الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما ايسر بيت قلته؟ هدية مشاغبة الى الحزب الشيوعي العراقي بعيد ميلاده

صائب خليل

2006 / 4 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قبل فترة كتبت مقالة انتقد فيها اختفاء اليسارية في مواقف الحزب الشيوعي العراقي مقارنة بأكثر الأحزاب اليسارية اعتدالاُ حتى في اوروبا (http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=49036 ) وكانت ردود الفعل ايجابية اكثر من المتوقع حتى من الشيوعيين انفسهم.

وقتها جاءني "العتب" الوحيد من صديق شيوعي يلوم موقفي ويراه ظالماً يجافي الواقع وأن الحزب يتخذ مواقف يسارية واضحة. والحقيقة اني كنت أشعر بخيبة امل من المواقف, او بالأحرى من اللامواقف المتتالية غير المفهومة للحزب الشيوعي الذي كنت آمل منه ان يمثل ضغطاً يسارياً يدفع بالموقف السياسي العراقي شديد اليمينية الى توازن ما, ويمثل تهديداً لتلك الجهات بسحب جماهيرها منها ان هي بالغت في اغراق البلاد في السياسات اليمينية والكوارث الإقتصادية التي تصحبها عادة, حين تكون الساحة لها وحدها كما في العديد من الأمثلة في البلدان المتخلفة.

كان املي متواضعاً جداً ومناسباً لحجم وظروف العراق, لكني لم ار في المواقف المتكررة حتى الحد الادنى لليسارية بحيث ان فكرة اليسار وخطر الخصخصة ومحاذير العولمة, وكلها تجارب عالمية كثيرة وواضحة لمن يريد ان يقرأ, لم تكن حتى مطروحة على الساحة السياسية العراقية لا في المفاوضات ولا في كتابة الدستور ولم يحسب لها اي حساب حيث لم يكن هناك من يطرحها, وكما قيل "لاخير في افضل الأفكار ان لم يكن لها من يمثلها."

وبالرغم من ان صحافة الحزب الشيوعي كانت غنية بمثل هذه المقالات والدراسات, واحاديث ممثليه في الإعلام لا تخلو من اشارات يسارية, الا ان صوت اليسار هذا بقي على صفحات الجرائد ومواقع الإنترنيت واحياناً على شاشة التلفزيون, ولم يجد مكاناً على الواقع السياسي كموقف حزبي ولم يمثل خياراً للناس في الإنتخابات. فالحزب كحزب لم يقل كلمة يسارية صريحة إلا نادراً ولم يشترط اية شروط يسارية في محادثاته وتوافقاته, حسب علمي. و"حسب علمي" هذا مهم, فإن كانت مثل تلك الشروط موجودة فالمفروض ان تكون معلنة للناس وإلا كانت عديمة المعنى في سريتها. والحقيقة اني لم ار في مواقف الحزب خلال السنوات الثلاثة منذ سقوط صدام ما يشير الى انه اكثر يسارية من مقتدى الصدر!

العراق كان وما يزال يمر بأزمة خطيرة ويواجه تهديدات مصيرية من قوى هائلة, أجنبية وعراقية تهدف الى امتصاص ثروته ونهبها, لذا كان الأمل بممثل لليسار يتواجد على الساحة ليراقب وينبه ويكون مصباحاً في الظلام, وتهديداً يحسب له بعض الحساب, كان املاً هاماً جداً. ولذلك كانت خيبة الأمل كبيرة أيضاً.

لذا, فعندما عاتبني صديقي مدافعاً عن مواقف حزبه, اثار في داخلي كل تلك الخيبة الكبيرة وذلك الفرق الشاسع بين ما هو مؤمل وبين ما حصل. وحين قال بأن مواقف الحزب كانت يسارية ومرضية في ظروف العراق والحزب, لم اجد ما اجيبه به حتى أسعفتني ذاكرتي بموقف مماثل من تأريخ الأدب العربي:

كان الشاعر حسان بن ثابت يشكو النابغة الذبياني ان هذا كان يمتدح الخنساء اكثر منه, رغم ان شعره كان قوياً لايقل عن شعرها حسب رأيه. التفت الذبياني الى الخنساء وقال لها: كلميه انت يا خنساء. فالتفتت الخنساء الى حسان وقالت له: ما اشعر بيت قلته؟ فأجابها ببيت (لم اعد اذكره), فراحت تعدد له نقاط الضعف قائلة قلت كذا ولو انك قلت كذا لكان افضل, وقلت كذا وفي ذلك كذا من الضعف ولو انك قلت كذا لكان اقوى..الخ حتى عددت له عشرة نقاط ضعف في بيت واحد كان يعتز به اكثر من اي بيت اخر قاله!

التفت الى صديقي وقلت له: ما ايسَرَ موقف اتخذه الحزب؟ تفاجأ صاحبي بالسؤال ولم يعط جواباً محدداً, ولو كان هناك جواب محدد لموقف يساري واضح في قضية هامة كان للحزب فيها دور يقفز الى الذاكرة لما احتار صاحبي. قال أن الوضع في العراق خطير ولا احد يهتم باليسار واليمين. فقلت له وما دور الحزب في هذه الحالة؟ هل كان للحزب اي جهد لإثارة اهتمام الناس باليسار واليمين وخطورة ذلك الإختيار, وهل هناك دور يستطيع فيه الحزب ان يفعل للعراق خير من هذا الدور؟ ان ينبه الناس الى الخطر الآخر, ويسهم في تجنيب العراق ان يؤخذ على حين غرة لتوجيه اقتصاده توجهاً لاعودة منه, في عقود طويلة الأجل طويلة الألم, وتنبيه الناس ليضطر الآخرين من السياسيين الى اخذ مصالح الناس بنظر الإعتبار وان يخشونها؟

وما هذا الإغراق في الإستسلام لفكرة ان لا احد يهتم بالسياسة الإقتصادية, وأن احداً لايدرك خطر اليمين وان لا احد يهتم حقيقة باليسار وان احداً لن يصوت له وأن علينا ان نكون "واقعيين" ونتصرف حسب حجمنا؟ اما كانت هناك فرصة كبيرة لكسب اصوات الرافضين للطائفية والإرهاب واللصوص معاً لو كان للحزب صوت واضح؟
ذهب صاحبي منزعجاً من انه لم يتمكن من الدفاع عن حزبه كما يود, وانتهى الأمر عند هذا الحد.

قبل ايام ذهبت لزيارته فدعاني لقراءة بيان اصدرته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي عن اجتماع اعتيادي. والحقيقة اني وجدت في البيان تطور نحو الأمام في التغلب على "الخجل من اليسارية" الذي كان يبدو مسيطراً على الحزب. فلم يكتف البيان بالإعتراض على خفض البطاقة التموينية بل جاء ناقداً محذراً من الـ "استجابة لنصائح وضغوط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واعضاء نادي باريس" وأن ذلك سيؤدي الى " طرد الدولة من ميدان الاقتصاد، والتدمير التدريجي للطاقات الانتاجية المحلية" وكذلك طالب بـ"ا لعمل على ايقاف عمليات الخصخصة في الظروف الراهنة" وكل تلك العبارات تطور واضح بالنسبة الى قراءتي للسياسة السابقة للحزب الشيوعي العراقي الذي كان يبدو اكثر حرصاً على علاقاته الشخصية بالشخصيات السياسية العراقية من حرصه على موقف مبدئي ولو بالحد الأدنى, والذي يفترض ان يعطيه شكلاً مميزاً عن الأحزاب الليبرالية, بل أنه كان يبدو حريصاً على ان لا يبدو مختلفاً عنها في شيء.

انفتح النقاش ثانية فقال صاحبي: لم وجهت نقدك لنا نحن فقط؟ الا ينطبق كل ما قلت على بقية الأحزاب ايضاً؟ فأجبته لأني اعتبر النقد "معروفاً" وأرى الأقربون اولى بالمعروف.

وهذه المقالة ايضاً ليس الإضرار هو المقصود منها بل ما هي الا هديتي الى الشيوعيين العراقيين بمناسبة ميلاد حزبهم الثاني والسبعين. من المتوقع ان لاتروق تلك الهدية للعديد ممن ارسلها لهم لكني احببت ان ارسل شيئاً اراه افضل من التحايا والتهنئات والبطاقات الملونة. شيء ان لم يستطع ان يغير افكاراً فربما يثير نقاشاً ومراجعةً خاصة في هذا الوقت في انتظار مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي الثامن.

آمل ان يتخذ الحزب اجراءات تعزز شكله اليساري ولا اقول الشيوعي أو حتى الأشتراكي. فأنا لا ادعوه الى التأميم وحصر وسائل الإنتاج بالدولة والتضامن الأممي ..الخ, بل الى الموقف اليساري البسيط الذي تتجرأ على اختياره الكثير من الأحزاب حتى في الدول الرأسمالية ويلتف حوله الكثير من الناس, حتى من الكارهين للشيوعية والإشتراكية. أن بعض اليسارية ليس مرفوضاً بشدة حتى من اميركا, فقد تعودت التعامل معه عند الضرورة. وحتى اميركا نفسها لا تخلو من قوانين يسارية الطابع وإن كانت تهاجم بإستمرار.

أن ما ادعو اليه ان يزيد الحزب احترام يساريته اكثر مما يفعل الآن فلا يتنازل عنها مقابل اي شيء غامض, او حتى لاشيء. ما ارجوه ان تترجم تلك "الآراء" التي نشرت في بيان الحزب الذي ذكرته اعلاه الى شروط في المفاوضات وإلى حملات توعية مبدعة تستفيد من الخبرة المتراكمة لليسار العالمي في هذا المجال, والى إحراجات وضغط على القوى السياسية التي تدعي الدفاع عن مصلحة الشعب. أن تترجم الى مواقف ونشاطات تضع العراقيل امام ناهبي العراق الجدد وتدفعهم الى التنازل على الأقل عن بعض طموحاتهم خوفاً من توجه الجماهير الى البديل اليساري, وهو ما حصل في اوروبا بعد الحرب الثانية.

ما اتمناه هو ان يكون رضا اليساريون العراقيون عن احزابهم اصعب منالاً وان يشترطوا على انفسهم الشروط القاسية التي اشترطتها الخنساء على اشعارها لتفخر بها, ففي الموقف الصعب الذي يمر به العراق لايصلح التساهل مع الذات الذي كان لحسان بن ثابت مع شعره.

أخيراً اتمنى ان يقبل لصاحبي وحزبه هديتي المشاغبة هذه بعيد ميلاد الحزب, وان يكون لهما قريباً جواب واضح حين يسأل احد الحزب مستقبلاً: ما أيسر موقف وقفته؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي تداعيات إبطال محكمة العدل الأوروبية اتفاقيين تجاريين م


.. إسرائيل تستعد لشن هجوم -قوي وكبير- على إيران.. هل تستهدف الم




.. واشنطن بوست: تساؤلات بشأن مدى تضرر القواعد العسكرية الإسرائي


.. مسيرات تجوب مدنا يابانية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة




.. رقعة | كيف أبدل إعصار هيلين ملامح بلدات نورث كارولينا في أمر