الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حملة دعم ناجي صبري الحديثي

علي شايع

2006 / 4 / 2
الصحافة والاعلام


قبل أن ينفي ناجي صبري الحديثي وزير الخارجية العراقي السابق ما أوردته شبكة أن بي سي الأمريكية من خبر عن تلقيه رشوة مقابل معلومات قدمها لوكالة المخابرات الأمريكية،سارعت معظم وسائل الإعلام العربي إلى تكذيب الخبر.
صياغات هذا التكذيب،ونفي صحة الخبر،وردت باحتراف عال،واستخدامات لغوية مختارة بعناية،فما تناقلته الصحف والفضائيات العربية ورد بصيغة جاءت كعهد دائم للكثير من الإعلام العربي في خلط الخبر بالرأي،وهو من المآخذ الكبرى عليه،حيث يتضح للمتابع اللبيب بيسرٍ ملامح هذا الخلط المتعمد، وهو يقرأ الخبر كما جاء في وسائل إعلام عربية مهمة بصيغة:"مزاعم عن تقديم ناجي صبري الحديثي معلومات لوكالة المخابرات الأمريكية مقابل المال"..
واستخدام مفردة "مزاعم" لم يأت اعتباطاً هنا،ف(الديسك مان) أو محرر الأخبار في الصحيفة أو الفضائية العربية لابد أن يكون مطلعاً على المعنى والدلالة في استخدام كلمة دون أخرى فهو لم يستخدم كلمة "شكوك" أو"ادعاءات" أو غيرها من عشرات الاستخدامات الدالة على خبر من مصدر هو محل ثقة في مرجعيات الأخبار لديهم،وهذا المصدر الغربي يَحسِبُ ألف حساب لكل شاردة و واردة، لكن المحرّر العربي أعتمد مفردة "مزاعم" لأن فيها جزماً ضمنياً على ما لا يوثق به من أحاديث،والقول هنا لأبن منظور صاحب لسان العرب،وهو ثاني أثنين في دنيا المعاجم العربية ولعلّه المرجع الأهم،فأبن منظور يورد في كلمة"مزاعم"تفصيلاً دقيقاً يلخص أصول هذه الكلمة واستخداماتها في الشك المتجه إلى التكذيب دائماً،بل هو التكذيب بعينه لأنه يقول نصاً:" ومن عادة العرب أن من قال كلاماً وكان عندهم كاذباً قالوا زعم فلانٌ".
ويا لعادات العرب مع أهل العراق،فمن عادة إعلامهم تكذيب أي خبر فيه للعراقيين على حساب حكومة ظلمتهم نصيب..
وإذا جاءت هذه الواقعة بين ثنايا ذكرى الحرب الثالثة فإن لنا فيها من الدلالات الكثير،فهذا الإعلام أفرز تجربة فريدة ما سبقها إليهم من أحد،حيث ادعوا الاستقلالية والحياد،في وقت ناقض فيه ما ينجز لهم من أخبار ومتابعات وبرامج هذا الادعاء..والأصح الزعم، الذي بدا واضحاً وجلياً لكلّ مشاهد أو قارئ أو مستمع، فكلّ خبر يردّ عبر وسائل إعلامهم وفيه للعراق ذكر ستلمح في تفاصيله شنشنة محرّرٍ لم يتحرّر بعد من حبٍّ شغفه بالديكتاتور وأعوانه.

