الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطور مدرسة الحيل الشرعية العربية

خالد عبدالله

2003 / 3 / 18
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

كاتب عربي يقيم في وارسو


ينبغي على من يجهر بالاستخفاف بقدرات النظام العربي الإبداعية أن يتوقف قليلا، فقد تكون سهامه طائشة. فمن يتابع الممارسات السياسية العربية سيفاجأ بنوع جديد من المهارات تنبئنا بأننا دخلنا حقبة جديدة من المناورات السياسية العربية لم تكن مألوفة تماما. وعلى جدة أشكال هذه المناورات إلا أن منبعها واحد، فهي تستقي من نبع مذهب الحيل الشرعية. ومن قبل كنا نعتاد على نوع واحد من المخاتلة، الموافقة على قرارات الجامعة العربية ثم حلف اليمين المغلظ على عدم تنفيذها. وكان البعض حتى يدخل منطقة الحرام فارغ الصدر من الهموم وعاري الضمير من الشكوك يلجأ لمذهب الحيل الشرعية، فيصر على إضافة جملة بعد بعض القرارات تؤكد أن تنفيذها مشروط بعدم تعارضها مع قوانينه الداخلية. وقد كانت هذه على ما أذكر طرفة في أروقة الجامعة العربية، لأنها تفيد بجهل المجتمعين بقوانين بلادهم التي قلما يستعملونها، ولأنها، أي القرارات، لم تخالف ميثاق الجامعة العربية وبنود الاتفاقيات الجماعية الأخرى. فإذا كانت لا تخالفها، ومع ذلك فهي تتعارض مع قوانين هذه البلدان فمعنى ذلك أن هذه البلدان تلتزم بميثاق واتفاقيات معارضة لقوانينها. كما أنها كانت مفضوحة لأن هذه البلدان أعضاء في منظمات دولية تنفذ قراراتها حتى حينما تتعارض مع قوانينها، بل أنها تغير قوانينها كي تنسجم مع مطالب منظمة التجارة الدولية مثلا.

لكن النظام العربي جريا منه على عادته في اقتحام ميادين الحرام برقاب تتدلى منها التعاويذ الواقية من الأضرار، غادر ما ألفه من عادات قديمة وبدأ يحاكي شيخ الحيل الشرعية الأمريكي. فأمريكا تقول أنها ستدمر العراق حتى تبنيه، وتحلف أنها تبحث عن أسلحة دمار شامل في بلد يصرخ أنه لا يحوزها، وتصم الآذان عمن ينادي عليها، اسمعي أنا عندي أسلحة دمار شامل! والنظام العربي تلميذ نجيب يجيد المحاكاة بسرعة، ويتقن التقليد بمهارة، لكن الأصالة ليست من شيمه فالبحث عنها متعب والنظر فيها مقلق. فالتأسي بالأمريكان حداثة، ومتابعة مناهجهم راحة آنية، وضمانة مستقبلية. فالأمريكان لا يؤتمنون، فلطالما طلبوا الأشياء وأقروا الأفعال لكن سرعان ما ينسون أنهم طلبوا ووافقوا فيبدءوا بالتشنيع على من يقترفهما، فكيف بهم إن رأوا أشياء لا يعرفون أصلها. فأكثر المواطن أمنا وسلاما متابعة موضة الأمريكان حتى ولو انتهوا بعد حين إلى موضة أخرى.

وقد أمتعنا النظام السياسي العربي بنماذج جديدة من الحيل الشرعية. كانت أولاها في مؤتمر القمة العربي الأخير حينما قدم تعريفا جديدا للمشاركة في الحرب، فتقديم البنى التحتية والتسهيلات بمختلف أنواعها للغزاة ليست حربا، وجعل أرض البلد منطلقا للحرب ليست مشاركة، وربما سيكون تخصيص نسخ جديدة من " أبو رغال " أدلة لأبرهة الحديث ليست مشاركة. ولكن ذكاء الحيل الشرعية دائما مكشوف، لكن خطورته دائمة. فمثل ذلك لا ينطلي على أحد حتى في الأجل القصير، غير أنه يخلق سابقة في الأجل الطويل. وسيصبح المستقبل مفتوحا لكل المحاكين والمقلدين. ولن يقتصر الأمر على أن يفتح كل بلد أبوابه لجيوش أجنبية فهذا حاصل الآن ويبدو إن احتل الأمريكان العراق فسيصبح الأخير المنصة الأعظم لتهديد الكل صغيرا كان أم كبيرا. إلا أن الأخطر أن تصبح الثغور في بعض البلدان مناطق لجماعات مرتزقة أو مبدئية كي تنطلق منها في غارات على البلدان المجاورة. وحسب مفهوم الحيلة الشرعية الجديدة فهذا ليس مشاركة ويرفع المسؤولية. وسيعلم من أقروا هذه الحيلة أنهم لن يناموا في مضاجعهم هادئين بعد حين.

ولقد تسلى الكثير بمنظر الوزراء والمسؤولين في الحزب الوطني يقودون مظاهرة ضد الحرب على العراق وتأييدا للفلسطينيين. ولم يخاطر البعض منهم على قدر علمي بالصعود على أكتاف المتظاهرين لقيادة الهتافات. لكن الحيلة الشرعية هذه مكشوفة من لحظتها الأولى حينما قال القاصي والداني عنها أنها منعا لاستئثار المعارضة للشارع المصري. ولكن انكشافها سيكون كاملا حينما سيستقبل أركان الحزب الوطني شارون السفاح. أما تأثيرها البعيد فهي أن حجتها لدى الأمريكان ستكون ضعيفة فهي التي قد عبأت الجماهير المصرية ضد حربها على العراق. وحينما تنتهي أمريكا من مهمتها في العراق فستكون مساءلة النظام في مصر قوية. فأمريكا الجديدة لا تقيم وزنا للكبار فلم تقيم وزنا لمن يطلب مساعدتها. وبدل أن تطلق المعارضة وتستفيد من قوة الشارع المصري في مواجهة الطلبات الأمريكية أضعفت نفسها في محاولة لإثبات أنها تسيطر على الشارع. لكن الناس في الداخل والخارج شعوبا وحكومات تعرف الحقيقة حينما يروا على شاشات الفضائيات عدد الشرطة المحيطين بالمتظاهرين في مكان محدود. المنافسة تكون كذلك حينما تتوحد قواعد اللعبة وتنطبق على الجميع. فالحيلة الشرعية الجديدة مكشوفة للشارع ومغضبة للأمريكان. فهي قصر نظر واضح.

ومن أغرب الحيل الشرعية العربية أن الكويت التي تحتشد على أرضها عشرات الآلاف الأمريكية استعدادا لغزو العراق تطلب النجدة  العسكرية من بلدان الخليج. وهي حيلة ساذجة وناضجة في آن. أما سذاجتها فلأنها مكشوفة إن أرادت أن تعمي على الوجود الأمريكي. فالعراق ليس محتلا للكويت، فهو البلد الذي تحتل أرضه مباشرة وبالواسطة من خلال مناطق الحظر الجوي والتواجد للقوات الأجنبية على أرضه، وهو ينشد السلامة لأنه يدرك جسامة التدمير الذي ستلحق به. أما إن كانت تأتي بالقوات السعودية حتى تورطها معها فقد نجحت، فالسعودية بإرسال قوات لتكون جنبا إلى جنب مع القوات الأمريكية حينما تغزو الأخيرة العراق سيضع ثقلا كبيرا على السعودية سواء شاركت مباشرة أو غير مباشرة. وهذه الحيلة تشبه الحيلة الأمريكية حينما أرادت من حلف الناتو أن يرسل قوات إلى تركيا لحمايتها، فأدركت بعض البلدان هذه الحيلة ورفضتها، وبعد أن كشفت أغراضها لكل العالم قبلت بمساومة حولها. وما كان جديرا أن توضع السعودية في هذا المأزق. لقد خرق العراق ميثاق العمل العربي المشترك ويعاني النظام العربي لأعوام  طويلة من تلك الحماقة. وفي الوقت الحاضر توجه الكويت ضربة أخرى لهذا النظام العربي الذي يتحشرج قد تقضي عليه كاملا. ولا يمكن لوزر العراق حينذاك أن يبرر وزر الكويت في الوقت الحاضر. وإذا كان تبرير النظام العراقي حينذاك لم يجعل تصرفه مشروعا، فأن الحيل الشرعية الجديدة لن تجعل من خرق قواعد النظام العربي على هشاشتها حلالا.

****************

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البابا يحذر من الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي|#مراسلو_سك


.. في الذكرى 17 لسيطرتها على غزة...حماس تتمسك بـ-الرهائن- ورقة




.. انهيار السلطة الفلسطينية بالحصار المالي الإسرائيلي|#غرفة_الأ


.. انتخابات إيران.. هل يرجح الحرس الثوري كفة قاليباف على حساب ج




.. مساع دبلوماسية لتجنب المواجهات على حدود لبنان|#غرفة_الأخبار