الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خارج السياق

عبدالله مهتدي

2018 / 9 / 11
الادب والفن


قصة قصيرة
خارج السياق
جئت إلى العالم ولساني مسلوخ من كلمة "أمي".
فحزنت كثيرا،حزنت لا لشيء ،إلا لأن لا أحد كان يجرؤ على أن يناديني:"ولد بَّاه" كنت أعرف أن لساني به عيب ما،لدرجة أنني كنت كثيرا ما أصوم عن الكلام، زرت أطباء كثيرين، فقد كنت كائنا غريبا، كائنا لا تحتمل غرابته، لا أستطيع المشي كما يمشي الأطفال، فقيل بأني مصاب بداء يسمى "مرض الملح"، لا ينمو جسدي كما ينبغي، فالعضو الوحيد الذي يكبر زيادة عن الحد هو رأسي،ربما لذلك كانت اكثر الألقاب التي يصبغونها علي هي: "بوروصين"، كنت نحيفا وعيناي جاحظتان،فكانوا يتهكمون علي وهم ينشدون: "وا السردين وا مال عويناتك خارجين"، نعم زرت أطباء كثيرين لدرجة أني حسبتهم من أفراد العائلة،وكانوا قد أجمعوا اني مصاب بمرض "الثأثأة"، حتى الأطباء النفسانيين ترددت على زيارتهم، اقصد "العشابة" و"السبابة" وأصحاب "الحروز"،كلهم أجمعوا على أنني أعاني من نقص في العاطفة،فقد أكون قد فطمت قبل الأوان،ربما لهذا السبب،وعوض أن يلفوا حول عنقي خيطا ،وفي طرفه المدلى على صدري تميمة،وشحوني ب"سكاتة" مربوطة إلى سلسلة ،كنت موقنا من أنني لست في حاجة إلى ذلك،فقد أتعبتهم معي كثيرا، أرهقتهم بأمراضي المتعددة ،وزدت على ذلك أن أجبرتهم على أن يشتروا لي "سكاتة" سأحملها إلى سن متقدمة،انا وحدي كنت أعرف ألا داعي لكل ذلك،لأني فقط أعاني من اعوجاج في اللسان.
الآن سأخبركم بكل شيء، ليس لأن لساني قد طال لدرجة أنه لم يعد يستطيع أن يثبت داخل فمي، فأنا بطبعي لا أحب الثرثرة،ولكني قررت أن أتخلص من "السكاتة"،أن أصفي معها حسابا قديما،أن أثأر منها، وأنتقم لفمي ولساني،بعدما ألحقت بلائحة أمراضي مرضا جديدا ،اسمه الغثيان،إذ ما أفتأ تنتابني من حين لآخر نوبات سعال ممزوج بالقيء،لم أكن أقيئ سوي سائلا أسود يميل إلى الإحمرار،سأعرف فيما بعد ان الصراخ الذي كنت ممنوعا منه،تحنط داخلي لسنوات عدة مثل جثة،وها قد تفسخ وصار صدأ.
نعم ،الآن سأخبركم بكل شيء،حتى الفأرة لن أنساها،نعم الفأرة التي كانت تتحرش بي كل ليلة،فأبلل قطع البلاستيك التي كنت ألف بها لفا، كأنني شيء ،فأصحو على رائحة البول الممزوج بالعرق،ووجبة دسمة من السب والشتم تقرع أذناي ،سأخبركم أني كنت أنكمش داخل جسدي مثل حشرة،وأبكي صمتا.
الآن سأخبركم بكل شيء،حتى الفأرة التي قضمت وجه ابن عمي ذات ليلة،وتركت جرحا غائرا حول عينيه،سأخبركم عنها،لأنها كانت تقصدني أنا،تريد أن تنتقم، كانت تعرف أنني سأطاردها كثيرا في الحلم ،حين سأكبر،وقد حدث أن قتلتها مرارا في الكوابيس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب