الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة المعاطف الرئاسية. . رواية كابوسية مطعّمة بالسخرية السوداء

عدنان حسين أحمد

2018 / 9 / 13
الادب والفن


صدرت عن "دار الحكمة" بلندن رواية "ليلة المعاطف الرئاسية" للكاتب محمد غازي الأخرس وهي باكورة أعماله الروائية التي تتمحور ثيمتها الرئيسة على الخطف والقتل والترويع غبّ سقوط النظام الديكتاتوري السابق ومجيء السلطة الجديدة التي أذكت الصراعات والفتن الطائفية وهيّجت رواسب الماضي السحيق، ودفعت بعض العراقيين إلى حافة التوحش فلا غرابة أن يطلق بعض النقّاد توصيف "الأدب الوحشي أو الكابوسي أو السوداوي" على العديد من الروايات المعاصرة مثل "مَشْرحة بغداد" لبرهان شاوي، و "قَتَلة" لضياء الخالدي، و "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي وسواها من الروايات العراقية التي رصدت العنف الطائفي منذ 2003 وحتى الوقت الحاضر. ولا تشذ "ليلة المعاطف الرئاسية" عن التوصيفات الثلاثة أعلاه لكنها تنفرد بالقسوة المضاعفة، والأجواء الغريبة الناجمة عن تماهي الواقع الدموي المُفجع، بالخيال الفنتازي المُجنّح.
تقوم الرواية برمتها حدثين متوازيين، الأول يستدرج فيه الجنرال كوكز ضحيته التي يسمّيها الروائي أولاً بـ "القارئ" ثم "القارئ - الكاتب" لاحقًا، ويصطحبه معه، رغم اعتراض زوجته، في دبّابته برحلة ليلية طويلة تبدأ من شارع القناة وتنتهي بمعسكر أميركي في شارع المطار. فيما يبدأ الحدث الثاني عندما يذهب المدير عوّاد، في رابع أيام عيد الأضحى لاستعادة أبنائه المُختطَفين الثلاثة، ويموت، من الخوف ربما، إثر مناوشة بين جنود أميركيين وجماعة مسلّحة ثم نكتشف تباعًا أن أولاده الثلاثة قد قُتلوا بدمٍ بارد وكدّسهم السائق في المقعد الخلفي، بينما ينحشر الضحية الخامسة "حيدوري" في صندوق السيارة التي يقودها أحد تلامذة المدير السابقين. وفي السياق ذاته يتم اختطاف زوج زينب، ابنة المدير عوّاد، لكنه يتدارك نفسه بدفع فدية كبيرة ويهاجر إلى الدنمارك مباشرة على أمل لمّ شمل العائلة لاحقًا.
لا يستغرق الحدثان الروائيان أكثر من ليلة ونصف نهار قادم لكن زمنهما الواقعي يمتد إلى ثمانينات القرن الماضي واندلاع الحرب العراقية - الإيرانية وما خلّفته من آثار وخيمة على طبيعة المجتمع العراقي الذي أنجب في خاتمة المطاف شخصيات معطوبة ذهنيًا كتلك التي نراها تتحرك على مدار النص الروائي الذي تفوح منه رائحة الدم والموت والخراب. أما الشخصيات فهي كثيرة ولا تقتصر على أبطال الحدَثين المُشار إليهما سلفًا، فهناك شخصيات تتوالد ضمن النسقين السرديين للرواية لكنها سرعان ما تتلاشى أو تكتفي بأدوار هامشية تساهم في تأثيث المتن السردي مثل سالم نعيم، خلدون سامي الشمّاع، شلومو إسحق، حجي دنيّن، والعريف المظلي الذي نُقل إلى الملحقية العسكرية في نيودلهي وتعرّف إلى فتاة هندوسية ثم هرب معها إلى كشمير ليصبح أثرًا بعد عين.
يكشف الحدث الأول عن خلفية عائلة عوّاد عبداللطيف الموحان، مدير مدرسة البواسل الابتدائية، وأولاده الثلاثة صباح وصبري وليث الذين لقوا مصرعهم على أيدي الخاطفين، كما نتعرف على زوجته "رباب" وابنته زينب التي كانت تتواصل مع أبيها عبر الهاتف النقّال قبل أن يفارق الحياة في تلك الليلة المشؤومة. أما البنات الأربع فكنّ مجرد رقم ضمن السياق السردي للرواية.
فيما يعرّي الحدث الثاني شخصيات أخرى أكثر أهمية في تفعيل الجانب الدرامي للنص الروائي أبرزها الجنرال كوكز، والقارئ - الكاتب، والشاعرة والباحثة السوسيوكولوجية علياء مطر، المُلقبة بـ "الخاتون" التي تكتب عن الخوف الإنساني وفقًا لمفاتيح ألفريد أدلر وفرضية الشعور بالنقص، وقد أنجزت أطروحة الدكتوراه المعنونة "المقاييس السوسيوكولوجية الثابتة لنمط الشخصية العراقية الشجاعة" ونالت عنها درجة الامتياز، وحظيت باهتمام "الرئيس" الذي قلّدها وسامًا رفيعًا، وأغدق عليها لقب "أدلر العراقية".
أشرنا إلى أنّ ثيمات هذه الرواية متعددة كالخطف، والقتل، والاحتراب الطائفي لكن الثيمة الأبرز التي تهيمن على النسق السردي هي ثيمة "الخوف" التي تستدعي دراسة الشخصية الجبانة، والوقوف على أسباب ذعرها وهلعها من الموت. فالفكرة التي قدَحها عريف مظلي في القوات الخاصة بتشكيل "فوج الانتصار على الخوف" ستتفرع إلى هيئات، وفرق طبية خاصة بفحص جثث الجبناء والمتخاذلين لاستخلاص المعادلات التشريحية، والتوصل إلى آخر مستجدات نظرية الجينوم البشري التي هرّب أبحاثها طالب ألباني إلى روسيا لكن المخابرات الأميركية سرقت نتائجها، ثم وصلت إلى أيدي الصرب والأتراك قبل أن تقع في أيدي المخابرات العراقية الناشطة في أوروبا لتجد طريقها مباشرة إلى مكتب الرئيس. لم تُضمّن الخاتون أطروحتها نتائج البحث التي توصلت إليها لذلك ظلت المعادلة لُغزًا سرّبته الشاعرة إلى القصائد، والقصائد موجودة في ديوان، والديوان مخبأ في خِزانة مُقفلة لا يمكن فتحها إلاّ بشيفرة سرّية مؤلفة من عشرين رقمًا. وعلى القارئ - الكاتب الذي خطفه الجنرال أن يؤول هذه القصائد ويكتشف المعادلة التشريحية.
تبدو شخصية القارئ - الكاتب غامضة ومثيرة في الوقت ذاته، فقد ورث الخوف من جده ساطع مدهوش، لكنه تفوّق في دراسته الجامعية، وحصل على امتياز عن أطروحة دراسته العليا التي تناولت "أثر الخوف في استمرار الحرب في العراق. . . دراسة سوسيوكولوجية" التي أشرفت عليها الدكتورة علياء مطر لكنه وقع في حبها فخفّف قليلاً من فضاء الرواية الكابوسية التي يتداركها المؤلف بين آونة وأخرى بالسخرية السوداء، والمواقف الطريفة، والمفاجآت المدروسة التي تكسر الإيقاع السوداوي القاتم. لم يكن القارئ- الكاتب جبانًا كما أُشيع عنه، فقد انتقم لمقتل والده الذي أعدمه الرائد حمدان خالد شلش في الخط الخلفي لجبهة العزير.
تحتاج خاتمة الرواية إلى فكّ الاشتباك، ففي ظهيرة اليوم الثاني يجد "الكاتب" مخطوطة سميكة ذات غلاف أزرق عنوانها "ليلة المعاطف الرئاسية" لكنها تخلو من اسم المؤلف، وفيها ظرف مفتوح يضم نحو عشرين قصيدة مكتوبة بحروف واضحة ورشيقة بخلاف الرواية المكتوبة بخط مرتبك وضعيف. وحينما استفسر عنها من الخيّاط الستيني أجابه من فوره بأنه عثر عليها في جيب معطف كان يتدثر بها أحد القتلى، وحينما دلّه على قبر القتيل قرأ الشاهدة المكتوبة بقلم الماجك: "هنا يرقد القارئ . . هنا يرقد الكاتب"! عاد الكاتب بالمخطوطة فوجد الجنرال متأهبًا في دبابته وهو يذكّر ضحيته قائلاً:"كما وعدتك لم تستغرق المهمة سوى ساعات. . هيّا بنا".
لا شك في أن أحداث الرواية أوسع من هذه الدراسة النقدية المُقتضَبة التي اقتصرب على البنية المتوازية للحدثين اللذّين انطلقا في ليلة واحدة وانتهيا عند "المعسكر- المقبرة" في ظهيرة اليوم التالي من دون أن نتوقف عند "العلاّسين"، والمخطوفين الآخرين، والمعدومين أمام عوائلهم وذويهم، أو القتلى الذين تحوّلوا إلى كائنات عجائبية "لا هي إنسيّة ولا جنيّة، لا وحشيّة ولا أليفة"، موضوعات كثيرة استمد بعضها من التاريخ القريب مثل قصة كوكز راهي شنّون الذي سُمّي باسم الضابط البريطاني كوكس الذي كان يغنّي مع فضيلة فضربه "عون" بمحراث التنّور وظنوا أنه مات فدفنوه لكن فضيلة أنقذته ولم يعد إليهم أبدًا. هذه القصص، ورسائل الجنود، وحكايات أخرى مستمدة من قاع المجتمع العراقي منحت الرواية نكهة ميتا سردية قد نتوقف عندها في دراسات نقدية قادمة.
جدير ذكره أنّ الروائي والباحث محمد غازي الأخرس قد أصدر ستة كتب أخرى نذكر منها "المكَاريد"، "خردة فروش"، "قصخون الغرام" الذي حاز على جائزة الإبداع العراقي لعام 2017.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة