الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة المعاطف الرئاسية رواية جيل المستقبل التي لا تلتفت للجيل المحبط .

عامر حميو

2018 / 9 / 10
الادب والفن


تسير أحداث رواية ليلة المعاطف الرئاسية، للباحث والروائي محمد غازي الأخرس الصادرة عن دار الحكمة لندن 2018 وبعدد صفحاتها 235 صفحة، بخطين لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نقول عنهما بالمتوازيين، بقدر ما نستنتج أن أولهما يورث أسباب نشأة الآخر.
ففي الخط الأول(السبب) نجد الجنرال( كان عسكرياً فعلاً برتبة جنرال، يرتدي معطفاً رئاسياً طويلاً مبطناً بالفرو، يضع على عينيه نظارات شمسية غريبة الشكل....الخ...هو ربما يتجاوز الستين، أسمر بوجه طويل ذي حنك متقدم وأنف شاقولي...إلى أخر الصفحة حيث يستغرق وصف الجنرال ) ص5 من الرواية، يقابله شخص يقترح الراوي العليم لهذا الخط تسمية له منذ الأسطر الأولى للرواية( فوجئ شخص في الرابعة والثلاثين من عمره، سنسميه القارئ مؤقتاً، بدبابة تقف في باب داره)ص5 ليأخذنا هذا الجنرال والقارئ إلى متاهات أحداث غرائبية تمتد لسنوات قمع ما شهد لها مثيل في بلد مثلما شهد لها العراق، لكن الجنرال والقاري يطلعانا عليها من خلال ليلة واحدة فقط يستعرضان بها حفلات القتل بآلات الحرب مرة، ومرة بحفلات الإعدام تحت مسميات التخاذل والخيانة والتواطؤ وباسم صفحة الغدر والخيانة، وبها تستحضر كل أرواح المغدورين لكن بأفواه تأكل التراب ووجوهها مشوهة الملامح، وبافتراض مزعوم، لضرورات فنية تخص المتن السردي، يفترض بها الراوي قيام السلطة بمشروع، سرقته المخابرات العراقية آنذاك من دول المعسكر الشرقي المفكك حديثا، والتي بدورها حصلت عليه من شاب الماني التجأ إلى الاتحاد السوفيتي أبان حكم ستالين، وكان بحوزته البيانات الرئيسة لجهد النازية بإبراز الجنس الآري، كجنس متفوق على البشرية ويستحق التعظيم، لكن استقرار المشروع في العراق يقدح في ذهن الخبراء فكرة أن يطوروا المشروع ليجتثوا بوادر التخاذل في النفس البشرية، حتى لا يعود ثمة شخص عراقي يتخاذل عن الاقدام لنصرة الساتر الأول ويصيبه الخوف من الموت دفاعا عنه، وأكاد أجزم أن وقع الأحداث في الخط الأول سيترتب عليه شعوراً عدميا ًعند الاجيال القريبة من الأحداث الحالية لتاريخ العراق، وسيوّلد لديها مزيداً من الخيبة والخذلان، لكنه ( وهنا ميزته المهمة) سيدفع قارئه بعد عقود من الزمن لأن يرجع لينبش التاريخ زمن الثمانينيات وما تلاه ليعرف: ماذا جرى من تعسف وقمع في بلد أسمه العراق؟!.وتلك ميزة رائعة تحسب للمنجز، وتتغاضى عما يخلفه وقعه الحالي على جيل من الشباب هو بمجمله جيل محبط بما آلت له الأوضاع في بلده، قبل أن يقرأ الرواية ويتأثر بها.
وفي الخط الثاني (النتيجة) نجد (عوّاد) مدير المدرسة المتقاعد (كان الأستاذ عواد مديرنا في مدرسة البواسل الابتدائية الأشهر في حي الشعب، مدرسة بطابق واحد مبنية بطراز ستيني، قرابة ثلاثين صفاً مرصوفاً إلى جانبي الإدارة)ص 29 و(كثيرون سألوه عن سر نجاحه وثباته في وظيفته سبعة عشر عاما، في المدرسة نفسها، وبالوتيرة الناجحة ذاتها، وكان جوابه بسيطاً: إنها الصرامة والخيال الإداري)ص30 و(تلك الصرامة جعلت منه، بمرور السنين، أمثولة حيكت حولها القصص والخرافات)ص32 كأن فيه إشارة مضمرة برمزية إلى نشأة الجنرال المختبرية، فهو (عيناه ذابلتان ولم يتوقف عن عصرهما بمنديل صغير يحمله بيده) ص10 والجنرال ( أدار الجنرال عتلة صغيرة أسفل نظارته فنزلت دماء غزيرة.....إلى أن يقول ...ثم خلع النظارة فبدت عيناه حمراوين مبلولتين بالدماء. تناول منشفة صفراء فيها رسم ضفدع قافز ومسح عينيه)ص38. وفي الخط الثاني ذاته يرافق المدير الراوي المتكلم لليلة كاملة، يسبران فيها غور بغداد وعنفها الطائفي أبان الاحتلال الأمريكي لها، فمدير المدرسة المتقاعد يستدعي طالبه القديم ليرافقه في عملية البحث عن أولاده الثلاثة طيلة ليلة كاملة، نتيجة اختطافهم من قبل جماعة مسلحة تهدد بقتلهم إن لم تُدفع فدية عنهم يشترط أن يكون المدير (والدهم ) هو من يقوم بتسليمها واستلام أولاده، وأثناء مرافقته لمدير مدرسته نكتشف أن الطالب سينطبق عليه في نهاية الرواية قول الشاعر بلند الحيدري:
( أنا القاتل والقتيل...أنا الجرح والسكين) .
لأنه سيتحد مع القارئ ويكون راوياً متكلماً لأحداث الرواية (قرأت الشاهدة المكتوبة بقلم الماجك : هنا يرقد القارئ ...هنا يرقد الكاتب)ص234.
و:
(- هلو سيرجنت، قلت له بتودد.
- ولك يا سيرجنت أبو الهوا...انزل خل افتشك، آني الجنرال كوكز آمر المعسكر).ص229
و:
(تقبلها يا رب القتلى المكاريد، أبي يعدم كمتخاذل ثم يختطف جسده ليكون أباً للجنرال كوكز، تقبلها يا رب القتلة المناويك؟)ص197.
وإزاء كل ذلك يبقى حاضراً في ذهن كل قارئ عرف محمد غازي الأخرس باحثاً قبل أن يكون روائياً:
أين الباحث محمد غازي الأخرس فيما جاء بمتنه السردي؟ وهل ظهر شيء من ذلك في رواية ليلة المعاطف الرئاسية؟
والجواب على ذلك : نعم. ظهر محمد غازي الأخرس باحثاً ينبش في الظواهر وعللها واضحاً جلياً، وفي الخط الثاني تحديداً، خط المدير المتقاعد عواد وطالبه سائق البطة والكاتب، فالأخير يروي قائلاً( ينتشر هؤلاء المجرمون في المناطق الفقيرة والعشوائيات بكثرة، ولامجال للاستغراب أبداً، أينما عشعش الفقر فقست بيوض الاجرام، وحيثما شاع الجهل ولدت أغرب الظواهر بين المسحوقين)ص92 و(الفقر بيئة مثالية، ليس لولادة الجماعات المتمردة فقط، بل لولادة المشوهين خلقيا والمنبوذين والناقمين حتى على أهلهم وأنفسهم)ص93 و( تستطيع في هذه البيئة رؤية أحدهم وهو لا يتورع عن خطف جاره وحبسه في غرفة، ولكنه حين يحين وقت الصلاة يمكن أن يصلي مستريح الضمير. يصلي ويتقرب إلى الله ويدعوه أن يغفر له كل شيء ما عدا خطفه لجاره، هذا المجرم نفسه يمكن أن يبالغ في توزيع الصدقات في رمضان، ومع هذا يستطيع أن يقتل دون أن يرف له جفن. إنه مجرم معقد سيكولوجيا)ص93. ويتكرر الأمر في ص91 و ص108 وص123 وص182 وفي صفحات كثيرة أخرى لا أريد ذكرها أو ذكر مقتطفات منها حتى لا أحرم قارئ الرواية متعة مطالعتها.
وستبقى قراءتي لرواية ليلة المعاطف الرئاسية قراءة انطباعية، تعتمد على وعي قد يكون قاصراً في فهم محتواها، ويختلف عن قراءة وعي آخر يرتقي لمستواها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر