الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نزيف قلم

محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)

2018 / 9 / 24
الادب والفن


مما نعلم جميعا، أن الكتابة عالم خصب، ومنقذ ينتشلنا من حالة الدمار إلى النشور من جديد، ونعلم كذلك، أننا بالكتابة نحارب الظلم، وبالقلم نتخطى المستحيل. إذن:
متى يحق لنا أن ندعي أننا نحسن الكتابة؟
بدأت القراءة شيئا فشيئا ثم غدوت أتذوق النقد ومحاورة كل ما رأته عيناي، وتمتم لساني به؛ لكن ما تبين لي أنه بين الكتابة والبيان علاقة وجودية، تحمل ما تحمله من سحر في الكلمات، ورصانة في الأسلوب، ورقة في الطبع، ثم جودة وخبرة في حسن السبك والحبك. ما رأيت يوما نصا فيما ينشر من لدن أشخاص لا يستحقون صفة كاتب أو أديب مغمورين، فمنهم من يكتب عن اللاشيء، وباللاشيء، حيث الكلمات منثورة بين السطور، بعيدة في المتخيل والمنظور، لا صرامة في المبنى، ولا بيانا في المعنى. ترى لمن يكتبون، علما أنهم لا يقرؤون؟
قد أكتب حتى وإن لم أقرأ الكثير، فالكتابة ليست مرتبطة كل الارتباط بالقراءة؛ لأنه يكفيك أن تتذوق لذة الأدب ورصانة في القراءة، وبعدئذ تترك المجال رحبا لقريحتك وما تفديك به من أحاسيس، ومن أساليب أدبية، مما يجعلها ترقى إلى مستوى الأدب.
اسمعوا وعوا- معشر الكتاب - واعلموا يقينا أن الأدب علم، قائم الذات، وعور لا يدخله شبق؛ فإن كنت تهوى المرأة بشغف، وتكره الرجال في نفور؛ فاعلم أنك في الطريق إلى الأنثى. ستكتب عنها كل الكلمات، وتجعل القراء الشاغرين يتأملون في طيشك ورعونتك، وأنت بدورك نسيت أن المرأة قيمة إنسانية في ذاتها ولذاتها. وقد تحمل تيمات عدة؛ كالأمة، والوطن، والمجتمع. فلا تستخف بها أيها المتطفل على الأدب، وأترك مكبوتاتك وشبقك، وشهواتك الجنسية ورغباتك العارمة، وقم حدا بينك وبين المرأة، فلا تجعلها ونفسك في محك مع الساحة الأدبية.
اسمع- رحمك الله- واعلم أن الشاعر لا يكون شاعرا، ولا يشعر بموهبة الشعر والشعراء، حتى يقيم حدا فاصلا قاطعا بينه وبين حياته الشخصية؛ كأن يأتيك من يدعي الشعر والكتابة، فيسألك في غباء وسوء أخلاق: متى سأتزوج؟ و من منكن ترغب في قضاء الشبق الذي تستشعره تجاه الحرمان العاطفي. وكذا تلبية رغبتها الجنسية الجامحة؟
ما موقع القراء من خربشاتكم هاته، علما أنكم تدعون الشعر، وتنتحلون صفات الشاعر والكاتب الفحلين؟
إلى كل طلبة اللغة العربية، بمختلف شعابها وتخصصاتها، مجالاتها وتقاطعاتها مع باقي العلوم المعرفية، إن أملنا في التغيير يقف عليكم، ومازلنا منتظرين ثورتكم على كل المتحايلين على الشعر، وما هم بقائلين شعرا فصيحا، ولا معتمدين لفظا أنيقا، ولا أسلوبا بليغا؛ حتى وإن كانوا طلبة يدرسون معكم في الشعبة نفسها.
قليلا من الموضوعية، لا يعقل أن تكتب عن نفسك وعن الآخرين، وأنت ما تزال تعاني خلالا عاطفيا، وضعفا جنسيا. قد لا تعلم معنى الموضوعية إن لم تكن موضوعيا مع ذاتك قبل الإبداع.
"إن الكلام طبقات، كما أن الناس طبقات"، وحسن اللفظ الرصين، وموضعه من المعنى، إنما هو تابع للمقام. فلا تدع قولك فندا، وشعورك رونقا وزيفا، فتطفلا على الأدب بشتى أنواعه.
قد نختلف في طريقة النسج، وفي كيفية اختيار الكلمات، زد على ذلك، التيمات وهي تعمل في نفوس حاملها في مجتمعه ومجالاته؛ إذ إن الكاتب المتمرس يخاطب العقول، ويكتب كي لا يموت، إنه منقذ العامة وسيدها، هذا إن كان يكتب عنها، ويجعل كلامه مرآة ينظر إليها كل من لا يدرك الكتابة، ولا يتقن فن القول والخطابة، فيجهل الخياطة وأدواتها، وخبايا النصوص وبحورها، ثم اتساقها وانسجامها، ومكوناتها وخصوصيتها.
فلنكتب لهم، لعلهم يقرؤون حياتنا في كتابتنا، ويعلمون أن الإبداع كالغيث؛ فإن كان الإبداع سلسا مقبولا في النفس، سليم التيمات، وجاد مبناه، وحسن معناه؛ فتلك علامة الإبداعية. وهذه مكونات الإبداع الجيد، "إذ يسري في النفس، كسريان النار في الهشيم"، "ويفعل في الأرض؛ كالغيث الكريم"، والذي تزدان به الأرض.
إن النقاد عامة، القدامى منهم والمحدثون، تحدثوا عن الناقد الجدير بالنقد، وعن الأدب المحبوك، الذي يقبل النقد بصدر رحب، إذ لا ينقص النقد منه ولا يضيف له شيئا.
فلنكن موضوعيّين في أقوالنا وأفعالنا، في حركاتنا وسكناتنا، حتى نترك للأجيال القادمة كلماتٍ رصينةً، ومعارف نافعةً، لا مشاعر تافهةً، ولا قوالب فارغةًًمن كلّ فائدة.
قليلا من الموضوعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي