الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القسر لا يدوم! -1-

عبد الرحمن جاسم

2006 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


البارحة كنت أزور صديقاً، ابتسم وهو يسرُ لي: "القسر لا يدوم". لم أتنبه لتلك العبارة إلا حينما عدت إلى غرفتي، جلست، أصخت سمعي إلى داخلي، كان يقول لي بلهجة الواثق، الفلسفة -سواء الاسلامية منها أو العامة- تنظر إلى الأمر سواء، الشدة لا تدوم، وعكس المنطق والمعتاد لا يستمر، فعكس الطبيعة واضح، واستمراره أمر محال. وعاد بي التفكير، كيف وصلنا إلى هنا، وكيف أن "القسر" الذي لا يدوم، قد دام إلى هذا الحد في بلادنا!

القصة كما بدأت: قسرٌ بأثوابٍ مختلفة:
قد يستغرب البعض حينما أرجع الأمر إلى المرحلة التي تلت وفاة الرسول(ص) مباشرةً، فتلك كانت بداية الفتيل المشتعل، وبداية القسر، فهل كان القسر آنذاك تراتبياً، أم أنه كان توجهاً اجتماعياً سيأخذ منحناه الزمني تباعاً. فمن صدر الإسلام، الذي انتهى سريعاً بكوارث (لا يمكننا أن ننسى رمي الكعبة بالمنجنيق، وقتل أحفاد رسول الله(ص)) إلى العصر الأموي، بكل ما حمله من تناقضاتِ شديدة الغرابة والتغريب، فرغم كل الفتوحات، ظهرت لأول مرة في التاريخ العربي-الإسلامي، صفة العرش
والكرسي، (وهذا أمرٌ آخر سنعود إليه في مقالة أخرى)، ذاك أن الممالك العربية السابقة (المناذرة والغساسنة) كانوا أمرآً آخراً وحالةً أخرى، أي أنهم كانوا أشبه بجمهوريات الموز في أميركا الجنوبية أوالجمهوريات الأفريقية، أي أنها ممالك بلا حولٍ ولا قوة وضعها الآخرون، لاستعمالها فحسب. وتطورت الأمور بشكلٍ تصاعدي مفاجئ، ووجد العرب/المسلمون آنذاك أنهم أمام احتمالات عديدة، وبلادٌ واسعة لاحتلالها والاستفادة منها، ولكي لا ندخل في سجال حول هدف المسلمين من تلك الفتوحات، فهل كان الهدف هو نشر الإسلام، أم الاستفادة من خيرات تلك البلاد؟ ذاك أمرٌ لا يعنينا ههنا، طالما أن القسر هو المقصود. فالقسر الذي لا يدوم، بدأ من تلك الأيام، وعلى كل الناس، فمن كانوا من غير الأمويين أو من غير المشايعين لهم، تعرضوا للقسر بشكلٍ مستمر، وللظلم، والقتل والتنكيل والتشريد، وليس هناك أبرز من قضية الإمام الحسين(ع)كدليلٍ على ما أقوله. وعانى الناس، وساد القسر، رغم كل ما حكته كتب التاريخ، والتأريخ عن العمران والبنيان وكل ذلك، وكان القسر على أناسٍ دون آخرين، وكما في حالتنا اليوم، كان البعض يحكمون، والآخرون يداسون كل يوم. وظهرت مرحلة المدينة/الحاضرة، العاصمة المركز، وهو أمرٌ كذلك لم يعرفه العرب، رغم ما كان لديهم من مدنٍ مهمة، لكنهم لم يكونوا قد عرفوا الامبراطوريات بعد، لذلك كان تحول "دمشق" المدينة المدهشة البعيدة إلى حدٍ ما عن شبه الجزيرة العربية -المختلفة بجوها وبطبيعتها كذلك- لكي تكون نقطة المركز في قلب الدولة الحديثة، وكان كل الأمر كما يتباهى الكثيرون بأن بلادنا لم تكن تحكم إلا من قبل حكامنا، أي أمير المؤمنين آنذاك -كما كان يلقبون وقتها- ولكن السؤال الذي يتأتى إلى الذهن، هل كنا فعلاً نحكم من قبل جهة حاكمةٍ عادلة؟ أو قد اختيرت من قبل الشعب المحكوم؟ ليس هناك من دليلٍ واحدٍ على ذلك، بل إن الشواهد كلها تشير إلى العكس، فالأموين مثلاً، حكموا بناءاً على التراتبية العائلية البحتة فحسب، والعشائرية الدقيقة، والقبلية الضيقة، دون أي مراعاةٍ لرأي الشعب أو العامة. لذا كان القسر عاماً، ولكنه لا يدوم!

العصر العباسي: وارتدى القسر لباساً أسود!
ومدت المرحلة الثانية يدها بسرعة، فرحل آخر الخلفاء/أمراء المؤمنين الأمويين ليأتي أول خليفةٍ عباسي، حاملاً لواء التغيير والتجديد، ولكنه كي يمهد للمرحلة التي يهوى رسمها، دعي بالسفاح، ويكفي أن ننظر للإسم كي نعرف أي نوعٍ من القسر كان سائداً أو كان سيسود. وعرف الكثيرون الرخاء، حتى ليقال بأن الرخاء/الفساد الذي عرفته البلاد آنذاك، وخصوصاً في بغداد (هنا أيضاً يشار أن العاصمة/المركز قد عادت لشبه الجزيرة العربية من جديد، وهو يمكننا أن نجد له العديد من التبريرات)، فقد بلغ أشده، حتى أن عدد القيان والجواري في تلك المدينة الغناء -حاضرة الدولة العباسية وعاصمتها الأشهر- بلغ ما تعداده نصف سكان المدينة. وهذا أمر يوضح لنا كيفية الحياة هناك آنذاك، ولكن كيف حال سكان جوار بغداد، وخارجها، وبعيداً عنها؟ هل كانوا أحياءَ أصلاً؟ هل كان هناك من يهتم إن كان القسر يتسلقهم. تساءلٌ آخر، هل كان الناس فعلاً يحكمون؟ سواء من داخل بغداد أو خارجها، وهل كان العباسيون مختلفين عن سابقيهم الأموين؟ وهل كانوا خارجين عن نطاق العائلة/العشيرة/ القبيلة الضيق؟ كالعادة الشواهد تشير بوضوح إلى صحة الأمر الحزين، كان العباسيون مثل الأموين بالضبط، هذا إن لم يكونوا أسوأ، من جهة التنكيل بخصومهم، أو نظام حكمهم العسكري الشديد البطش.
وعرف الكثيرون الازدهار، ولكن القسم الأكبر لم يعرف، ولم تمر عليه تلك الأيام، فمن عادى النظام لقي ما لاقاه المعارضون للنظام السابق، وهكذا دواليك، استمر القسر، وارتدى لوناً آخر هذه المرة، وتلونت بلادنا بألوان الدولة العباسية السوداء، حتى لكأنما صار الأسود لوناً متشابكاً للقسر والحزن سوياً. وتأرجح أحلام البسطاء، محاولين اعتنقاء أي ذرة أمل لتبعدهم عن ما يمرون به. وتأرجح القسر طويلاً ههنا، وتوسعت الدولة العباسية، وصارت امبراطورية بلا نهاية، تبدأ من أفريقيا لتنتهي عند حدود الهند أو ما أبعد من ذلك. ولكن ما يبدأ بسرعة، ينتهي بسرعةٍ كذلك، وكما يوضح عنوان المقال، كان أوان رحيل الدولة العباسية، ويمر هولاكو والمغول معه على بلادنا ليبدأ عصر جديد من عصور الدويلات والممالك والمماليك، وقسر جديد، وحزنٌ جديد.
يتبعّ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور