الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصلاح على طريقة الاسلاميين

بشير جاسم

2018 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


أعقب الاحتلال الأمريكي للعراق وتولي أحزاب الإسلام السياسي للسلطة فيه تفشي ظواهر اجتماعية سلبية على نطاق غير مسبوق ومنها على سبيل المثال لا الحصر اختلاس المال العام والرشوة والاحتيال وتعاطي المخدرات والتفكك الأسري وانتشار الجريمة المنظمة وغيرها من الظواهر الأمر الذي أدى إلى انهيار المنظومة القيمية وانتشار قيم جديدة تقوض الاستقرار والسلم المجتمعي وقد تمثلت استجابة أحزاب الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي بان طرحت تفسيرا ايديلوجيا جاهزا لاستفحال هذه المجموعة من الظواهر فهي تراها انعكاسا لضعف التكوين الأخلاقي للناس الأمر الذي عدته نتيجة لضعف الالتزام والوازع الديني، إذن فالمجتمع عليل ويعاني من امرض خطيرة وهو بحاجة لعلاج عاجل .على هذا النحو شخصت الأحزاب الإسلامية الوضع ولا اضن أن هناك من يختلف معهم في حاجة مجتمعنا للإصلاح والعلاج، لكن ما هي طبيعة العلاج المقترح ؟ يرد الإسلاميون أن المجتمع العراقي بحاجة إلى إعادة تأهيل أخلاقي وتربوي. ولكن كيف السبيل إلى ذلك ؟ يجيب مفكرو الأحزاب الإسلامية وأصحاب القرار فيها إن العلاج بسيط وفي متناول اليد فإعادة المجتمع إلى جادة الصواب ممكن من خلال الوعظ الديني والأخلاقي وتذكير الناس بالمواظبة على أداء الشعائر الدينية في أوقاتها المحددة ووفقا لوصف دقيق بالاظافة إلى الترغيب بالجنة والترهيب من النار، كل ذلك أملا في تحقيق التغيير المنشود في سلوك الإفراد وعلى هذا النحو راح الشيوخ يعظون الناس في المساجد ومن على شاشات القنوات الفضائية ويذكرونهم بضرورة الاقتداء بالنبي وال بيته وصحابته والتخلق بخلق القران والتحلي بالصدق والنزاهة وعدم التجاوز على حقوق الآخرين وممتلكاتهم والابتعاد عن ما نهى عنه الإسلام و الملاحظ أن هذا الأسلوب الذي اعتمده الإسلاميون طمعا في تحقيق الإصلاح المجتمعي يحقق استجابة فورية لكنها آنية وهي لا تتجاوز التأثير النفسي المؤقت على المستمعين فالتأثير لا يمتد ليشمل تغيير سلوك الإفراد المستهدفين بالإصلاح .فالمصلين في المسجد أو المشاهدين لأحدى الفضائيات الدينية ما إن يستمعون إلى الشيخ وهو يلقي خطبته والتي تشتمل في العادة على جرعة انفعالية عالية حتى يهتز كيانهم ويسيطر عليهم الانفعال فنجد هذا المصلي أو المستمع وقد سالت دموعه على خديه وطأطأ رأسه بخشوع ووجل لكن ما إن يغادر المسجد وما إن ينتهي الشيخ من وعظه على القناة التلفزيونية حتى تتلاشى تلك المشاعر والانفعالات السامية فيعود الناس إلى سيرتهم الأولى من الانغماس في ذات المظاهر السلبية التي نهو عن إتيانها


أن هذا السلوك الذي يبدو متناقضا والذي كثيرا ما يدفع شيوخ الإسلام السياسي لوصم من يمارسه بالنفاق وضعف الإيمان يخفي خلفه رغبات وأحلام وآمال والآم أولئك الناس الذين لا يقل إيمانهم بأي حال من الأحوال عن أيمان الشيخ الذي يعضهم لكن المشكلة إن شيوخ الأحزاب في العراق يعيشون في عالم آخر يختلف جذريا عن عالم العراقي العادي الذي يعاني من غياب مستلزمات الحياة الأساسية الخدمية والأمنية فالشيوخ من الحزبيين يستمتعون بحياة مرفهة حيث القصور الفارهة والمواكب ذات السيارات المصفحة التي قد يصل عدد المركبات فيها إلى العشرات وهم يتنعمون بخدمات من النوع الذي لم يكن يخطر على بال هارون الرشيد أو لويس الرابع عشر. والذي يحصل إن هذا المواطن المسكين الذي يجلس في المسجد أو أمام شاشة قناة دينية لا يملك إلا أن يسلم عقله للشيخ الذي يصور له الأجواء النقية والطاهرة التي كانت تسود المجتمع الإسلامي الأول حيث النبي وصحبه وال بيته يمثلون العدالة المطلقة والمجتمع المثالي الفاضل والمستمعون للشيخ يحلمون بالتأكيد أن يعيشوا في هكذا مجتمع وهم يقارنون بوعيهم أو بلا وعيهم بين هذه الصورة المشرقة التي يرسمها الشيخ ,ببراعة يحسد عليها ,وبين واقعهم المزري والذي يفتقر للعدل ويضج بالتنافس غير الشريف والصراع بين المسلمين أنفسهم لذلك فالانفعالات والمشاعر الجياشة التي يظهرها المستمعون للشيوخ عند تفاعلهم مع خطبهم هي في غاية الصدق لان ما يحرك مشاعرهم هي الرغبة في تغيير واقعهم الذي يرفضونه بقوة والأمل في مستقبل أفضل فما يدفعهم إلى الانفعال والعاطفية ليس أفكارا مجردة عن الحق والعدالة كما هو الحال بالنسبة للشيوخ المتحزبين والذين كثيرا ما ينهون عن خلق ويأتون بمثله أو بأسوء منه من دون الشعور بالعار أو تأنيب الضمير فلا صوت يعلو فوق صوت المصلحة الشخصية بالنسبة لهم.أما لماذا لا يغير من يستمعون إلى خطب الشيوخ سلوكهم فلأن العالم المثالي الذي يصوره الشيوخ لا وجود له حيث يعيش الناس في العراق هذه الأيام، فحين لا يتوفر مصدر للعيش المشروع وحين تضيع العدالة ويسود قانون الغاب فيستقيل القانون ويتحول إلى حبر على ورق فان السذج فقط هم الذين يتوقعون أن يتصرف الناس مثل الملائكة وذلك بصرف النظر عن قوة إيمانهم الديني أو ضعفه.

