الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النار الأزلية !

مظهر محمد صالح

2018 / 9 / 17
الادارة و الاقتصاد


النار الأزلية !

د. مظهر محمد صالح

10/9/2013 12:00 صباحا

د.مظهر محمد صالح
تطلعت الى مغيب الشمس بعد ان ضاع مشرقها وأنا في وسط الظهيرة وكأنني امسك بذيول آخر الليل لأقفز فوق فوهة الغروب واتخطى النجم ودوران القمر وانا احلم في البحث عن مفاتيح السعادة وقدمي الساخنة تقف على ارض لا تمتلك القدرة إلا على حبس الشمس في محاجرها!! التفت الى صاحبي قائلا له: ان آخر الليل لم يخلق للمناقشة الا في هذه الواحة النفطية الملتهبة التي اضحت بلا ليل ولا نهار! انها منطقة من سطح الارض استقر فيها معنى واحد للحياة هو ان تتوارى فيه فكرة النهاية خلف النار الازلية ولا معنى للزمان او المكان. ادركت من فوري أزيز اللهب وهو منشغل بحماس يتسلق اعمدة نارية مدهشة امتدت صعوداً وبثبات، وهو يحاكي الشمس ويلتمس منها بأن تكف عن الانبثاق وينصحها بالعودة الى كبد السماء بعد ان صد قبلها طلائع ليلنا الهابط وترك واحاتنا بلا مشرق او مغرب. ولم تستظل تلك الواحات الا بضيائها الساطع الذي دفعت به النار الازلية بلا وعي ، ما افقدتنا - نحن بني الانسان - ظلنا الحقيقي وتحجرت بوصلة دربنا من دون ان ندرك غاياتها او نعي اين هو منتهاها. كما تركتنا النار نتكهن بساعة القمر التي قد يبزغ ضياؤه او يغرب دون ان يوحي بنهاية شيء في واحة النفط الملتهبة!.
قلت لصاحبي: أتطمع في الخلود في هذه الاجواء النارية التي خلا مشرقها قبل مغربها؟ قال كلا، انها واحات من نار تسحق سماء بلادي بأبخرتها الغاضبة منذ سبعين عاماً وليس لضوئها نهاية، فقد استعصت طويلا على الذاكرة ونحن نبحث عن آخر رماد لها لنتلمسه!.
قلت في سري: اين هو المشرق ومتى يحل علينا المغرب في هذه الواحات التي تدفع بضياء نارها المحترقة طلائع النهار خارج دائرتها لتحجب الشمس وهي تلاحقها لتعود بها الى كبد السماء بقوة بلهاء ساطعة؟ اجابتني الرياح مستدركة من فورها وهي غاضبة تطوي في تلافيفها لهب الليل وحرارته قبل لهب النهار وسخونته وهي لا تزال في شغل شاغل، وظيفتها تلاحق النار الازلية في عمل دؤوب من اعمال الطبيعة، لتخبرني بأن الشروق في هذه الواحات المشتعلة قد امسى مصدره باطن الارض وليس كبد السماء كما عهدتم يا معشر الارض من بلاد النفط ! فقلت لها: ماهو الخير من ذلك؟ فأجابت وهي تغادرني، ان الخير للانسان ان يِحرق ولا يحُرق...!! فنحن اركان الشعلة الازلية منذ يوم احرقتمونا قبل سبعة عقود في واحات النفط الملتهبة، نرمي بغازاتنا من باطن الارض وندفع بها الى اعالي السماء، نبحث عن الامل في كوكب آخر مثلما انتم تبحثون عن الثروة في هذا الكوكب!!.
رمقتني الرياح شزراً، واستدارت راجعة مسرعة كرة أخرى، لتبلغني، قبل ان ترحل ، ان مجموع ما تم حرقه من غاز بلادنا المصاحب للنفط في النار الازلية (وهي النار التي تمارس دور الشمس والقمر فوق ارض الواحة النفطية) قد زاد متوسطه على عشرة ملايين دولار يومياً خلال السنوات السبعين الاخيرة. اما العلاقة بين اسعار النفط واسعار الغاز فهي علاقة وثيقة متلازمة، فعندما يباع كل (الف) قدم مكعب من الغاز على سبيل المثال بـ (15دولاراً) فهذا يعني ان برميل النفط المكافئ هو بسعر (92دولاراً). وعلى الرغم من ذلك ، فأن ما يحتويه الغاز من وحدات حرارية قياسية تماثل (سدس) ما يحتويه برميل النفط من وحدات مكافئة له، واللافت ان التقلبات الجوية ومواسم الطلب على التدفئة هي التي تتحكم بأسعاره بنسبة تتراوح بين 50 بالمئة الى 80 بالمئة من اسعار الغاز في السوق العالمية. ويلحظ ان تسويق الغاز بصورة سائلة في بواخر نقل الغاز، يتطلب تكنولوجيا تتولى تبريده الى درجة حرارة هي (ناقص162مئوية) ليتاح ضغطه الى كميات ثمثل ( واحد من ستمئة) من حجمه الاصلي، وعندما يتم تسلمه في مراكز الشراء، يحول الى حالته الغازية ثانية وتتم اعادته الى حجمه الاول ليتاح تمريره في انابيب متخصصة تذهب به الى المصانع او المنافع العامة وغيرها.
ختاماً، فاذا كان الانتفاع من الغاز او الاستثمار به وتسويقه يتطلب تبريده اولاً قبل حرقه لتوليد طاقة مفيدة او منتجة في المجتمعات الصناعية، فان هدر الغاز وتبذيره في المجتمعات التي لا تنتفع به يتطلب حرقه والتطلع الى ناره الازلية الناجمة عنه لتوليد متعة مزيفة باردة قوامها ابخرة لا تترك سوى التلوث الذي لا يزال جاثماً على صدورنا و يجتر همومنا!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 29-6-2024 بالصاغة


.. هل تسعى الجزائر إلى منافسة المغرب في تصدير الطماطم إلى أوروب




.. ملف الاقتصاد في المناظرة الرئاسية الأميركية.. ترامب الأقوى


.. التحدي الاقتصادي يتصدر أولويات الرئيس الإيراني الجديد وسط تض




.. عمرك شوفت زراعة السمسم.. زراعة 15 ألف فدان بمحصول المنتج الذ