خبر ناجي صبري الحديثي لم يكن خبراً عابراً،وهو غير مرتجل من شبكة أن بي سي الأمريكية،وإن له مرجعيات وأوليات تعود إلى سنوات مضت، فالعالم يتذكر تصريحات مدير الاستخبارات الأمريكية السابق جورج تينت في مقابلة معه عام 2004 من أن وكالتهم حصلت على معلومات مهمة قبل الحرب من مصدر رفيع مقرّب من الرئيس العراقي،وأشارت الدلائل كلها إلى الحديثي لعدم ذكر اسمه بين المطلوبين في القائمة الشهيرة.
المحرّر الذي حرّر خبر الحديثي الأخير نقلاً عن وسائل إعلام غربية تناسى كلّ هذا ونقل خبره بعقيلة"المؤامرة التي تريد بهذه الأمة شراً"،فقوله بالزعم، فيه من الدعم المعلن للحديثي ما تشي به الكلمات و( المكتوب مقروء من عنوانه)،ولو كان المحرّر محايداً لقال بالشك،والادعاء،لأنه لا يملك إثباتاً أمام ادعاء وكالة أنباء أجنبية أخرى نقلت خبراً ما،فهو أما أن يكون على يقين تام بكذب هذه القناة الأجنبية المعتدّ بأخبارها،أو هو على يقين أكثر من براءة الحديثي.
وإذا افترضنا أن محطة مشهورة مثل المحطة المذكورة لها باع طويل في الإعلام ولم يعرف عنها ميل فضائحي ادعائي دون توثيق حتى الآن ،ستجازف بنقل أخبار عن رجل خرج من معترك السلطة وهو الآن غير ذي نفوذ يخشى منه إثارة بلبلة أو رفع دعوة مقاضاة،لأنه لائذ بالتخفي..فهل يعقل أن تكون مثل هذه المحطة غير آبهة بردة فعل المخابرات المركزية الأمريكية التي تدعمها قوانين أمريكية صارمة،و بامكانها مقاضاة أي محطة إعلامية عن أي خبر أو تقرير كاذب؟..
أم إن للإعلام العربي في القول بالزعم زعم جديد لهم بأن هذه الشبكة الأمريكية تابعة للمخابرات الأمريكية؟!.
نعم ربما أختلط الأمر على المحرّر فظن أن كلّ مصدر إعلامي لابد أن يكون تابعاً إلى جهة مخابراتية،أو ربما كان لهذا الخلط في ذهن المحرّر صلة لم يع سرّها فانفرطت إلى هذا القول،فلعلّ المحرّر يعلم إن ناجي صبري الحديثي كان ملحقاً صحفياً للعراق في لندن،وقد عمل مع فريق مخابرات عراقي كلّف بتأسيس أضخم إمبراطورية إعلامية عربية وقتذاك،حيث أصدر صحفاً عربية مدعومة من النظام العراقي،وكانت تدار بإشرافه ومجموعة من أفراد المخابرات العراقية ممن يرتبطون بشكل أساس ب"السيد النائب" قبل انقلابه على الرئيس ليدخل بوابة المجد الديكتاتوري من أوسع أبوابها العسكرية والإعلامية بدعم عربي كبير،كان فيه الحديثي ومن معه يديرون شبكة علاقات واسعة كلّفت عطاءاتهم وهباتهم فيها شعب العراق خسائر بملايين الدولارات..الشبكة العلاقاتية هذه أثمرت للطاغية وأعوانه رصيد إتباع لا يعدون ولا يحصون، كان من بينهم نجل أول رئيس تحرير مجلة أصدرها الطاغية بدعم منه في لندن،عيّن في التسعينيات ناطقاً رسمياً في فضائية عربية خبرية دعمت الطاغية وواصلت مشوار الدعم لأعوانه،وناصبت كلّ المعارضين لهذا النظام العداء.هذه الفضائية أسست لأسلوب صار محط تقليد وعرف إعلامي عربي،لا يخرج عن سطوته مصدر إعلامي بسهولة،فالإثارة والمشاكسة حجة لهم غير أن ما وراء الأكمة وراءها.وهي معروفة ومشخّصة وليست في موقع مقارنة أو في محلّ عجب واستغراب،بقدر ما يكون هذا عن إعلام عربي آخر من فضائيات وصحف مهمة، فليس من العدل أن نعامل بالبراءة كلّ هذا الزخم من الأخبار والبرامج الممعنة بالمغالطات،وأن نأخذها على محامل حسن الظن،فالمعروف أن للصحف العربية والفضائيات من المحررين كوادر معروفة الحرفة،على الأقل فيما يتعلق باللغة واستخداماتها،وإذا فاتهم في سابق الوقت التنويه إلى أخطاء أكبر،فها ننبههم إلى هذا الخطأ،لأن الخبر كما ورد بصياغته العربية يحمل تضامناً ودعماً للحديثي في الحملة التي سيشنها أحباب "القائد الضرورة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-