ولنا أن نتساءل هل أن تدهور القيم وتفككها في مجتمعنا هي السبب في شيوع الظواهر الهدامة كما يدعي الإسلاميون أم أن العكس هو الصحيح؟ أي أن تلك الظواهر السلبية هي نتيجة لسياسات القوى والأحزاب الإسلامية الحاكمة وبالتالي فان النهج الكارثي الذي اعتمدته أحزاب السلطة في أدارة البلد قد أنتج ثمارا مرة والانهيار الخلقي والتفكك ألقيمي ليس إلا واحدا من تلك الثمار

لقد استباحت الأحزاب الحاكمة وعلى رأسها الأحزاب الإسلامية ثروات البلد الضخمة وحولت الوزارات وغيرها من مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات تدار من قبل رؤسائها فراحوا يتسابقون على تكديس الثروات المنهوبة من الشعب وتحويلها إلى حساباتهم في الداخل والخارج ,وكل حزب بما لديهم فرحون ,وهم لم يكتفوا بذلك بل أنهم حطموا عن قصد أو عدم كفاءة قطاعات الاقتصاد العراقي المختلفة فالصناعة أضحت أثرا بعد عين أما الزراعة فحالها ليس اقل سوء كما أدى انخفاض التعريفة الكمر كية على السلع المستوردة إلى الإجهاز على ما تبقى من المنتجات الوطنية. وهذه العوامل وغيرها أدت إلى ارتفاع هائل في نسب البطالة وفي ذات الوقت فان الأحزاب الحاكمة تشتكي من عدم القدرة على توظيف المزيد من المواطنين في القطاع الحكومي ,وذلك بصرف النضر عن المؤهلات العلمية التي يحملونها, وتنصح الحكومة الباحثين عن عمل أن يولوا وجوههم شطر القطاع الخاص ويصعب معرفة عن أي قطاع خاص يتحدثون ففي ظل الفساد المالي والإداري وإغراق السوق بالسلع المستوردة الرخيصة وانعدام الدعم الحكومي للمشاريع الخاصة وغياب التشريعات التي تسهل عملية الاستثمار يصبح الحديث عن القطاع الخاص في ظل هكذا ظروف اقرب إلى الأسطورة منه إلى الواقع .أما الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وغيرها والتي يعد توفرها من البديهيات في الدول التي تحترم شعوبها فقد صارت ضربا من الترف يقتصر التمتع بها على على النخبة من ساكني المنطقة الخضراء وإذا اظفنا إلى هذه التشكيلة الجهنمية من المشاكل غياب القانون وانتشار الجماعات المسلحة عند ذلك ندرك إن المواطن العراقي يرزح تحت وطأة ضغوط اقتصادية وأمنية ونفسية لا تطاق .
على أحزاب الإسلام السياسي أن تدرك إن اسلوب الوعظ قد ينجح في تقويم سلوك الأطفال ما دون العاشرة لكنه بالتأكيد اسلوب بائس في التعامل مع شعب بنا حضارة يمتد عمرها إلى أكثر من خمسة آلاف عام فهو شعب ناضج ولا يحتاج إلى وصاية احد أما ما يحتاجه العراقيون حقا فهو أن يصلح ساسة العراق سلوكهم وخلقهم وذلك بان يديروا البلد على أساس الوطنية والكفاءة وبعيدا عن الطائفية والقومية والحزبية والعشائرية وان يقلعوا عن سرقة المال العام وان يعملوا على وضع خطة عاجلة لإنقاذ الاقتصاد وتوفير فرص العمل والخدمات عند ذلك فان الظواهر السلبية الطارئة سوف تختفي تلقائيا والاهم من ذلك إن الشعب العراقي سيستعيد كرامته المهدورة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا