الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكيماوي الأمريكي الحلال

مصطفى مجدي الجمال

2018 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


أحد الليبراليين (اليساري سابقًا للأسف) لا يرى في الحرب السورية إلا بعدًا واحدًا.. هو البعد ”الكيماوي“ أي استخدام النظام السوري المزعوم للأسلحة الكيماوية وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليًا. ولا يكف هذا الشخص عن تحذير النظام من كون الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وأن ”المجتمع الدولي“ لن يتسامح مع هذه الجرائم، وأن محاكمتهم دوليًا حتمية إن عاجلاً أو آجلاً.
شاغبته بقولي: ”إذن الجرائم الأمريكية والغربية عمومًا- المثبتة تاريخيًا والمعترف بها رسميًا وأكاديميًا- لن تسقط بالتقادم، فلماذا لا تدعو إلى محاسبة الولايات المتحدة وإسرائيل وكل الدول الغربية التي أفرطت على مدى التاريخ المعاصر في استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا؟“
ضربت له مثلاً باستخدام الغازات السامة في الحرب العالمية الأولى، حيث استخدمت كل الأطراف غازي الكلورين والخردل. وتقول الإحصائيات إن إجمالي الإصابات بالغاز في هذه الحرب بلغ أكثر من 1,2 مليون إنسان، منهم حوالي 91 ألفًا لقوا حتفهم.
رد عليّ بمنطق مِعْوَج : إذن كل الأطراف استخدمتها.. وبالتالي لا مجال للمحاسبة بينهم بعد الصلح، كما أن هذا كان حافزًا كي يضع "المجتمع الدولي" فيما بعد قيودًا وعقوبات حاسمة على استخدامها.
في الحقيقة فاجأتني إجابته بأن التشريعات الحديثة ضد جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية لا تسرى على الممارسات الأسبق عليها لأن ”القانون لا يسري بأثر رجعي“!!
صعقتني الإجابة الوقحة.. ولم أجد ردًا مناسبًا عليه سوى باللجوء للمزيد من الحقائق الدامغة عن جرائم الولايات المتحدة وحدها. قلت لن أتحدث عن العراق وأفغانستان لأن "مجتمعك الدولي" مازال عاجزًا عن كشف الحقائق كاملة، ناهيك عن الحساب. سأكتفي بالحديث عن حرب فيتنام التي لم يعد أحد ينكر وقائعها.
فالقاذفات الاستراتيجية من طراز بي 52 والتي تطير على ارتفاعات شاهقة قد ألقت على شمال فيتنام 8 ملايين طن من القنابل (خاصة قنابل الألف رطل) في الفترة من 1965 إلى 1973، أي حوالي ثلاثة أضعاف ما ألقته أمريكا في الحرب العالمية الثانية. ومعنى هذا الرقم أن نصيب كل مواطن في فيتنام الشمالية كان 300 طن من القنابل.
لم يقف الإجرام الأمريكي عند هذا الحد من إلقاء القنابل الجهنمية شديدة الانفجار، واتباع أسلوب الضرب المساحي (أو "القصف السجادي") فاستخدمت العديد من القنابل الحارقة المضادة للأفراد، ومن أشهرها النابالم، وهو عبارة عن مزيج من البترول مع مادة مكثفة تنتج هلامًا (جِلْ) يحرق جلد الإنسان والحيوان. وتقول التقارير إن ثلاثة أرباع المصابين بالنابالم في فيتنام قد وصلت حروقهم للعضلات والعظام، أي حروق من الدرجة الخامسة. كما كانت الصدمة والآلام الناتجة سببًا مباشرًا للوفاة.
أما القنابل العنقودية فالولايات المتحدة هي "عرابها" الأول. وهي قنابل بكل منها حوالي 250 بلية تنفجر عبوتها قبل السقوط لتصيب الأفراد في مساحة واسعة دون حاجة للتنشين.. ثم أضيفت المسامير إلى القنبلة، وبعد ذلك أضيفت إبر بلاستيكية تخترق الأجسام ولا تستطيع أشعة إكس اكتشافها، ومن ثم تحدث تشوهات فظيعة في أعضاء الجسم يعجز الأطباء عن معرفة أسبابها أو علاجها في الوقت المناسب.
ومن أفظع الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة استخدام المبيدات الكيماوية (المسماة "الوسيط البرتقالي") لحرق وإزالة الأحراش التي كانت قوات الفيتكونج تستخدمها في حرب العصابات كمقار وكمائن، وتقول التقارير إن عام 1969 وحده شهد تدمير أكثر من مليون هكتار من البيئة الغابية بهذا الأسلوب الهمجي الذي لم يصب النبات وحده وإنما كان له تأثيرات كروموسومية على البشر مما أحدث تشوهات عضوية أصبح الأطفال يتوارثونها حتى الآن، حيث يولدون بلا أطراف أو عميانًا أو مصابين بشلل الحبل الشوكي بمتلازمة داون (الطفل المنغولي)..
وتقول تقارير الصليب الأحمر في فيتنام إن الإعاقة قد لحقت بأكثر من مليون فيتنامي، فضلاً عن عن وفاة نصف مليون بسبب مشكلات صحية متفاقمة جراء استخدام الأسلحة الكيماوية وغيرها من المحرمة دوليًا.
لم يقتصر الأمر على الأحراش، وإنما امتد إلى المحاصيل الزراعية باستخدام مادة أخرى أسميت "الوسيط الأزرق"، فقد كانت الذريعة الحربية هي حرمان العدو من الغذاء. وظلت السلطات الأمريكية متمسكة باستخدام الوسيطين البرتقالي والأزرق حيث بلغ ما ألقت منهما على فيتنام 72 مليون لتر.. إلى أن اضطرت عام 1974 إلى التعهد بالتوقف عن استخدامهما، خاصة بعد الحملة التي اشترك فيها خمسة آلاف عالم أمريكي بينهم 17 من الحائزين على جائزة نوبل..
لا شك أن السنين القادمة كفيلة بالكشف عن مزيد من جرائم أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وغيرهما ضد الشعوب بالأسلحة التقليدية وغير التقليدية، في وقت تصارع بشراسة من أجل حرمان "أعدائها" من استخدام ذات الأسلحة.. مطمئنة في ذلك إلى ليبراليين وعملاء محليين يتسلحون بفكرة "الأثر الرجعي" أو فكرة "الأثر الجانبي" للدمقرطة العنيفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عيب اليساري حاليا
فؤاد النمري ( 2018 / 9 / 20 - 17:51 )
ليس من شك في أن اليساري سابقاً كان قد أدان جرائم الإمبريالية الأميركية بل إن بوش الإبن الرئيس الأميركي أدان واستنكر الإرث الإمبريالي للولايات المتحدة
لكن ما عسانا نقول في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تقترفها عصابة الأسد وقد استدعت كل القوى الفاشية الأجنبية لتقتيل الشعب السوري
كيف ليساري حالياً يسكت على بيان عصابة الأسد الذي نشر أسماء ثمانين ألفا ماتوا في سجونه

كيف تدافع عن نظام قتل الملايين من شعبه ؟
لك يا مصطفى بعد اليوم ألا تصدق نفسك بأنك يساري
ولك أن تعلم بأنني أعتبر مختلف اليساريين خونة


2 - عاشت الايادي و المحاججات لكن هناك المنا فق
علاء الصفار ( 2018 / 9 / 21 - 00:08 )
هناك من يعو ا بالماركسية من الصباح للمساء يعبد ستالين ويحي الغزو الامريكي للعراق ليصيح الله حي تحرير امبريالي لغزو الهمجية الامريكي,ان ثقافة الغرب وامريكا تعلم البشر على ان امريكا قوة تحرير ضد الشيوعية بعد ان قدم السوفيت 20 مليون شهيد,هكذا دخلت امريكا الصراع مع الشيوعية من الايام الاولى لسقوط الفاشية الهتلرية,بهذا عملت امريكاوبريطانيا على تلميع وجهها بكونها حاربت هتلر ليس الا لوجه عيون ملك الاردن الهاشمية حسين الغارقة في الخيا ن النذ لة والعجيب لا يخبرنا الماركسي الدجا ل عن جرائم ملك الاردن لا عن جريمة غزو العراق, التي هي غزو العولمة التي نوه عنها كارل ماركس,فقال أن الراسمالية إذ لم تسقط بالثورة الاشتراكية فستقوم بالهجوم على الشعوب الفقيرة للنهب, إذ أن الراسمالية لها سقف في امر الازمات الدورية وسيأتي يوم لا تزول الازمةالاقتصادية,و لنعيش اليوم توقعات ماركس بحذافيرها. ألا ان الماركسي الدجا ل لا يلتقط جرائم الراسمالية ولا جرائم بو ل بر يمر أم جرائم الصهيونية العالمية من فيتنام مروراً بهايتي فجيلي وجزر الفكلاند والى الصومال فالعراق وافغانستان, كل هذايطمس والاسد يبقى شوكة بعيون الصعاينة !ن


3 - ردًا على العزيز النمري
مصطفى مجدي الجمال ( 2018 / 9 / 21 - 01:44 )
لا أعرف من أين حكم الأستاذ النمري في تعليقه بأنني أدافع عن نظام الأسد!! لينطلق من هذا إلى إخرجي من الملة تقريبا.. كل ما قلته تعقيبا على حديث شخص ليبرالي.. والمقال كله عن أمريكا وليس سوريا.. ولا يعلم السيد النمري أنني المصري نقدت النظام السوري في جامعة دمشق عامي 2000 و2001.. وعموما ليس كل نقد للإمبريالية دفاعًا بالضرورة عن أنطمة برجوازية شمولية

اخر الافلام

.. التبوريدة: فن من الفروسية يعود إلى القرن السادس عشر


.. كريم بنزيمة يزور مسقط رأس والده في الجزائر لأول مرة




.. بعد إدانة ترامب.. هل تتأثر فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية ا


.. لابيد يحث نتنياهو على الاستجابة لمقترح بايدن بخصوص اتفاق غزة




.. الوسطاء يحثون إسرائيل وحماس على التوصل لاتفاق هدنة في غزة