعر فرج بيرقدار". قلت لمن طلب توقيعي:
- لا أعرف شاعراً اسمه فرج بيرقدار.
- استخدمنا هذه الصفة لكي نحقق أكبر قَدْرٍ ممكن من المساندة والدعم، من الكتّاب والشعراء في الغرب.
- لكننا لا نحتاج إلى هذه الصفة. وعلينا أن ندافع عنه بوصفه معتقلاً، أياً كان. يجب علينا هنا أن نتجنب كلياً فوضى المعايير، التي اعتدنا عليها في بلداننا العربية. وهي فوضى شاعت مع الحركات السياسية، و«الثورات»، فمنح كثير من المناضلين صفات وألقاباً شعرية وفنية، بقوة النضال لا بقوة الشعر أو الفن. لهذا السبب لم أوقّع على هذه العريضة. وليس لأنني لا أدافع عن المعتقلين السياسيين في سورية").
أنا أيضاً أرى أن علينا أن نتجنب كلياً فوضى المعايير. أوافق أدونيس في هذا وفي كثير غيره، ولكني كنت أتمنى لو انسجم مع ما قال، ودافع لو مرة واحدة عن أي معتقل سياسي، إلا إذا اعتبر أن البيان اليتيم أو شبه اليتيم، الذي شارك في التوقيع عليه بعد موت الأسد الأب أواسط عام 2000، هو مأثرته التاريخية في الدفاع عن المعتقلين؟!
في ذلك العام كان قد مضى على انتهاك، بل افتراس حقوق الإنسان في سوريا، زمن يقاس بالعقود، لا بالشهور والسنوات!
رغم ذلك يتوجب علي شكره والآخرين على ما قاموا به من واجبهم الثقافي والإنساني بوجه عام، حتى لو جاء متأخراً على نحو هاملتي.
أما صيغة "طُلب مرة مني في باريس" المبنية للمجهول، فقد صارت معلومة بعد أن نشر الفنان يوسف عبدلكي رده في جريدة الحياة نفسها 28/1/2005 بعنوان "لماذا سحب أدونيس توقيعه من عريضة فرج بيرقدار". والحديث عن أن الفنان عبدلكي قال له: "استخدمنا هذه الصفة لكي نحقق أكبر قدر ممكن من المساندة والدعم، من الكتاب والشعراء في الغرب"، ليس إلا رخصاً "غالياً" منه، إذ "هو أدونيس، ونحن سوريون" ، على حد قول الصحفي السوري لؤي حسين.
من الجلي حسب عنوان مقال الفنان عبدلكي، أن أدونيس وقع العريضة، ثم عاد وسحب توقيعه!
يسرد الفنان عبدلكي الواقعة: "اتصلت بأدونيس - من ضمن من اتصلت بهم - فقال لي: أنا لا أعرف هذا الشاعر. فقلت له إنه شاعر معروف في سورية، ينشر منذ السبعينيات، وطبع ديوانين وقصيدة طويلة في بيروت، ومن المرجح أنك لم تسمع باسمه لأن دواوينه تم توزيعها في شكل سيئ، وعلى أي حال فنحن لسنا بصدد تقويم شاعريته بل الدفاع عن حريته. وقّع أدونيس العريضة بحماسة، ولكن في اليوم التالي اتصل بي وأثار معي مسألتين، واحدة سياسية وأخرى أمنية حول العريضة. تحاورنا في المسألتين، وفي النهاية قال لي: أريد سحب توقيعي لأحتفظ به لمناسبة كبيرة مقبلة. قلت: لك ما تريد".
إذاً وقَّع أدونيس العريضة بحماسة، على عكس ما ورد في مقاله، ولكنه طلب سحب توقيعه في اليوم التالي مثيراً مسألتين، واحدة سياسية وأخرى أمنية حول العريضة وهذا حقه بالطبع، ولكن لم يكن السبب أنه، كما يشير عبدلكي، لا يعرف شاعراً بهذا الاسم. ولا أريد التعليق على أسبابه السياسية أو الأمنية، ولا على رغبته في احتفاظه بتوقيعه لمناسبة كبيرة مقبلة، فذلك حقه أيضاً، حتى لو لم يكن ذلك هو السبب المباشر لتراجعه، ولكن أليس من واجبه أن لا يترك العنان لذاكرة انتقائية أو مشوشة أو راغبة في ما هو ليس من حقها؟!
ثم بأي حق يدعي أن الفنان عبدلكي أجابه: "استخدمنا هذه الصفة (شاعر) لكي نحقق أكبر قَدْرٍ ممكن من المساندة والدعم، من الكتّاب والشعراء في الغرب"، وكأن عبدلكي لا يعرف شيئاً عني، أو أنه يوافقه على أني لست شاعراً من جهة، ولكنه يقبل هذا التزوير لأسباب نفعية من جهة ثانية؟!
ما هو أفظع من ذلك أن أدونيس أعاد طرح الأمر نفسه، ولكن على نحو أكثر سوءاً وإساءة في مقابلته مع جريدة النور، إذ يقول عمن أسهموا في الحملة العالمية من أجل إطلاق سراحي: "يقدمون أحد المعتقلين وهو فرج بيرقدار في الغرب على أنه شاعر. وعندما قلت لهم إنهم يسيئون بتقديمه كشاعر، وهو ليس شاعراً، ردوا بأنهم يحصلون على تعاطف أكبر عندما يقدمونه كشاعر. وهذا يظهر انعدام الأخلاق والشرف حتى في النضال باسم الشرف والأخلاق".
هكذا.. دفعة واحدة يصم أدونيس عبدلكي وكثيرين غيره بـ "انعدام الأخلاق والشرف"، لأنهم ادعوا أني شاعر. وقد كان يمكن لي أن أتفق مع ما ذهب إليه أدونيس، لو خان عبدلكي قناعته أو مصداقيته فعلاً، أو لو انه لم يرد على مقال أدونيس، موضحاً حقيقة ما أجابه به حين أنكر معرفته بشاعر يحمل اسمي.
في الواقع ليس سراً أن علاقتي بيوسف عبدلكي كفنان وعلاقته بي كشاعر، قد بدأت منذ السبعينيات، وبالتالي فهو لم يكن يهرف بما لا يعرف حين قدَّم لأدونيس بعض التفاصيل المتعلقة بي أو بكتبي. أم يعتقد أدونيس أن يوسف عبدلكي، رغم كل شيء، كان يهرف؟!
أما كان ينبغي لأدونيس أن يتساءل من هو الذي يهرف، أم انها عنزة حتى لو طارت؟!
تُرى لماذا حاول أدونيس أن "يمنح" لي "شرف" تجنِّيه، بتلك الطريقة في صحيفة "الحياة"، وكرر الأمر نفسه بعد شهور في صحيفة "النور"؟!
لا أعرف الحقيقة بالضبط، وربما لم يكن يقصد التجني، بل ربما أراد تقديم خدمة جلَّى لي (من وجهة نظره وعلى طريقته)، فهو على ما أعلم، لا يدافع عن أحد ببساطة، ولا يهاجم أحداً ببساطة!
قال لي أحد أصدقائي وأصدقائه أو مريديه: إضحك في عبِّك. أدونيس تناول اسمك مرتين وهو في العادة يضرب صفحاً عن الخصوم والصغار، فلا يذكرهم أبداً، لأنه يرى أن سلة النسيان هي مكانهم الأنسب. وصدِّقني لو لم تكن تعني له شيئاً مهماً لأهملك في مقاله، واكتفى بالقول "يقدمون أحد المعتقلين في الغرب على أنه شاعر". أدونيس قدَّم لك جميلاً مهماً رغم إعلانه أنه لم يسمع بك!
للأسف بدا لي أدونيس فيما كتب، مع حسن نيتي ونية الصديق، كما لو انه أمام "قصة شاعر معلن" عرفها أو قرأها أو سمع بها الجميع باستثنائه! ومع ذلك لا أرى مشكلة في الأمر إلا من زاوية ضرورة التدقيق في الهدف أو الاتجاه الذي ينبغي أن تأخذه تهمة "انعدام الأخلاق والشرف".
ليس هذا دفاعاً عن يوسف عبدلكي، أحد متَّهَمي أدونيس، فيوسف أكبر وأكثر حصانة، ذلك أن أصالته كإنسان، كما سيرته كمثقف وكمناضل قولاً وسلوكاً، لا تنفصل عن أصالته كفنان على قدر عالٍ من الإبداع الفني ونبل التواضع الإنساني، اللذين قرأت وسمعت فيهما شهادات، ليس لما في حديث أدونيس من اختلاطات أن يجرحها.
ربما كانت "شبهة" المعارضة، التي ينتمي إليها يوسف عبدلكي، سبباً في عدم استثناء أدونيس له من حملته على المعارضة عبر إطرائها، في مقال "الحياة"، بمقدمة نظرية عامة، ثم انتقاله ليعنِّفها تشخيصاً من خلال مهاجمته لليسار، وعلى وجه الخصوص في العراق وسوريا "لأن اليسار فيهما ـ على حد قوله ـ بمختلف تنويعاته، كان النواة الأولى في إلغاء الديموقراطية والتعددية والتنوع".
إذا اعتبرنا أن النظامين البعثيين، في سوريا والعراق، قد مثَّلا يساراً بالمعنى النسبي والعلماني، أو بالمقارنة مع القوى الدينية، فإن كلاً منهما كان حقاً النواة الأولى في إلغاء الديقراطية، كما يقول أدونيس تماماً. أما أن يموِّه أدونيس الحدود والتواريخ والوقائع ما بين المعارضة واليسار، أو أن يطابق بينهما، وبعدها يزدلف إلى الكمين الذي أقامه بينه وبين نفسه، فيعتقل اليسار "بمختلف تنويعاته"، من دون النظر إذا ما كان ذلك اليسار في سدة السلطة أو في أقبيتها، ثم يمدِّده على نفس السرير الأدونيسي أو البروكوستي، فتلك معضلة لا تجدي معها الدروس الأخلاقية التي يفترضها أو يفرضها أدونيس، كما في قوله: "وهذا مما يفرض على المعارضة مسؤولية سياسية وأخلاقية عالية، تميّزها عن النظام الذي تعارضه، بحيث لا يصحّ، في أي حال، أن تقوم المعارضة بممارسات تقوم بها السلطة التي تعارضها".
حديث أدونيس هنا، رغم العديد من النقاط التي أراها صحيحة، ينطوي على مقدمات مغلوطة أو ناقصة أو قاصرة، وعلى نتيجة أوافقه فيها، مهما كانت باهتة أو باهرة. ولكن أليس أدونيس مطالباً بنفس "المسؤولية السياسية والأخلاقية العالية"؟!
ألم يقم هو بنفس الممارسة، التي قامت بها السلطة السورية، حين ظلت لسنوات تقول إنها لا تعرف شاعراً اسمه فرج بيرقدار، إلى أن قدَّمت لها الجهات الدولية المعنية نسخاً من مجموعاتي الشعرية، فأقرَّت السلطة وأوضحت محقةً، أن سبب اعتقالي ليس هو الشعر؟
بالطبع لا أنسى الفارق المتمثل في أن أدونيس مازال إلى الآن مصراً على عدم التراجع عن ادعائه، رغم كل ما شرحه وقدمه له الفنان عبدلكي وغيره منذ أواخر التسعينيات؟!
ألا يبدو أدونيس هنا كمن يُسقِط على المعارضة ما يبدو أنه متلبس به من اتهامات؟
أتساءل: ما هو المعيار الذي يصنف أدونيس من خلاله، أو على أساسه، الشعراء من غير الشعراء؟
هل يعتبر أن قوله ( أعرف، أو لا أعرف شاعراً اسمه فلان) هو المعيار والحكم الفيصل في نفي أو إثبات صفة الشاعر؟
لو أخذ أدونيس مجموعاتي الشعرية، وقرأها، ثم قال للفنان عبدلكي: إن هذا ليس شعراً، لكان الأمر رأياً ممكناً، أو قناعة شخصية من حقه أن لا يقبل فيها نقاشاً. ولكن أدونيس لم يتناول المسألة من زاوية تقييم الشاعرية، حسبما قرأنا في رد الفنان عبدلكي، الذي لزم أدونيس حياله الصمت والتجاهل، متابعاً ديدنه على رسله وهواه!
أتساءل أيضاً: لماذا يحترم أدونيس (نضالي) كثيراً: "تذكرني قصة فرج بيرقدار الذي أحترم نضاله كثيراً..."؟
هل من أجل إظهار قدر من الموضوعية أو المصداقية في جانب، ليغطي على نقص ما في جانب آخر، لا يحظى بنفس السوية؟
من أين توفَّر على تلك المعلومات، التي جعلته يحترم نضالي كثيراً، رغم كل ما اكتنف سنوات ذلك النضال "الملعون" من ظروف سرية وعمل تحت الأرض ومطاردات خفية ومعلنة، وفي النهاية سجون وكوابيس وأقفال تنهرها أقفال؟!
أما كان أجدر به أن يعرف، أو يسأل بالأحرى وعلى الأقل، عندما طرح عليه موضوع العريضة، عما كنت أكتب أو أفعل في الظروف العلنية أو الطبيعية؟!
في الحقيقة أنا أعرف أن أدونيس يعرف تفاصيل كثيرة، تختلف أو تتباين مع ما لم يستطع إلا أن يورده في مقاله على النحو الذي حدث. فعلى سبيل المثال، في حديثه مع بعض الشعراء الفرنسيين من أصدقائنا المشتركين، لم يقل لهم إنني لست شاعراً. لقد أبدى تبرمه فقط من حجم اهتمامهم بي، معلناً أمامهم أنني لست إلا شاعراً سورياً صغيراً، وقد يكون معه كامل الحق، إلا أن أحد الشعراء الفرنسيين استغرب يومها ما يقول أدونيس، فرد عليه : "وأنا يا أدونيس شاعر فرنسي صغير أيضاً، ولكن هل يعني هذا أنك لن تطالب بي فيما لو تعرضت للاعتقال"؟!
بودي لو يطالِب أدونيس بتوثيق كلامي على نحو أخلاقي أو حقوقي، ويقبل أن ينضوي معي تحت كل ما يترتب على ذلك من التزامات أدبية لا أكثر.
ثمة تفاصيل أخرى عديدة عرفتها من أصدقائنا المشتركين، أجانب وعرباً، قبل نشر مقال أدونيس بسنوات، وبعد نشره أيضاً، ولكني سأتجاوزها هنا، إذ لا تبدو لي ملحة، كما ليس لدي ميل إلى إثارات من هذا النوع. ولم أكن لأشير إلى ما أشرت إلا من باب التحسب، فيما لو اقتضت الضرورة مستقبلاً طرحها وتوثيقها، رداً على تشكيك محتمل من أدونيس أو غيره.
مع ذلك أرى أن أعرض بعض المسائل التي من شأنها مقاربة الموضوع من جهات مختلفة، ليس لكي يتذكر أدونيس، وليس لأشير أني وردت السياسة كشاعر، ولم أرد الشعر كسياسي، بل لأضيء عتماتٍ، آمل أن لا يكون أدونيس ضد إضاءتها.
في أواسط السبعينيات كان أدونيس أحد أعضاء هيئة تحرير الملحق الثقافي (الشهير في ذلك الحين) لجريدة الثورة السورية، وكنت حينها شاعراً على الدرجة الأولى من سلَّم الشعر، وقد نشر لي الملحق قصيدة على إحدى صفحاته، وكان ذلك امتيازاً لي دون كثير من الأقران، وتضمنت الصفحة المقابلة تقريظاً للقصيدة، أو تشجيعاً حميماً بقلم الشاعر الكبير شوقي بغدادي.
فهل كان أدونيس يترفع عن قراءة الملحق الذي هو أحد أعضاء هيئة تحريره، أم كان يقرأ، وصار ينسى؟!
في بداية الثمانينيات نشرتُ في بيروت مقالة عن كتاب أدونيس "مفرد بصيغة الجمع"، انتقدت فيها الكتاب أو القصيدة بلغة حادة متحمسة، محاولاً في الوقت نفسه وقدر الإمكان إنصاف قناعتي بالقامة الأدبية العالية لأدونيس، وقد رد علي الشاعر الجميل عباس بيضون في السفير ورددت عليه، وكان أدونيس حينها في بيروت، ولكن هل قرأ أدونيس ذلك، أم انه يأنف من متابعة مثل تلك الأمور العابرة، لكي لا يضيف إلى ذاكرته ما يثقلها بدون جدوى أو غناء؟!
في 12/7/2004، وأنا هنا أعتذر عن هذا الانقطاع الطويل الذي فرضه علي التخفِّي والسجن كل تلك السنوات، طرح علي الصحفي روحي عازار، في مقابلة لموقع إيلاف، سؤالاً يتعلق بسعي أدونيس إلى الشهرة والترشح لنوبل، في حين أنه لم يكتب قصيدة عني أو عن المعتقلين، وقد كان جوابي التالي: "دعني أقل أولاً إن أدونيس جدير بشهرته.. وبنوبل أيضاً. وأن يكتب أدونيس أو لا يكتب عن المعتقلين، فذلك شأن شعري خاص. ما آخذه على أدونيس هو إحجامه عن استخدام القيمة الرمزية الكبيرة لاسمه في دعم قضايا المعتقلين السياسيين، والكتَّاب منهم على وجه الخصوص... ولو لم يُعرض مثل هذا الأمر عليه لما كان لي تعليق، أو لربما التمست له عذراً، ولكن أخبرني بعض الأصدقاء من الشعراء الفرنسيين، أن أدونيس تملص بطريقة ما من المشاركة في سياق حملة دولية للإفراج عني" وقد أعلنت امتناني للجميع، وأضفت "حين قرأت مشاركة محمود درويش، شعرت أني في أرجوحة مشدودة إلى خط الأفق، إلا أني لم أستغرب ذلك.. ولكني حين لم أجد اسم أدونيس، حزنت قليلاً على الشعر، ولكني لم أستغرب ذلك أيضاً".
تُرى هل استثيرت حفيظة أدونيس من كونه وجد نفسه مصادفة على الضفة المعاكسة أو البعيدة من محمود درويش، أم أنه لم يقرأ المقابلة أصلاً؟
عزيزي أدونيس.. لقد أشعرتَني، كما أشعرني بعض الشعراء السوريين الذين أحبهم، أن اعتقالي، والمطالبة بي، وربما الإفراج عني أيضاً، كان عبئاً عليك مثلما عليهم. ولو كنتُ من اختار ذلك لاعتذرت لك ولهم ، ولكنها إرادة "اللوياثان". وقد كان حرياً بك وبالآخرين أن توجِّهوا ضيقكم أو استياءكم إلى ذلك "اللوياثان" لا إلي. أقدِّر أنك أنت على نحو خاص تمتلك الإمكانية لو أردت، وإن كنتَ لم تفعل إلا أحياناً وبقدر محسوب وظروف محسوبة جيداً.
أدونيس.. الكبير غالباً، والموضوعي أحياناً كثيرة. أنت تحترم الأسئلة، وأنا مثلك في هذا الميدان. أليست الأسئلة طريقنا الأرحب إلينا وإلى المعرفة؟
إذاً.. اسمح لي أن أسألك:
من أين بدأت، وأين تسير، وإلى أين تعتقد أنك ستنتهي؟
ما هي أوجه التقارب والتباعد بين الممكن والمستحيل؟
هل تستطيع الوردة ما لا يستطيع الحجر؟
كيف تنبني القصيدة وكيف يُبنى أو ينبني صاحبها؟
أليس من رشاقة ونبل الروح أن لا تفتئت على العقل والجسد؟
ما الذي لا نعنيه فيما نقول، وما الذي نعنيه فيما لا نقول؟
متى تبدأ التهمة، وأين تنتهي البراءة؟
شكراً أدونيس.. أتمنى لك كل الخير.
ستوكهولم 6/1/2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي