الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولدي .... من الموت الي الحياة

أسعد أسعد

2006 / 4 / 2
الادب والفن


لقد بدأت حياة الانسان علي كوكبنا هذا من تراب الارض أرخص مادة في الوجود ... مادة مرفوضة مُنفّرة و مكروهة من الجميع فمَن منا يريد أن ينام علي تراب أو أن يسقط بعض منه علي ملابسه ألا نقول حينئذ إنها قد اتسخت و إذا ما سقط بعض الماء علي هذا التراب فإننا بكل اشمئزاز و تقزز ندعوه وحلا
لكن في يوم ما خارج التاريخ في البداية السحيقة انحني الله علي هذا التراب و أخذ منه بيديه و شكّله في أبدع صورة تخطر علي بال إنسان أو حتي ملاك .. . لقد شكل الله صورته هو ذاته علي هذا التراب و اقترب منه و نفخ في أنفه نسمة حياة فصارت هذه الصورة البديعة الرائعة نفسا حية ... و كأني بالله في أبوته يبتهج جدا و يفتح أحضانه لهذا الكائن البديع الذي خلقه توا من تراب و يري صورة ذاته فيه و يحتضنه الي قلبه و حُب دافق قد فاض منه بعمق و هو يناديه هامسا... ولدي
و إذا كانت هذه الصورة تؤثر فيك يا قارئي العزيز فان هذا المشهد لم يدم طويلا فقد تمرّد هذا الابن المحبوب علي أبيه و استمع الي نصيحة خِصم أبيه و طلب المعرفة و الحكمة بعيدا عن حِضن أبيه بل طلب أن يرتفع و يتعالي و أن يكون ندا لأبيه فكان لابد لأبيه أن يُعيده أيضا الي التراب الذي أخذه منه و هو يكبت في أعماقه أنّات و زفرات حزن عميق ترددت في الكون كله حتي الي أبواب الأبدية ... ولدي
و عندما خرج هذا الابن من حضن أبيه ليمارس الحكمة و المعرفة التي طلبها لنفسه فإذ به يُحيل خليقة أبيه الي مستنقع وحل من حياة التعب و البؤس و الشقاء لا تعرف العدل و لا الاستقامة و لا الطهارة فالاخ يقتل أخيه و الزوج يقهر زوجته و الابناء يقومون ضد أبيهم و العصيان في كل مكان و الموت يسود علي الكل و يهرع الله خلف الانسان بالتّرائي و بالوحي و بالعجائب و بالانبياء ينادي ويطلب و يسعي و أحشاءه و مراحمه تضطرم و هو يُرسل زفرات ألمه في وجدان الخليقة كلها .... ولدي
و لم يكن سامع و لا مصغي فالانبياء قتلوهم و الرسل جلدوهم و صنعوا لانفسهم عجولا و عبدوها و ساروا وراء تصوّرات قلوبهم عن الآلهة و قدّسوها فقد انمحت صورة الله من ذاكرة الانسان فنسي من هو فجعل الانسان من ذاته إلاها لنفسه و سجد لنفسه فعبد قوة جسده و جمال جسمه و حكمة عقله و لما طغي عليه اليأس من كل تصورات قلبه كفر بكل شئ ... بذاته... و بوجوده ...و بعقله... و بآلهته و بماضيه و بمستقبله و راح يعيش في حاضره يأكل و يشرب لانه غدا يموت و كلّما زادت الهوة و تعمقت الحفرة بينه و بين أبيه كانت الصرخة مازالت تأتي الي اذنيه كهمسة خافتة من بعد سحيق ...... ولدي
الآن قد نسيني الانسان ... هكذا قال الله عن ولده الذي جبله من التراب ...و طبع فيه صورته و جعله غاية قلبه و حبه... فقرر أن يخطو بذاته اليه ... فلا الأنبياء نفعوه و لا الرسل أقنعوه... فها أنا آتىاليك ياولدي بصورتي التي جبلتك عليها... فهيأ لنفسه جسدا من امرأة أصلها كباقي الناس من تراب ... فصار الله أمام الانسان بذاته بحبه و عطفه وحنانه ... فلقد ظن فيه الانسان بطشا فإذا به رقة ... و ظن فيه الانسان جبروتا فإذا به رحمة ... و ظن به الانسان عنفا و قسوة و صرامة فإذا به محبة و فرحا و سلاما .... ضُعفاء التفوا حوله فشدّدهم ... مرضي هرعوا اليه فشفاهم ... أمواتا ذهب هو اليهم و أقامهم ... و قال للجميع أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي ... من رآني فقد رأي الآب ... انا و الآب واحد ... فانفض عنه الكثيرون و لم يتبعه الا القليلون وحتي هؤلاء لما جاءت ساعة ظلمة البشرية انفضوا عنه فحاكمه الذين يكرهونه و يكرهون الله بتهمة أنه جعل نفسه ابن الله ... و صنعوا له مساميرا بايديهم التي صنعها لهم الله و قطعوا شجرة مما أنبتها الله و كتبوا له علته ...مركزه الذي أعده له الله .... "ملك اليهود" ... و صلبوه فكسروا بينهم و بين الله جميع العهود فصرخ الله بصرخات لم يفهمها الانسان لكن فهمتها الطبيعة فتزلزلت الارض و غابت الشمس و اظلمت السماء و كانت هذه المرة صرخة غضب مدوي .... ولدي
لكن الصوت الحنون هَمَسَ الي قلب الآب الملكوم ...أبتاه... إغفرلهم يا أبتاه لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون... فصمت الآب و ترك المشهد لابنه الذي جلبه و لابنه الذي ولده ... فسخر التراب من المولود و استهزأ به و عايره بضعفه و كيف لا يستطيع أن ينقذ نفسه و أين الله هذا الذي يدعي أنه اباه ... فصرخ المولود الي بارئ الوجود الهي الهي لماذا تركتني ... فصار همس الانبياء عبر التاريخ في أذني المعلق المولد ... لهذه اللحظة أنا دعوتك و لهذه الساحة أنا ولدتك ... من أجل أن ترفع صلواتك و تشفّعاتك عن أخيك أنا بذلتك ... و لتُبين له إني أحبه تماما كما أحببتك ... و ليصير حبي له ظاهرا في موتك عنه ... فنكّس المولود رأسه و الي أبيه أسلم روحه ... يا أبتاه في يدك استودع روحي ... و أسندها علي صدر أبيه و مات ... و لم يسمع الانسان الصرخة التي كتمها الله في قلبه و هو يدوي بها في صدره .... ولدي
ثلاثة أيام مضت و ثلاثة ليال انقضت و ذهبت حواء خائفة مرتعدة تبحث عن المصلوب الذي دفنوه و لم يكملوا حنوطه بسبب الوصية الثقيلة السبت التي لم ترحم و لم تستثني حتي جسدا مسجيا فارقته الحياة فلا بد أن يدخل القبر و ينتظر فالوصية قاسية و ثقيلة و تسود حتي علي الأموات و لم تعرف حواء آن ذاك إن المصلوب بموته يكون قد أكمل آخر متطلبات الوصية... الموت ... ولما دخلت القبر كان الحجر الثقيل مزحزحا و الجسد غير موجود ... ضاع .... سرقوه ... أين وضعوه ... يا مريم أول ما نطق به الابن المقام من الاموات ... أول كلمات ينبس بها بعد أن غلب الموت الي الابد ... و كأن الاب يقول لها كما قادك الخصم الي الموت فها أنا أقودك الي الحياة ... و كما حملت بشارة الموت الي ابن التراب فها هو الابن المولود يحمل لك بشارة الحياة اليه ... يُحمّلُك اياها فاذهبي و احملي كلمة الحياة لابني التراب.... قد قام اخوك المولود ناقضا الموت و هو آت اليك ليهبك الحياة ... و مضت مريم اليهم و لم يُصدقوها فأتي هو اليهم و وقف في وسطهم و مد كفيه و كشف قدميه ... و واحد منهم اقترب اليه و لمسه في يديه و في جنبه و في قدميه فخر علي ركبتيه .... ربي و الهي .... هكذا قالها و هكذا نطق بها ... و اخذهم و انطلق بهم و قال لهم الي كل العالم اذهبوا و قولوا إنني حي و الي كل انسان أخبروا ما عليه لله شئ ... فأنا دفعت و أنا سددت و أنا دمي عنكم بذلت .... الموت قد غلبت و العدل قد أرضيت .... مَن قَبِلَكُم قَبِلني و مَن آمن بي بروحي أحييت .... و نظر اليهم و إذا به يرتفع عنهم رويدا رويدا حتي اختقي و صوت الآب يخفق في داخلهم ...ولدي
و من يومها كل إنسان تراب سمع نداء المولود و أتي الي الآب به أحس بروح الحياة تدب في روحه... و سمع نفس الهمسة الابدية الرقيقة في قلبه من السماء تأتي الي روحه .... ولدي
و أنا سمعتها فهل تسمعها أنت أيضا يا ولدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي


.. صباح العربية | الفنان الدكتور عبدالله رشاد.. ضيف صباح العربي




.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها