الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطور الطبيعي للفساد

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2018 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


تعلمنا عن ثورة يوليو أنها قامت ضد الفساد، وأنها حرصت على ارجاع الحقوق الى أصحابها، وأنها عملت على مكافحة الفساد وبناء مؤسسات الدولة وجهازها الإداري القادر على متابعة ومراقبة وإدارة أموال الشعب ووضعها في مكانها الصحيح ومحاسبة الفاسد والسارق ومن أجل ذلك تم انشاء العديد من الجهات الرقابية التي تساعد على كشف الفساد في مهده، وهو ما لم يدم طويلا.
فيوم بعد يوم ترهلت هذه المؤسسات وأصبحت التقارير التي تقوم باعدادها لا تجد لها مكانا إلا الأرفف والأدراج حيث اصبح يعلوها التراب ولا يتم استخدامها إلا لعقاب الغير مرضي عليهم والخارجين عن طوع شبكة الفساد.
توغلت الواسطة في الهيئات والمؤسسات الحكومية وغابت الرقابة وأصبحت بمثابة عبيء على الدولة، وزاد نظام تعيين المستشارين من خارج هذه المؤسسات والذين هم في أغلبهم من ضباط الجيش والشرطة المتقاعدين في الأعباء الملقاة على عاتق هذه الهيئات التي أصبحت تأكل الموازنة العامة للدولة ولا ترقي أصحاب المهارات والمبدعين والخبراء ولكن تضع المناصب في يد الأكثر تزلفا والأعلى واسطة.
بل أن الفساد أصبح يطرد كل من يتمتع بالموهبة أو الشرف أو يتميز بالجدية ويحاول أداء عمله على أكمل وجه.
صارت العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة والسفلة في أعلى السلم الوظيفي وانقلب الهرم، ووصل حال البلاد إلى ما هي عليه الأن.
ولم يكتفي الفساد بالتفشي في المؤسسات والهيئات الحكومية ولكنه مثل الفيروس النشط صار يصيب جميع مناحي الحياة حتى صارت الدولة بأكملها مصابة بالعطن من أعلاها إلى أسفلها.
غاب القانون وعلا صوت البلطجة وتمكن الفساد واصبح كل من لديه السلطة أو المال أو كليهما معا قادر على فعل أي شيء بدون أي اعتبار للقانون.
بل أن الجريمة الوحيدة في هذا البلد أصبحت في ان تتمسك بالشرف وأن لا تنافق ولا تمالئ ولا تقبل بفسادهم.
فلم يعد عداءهم منصب على من يعمل على محاسبتهم على فسادهم فهؤلاء تم التخلص منهم والتنكيل بهم ولم تعد لهم القدرة على مواجهة ما يتعرضون له من ضغوط.
ولم يعد عداء هؤلاء مع من يعرض جرائمهم في حق البلاد والعباد على الناس من خلال وسائل الاعلام فكل هؤلاء قد تم اسكاتهم بطرق عديدة واغلقت الصحف والقنوات التلفزيونية وطارد الفساد ليس فقط كل صاحب قلم حر وانما كل صاحب موهبة وكل من يتمتع بشئ من المهنية، فلم يبقى الا الحثالة الذين يتمتعون بدرجة من الجهل لو وزعت على سكان الكوكب باكمله لعادت الارض الى العصر الحجري.
والأن بعد أن تمكن الفساد من كل شئ واصبح يغلق علينا السمع والبصر وتشم رائحته في الهواء والماء والغذاء، اصبح هؤلاء يطاردون وينكلون بكل من يرفض فسادهم بينه وبين نفسه، ومن لا يصفق ويرقص لجرائمهم في التفريط في ثروات البلاد واراضيها ومصانعها ومقدارتها.
صار عداء هؤلاء مع كل من يحمل في نفسه بذور الرفض واثار الثورة على فسادهم وظلمهم وعتيهم، وحتى ولو لم ينطق وحتى ولو حبس نفسه في بيته، فالفساد لا يثير حفيظته مثل الشرفاء والعاهرة تود لو كانت كل النساء عاهرات أو فلتلطخ سمعتهن وتدمر حياتهن وهذا ما يفعله النظام الفاسد في كل إنسان مازال يتمسك بالشرف والأخلاق والوطنية ويرفض الانضمام الى جوقة المزمرين والراقصين على جثة الوطن أو يكون جزء من فسادهم ويمارس ما يمارسون من جرائم.
الفاسد يرفض من ليس على شاكلته في فساده ويطارده في كل شق وكل حفرة فهو يذكره بمدى قذارته ودنائته وفشله.
إن العيش وسط كل هذا القدر من الظلم والفساد لأمر فوق طاقة البقية الباقية من شرفاء هذا البلد الذين عانوا الأمرين تحت حكم مجموعة من حثالة البشر الذين لا يتورعون عن عمل اي شيء أو بيع اي شيء أو نهب أي شيء.
مصر جحيم الشرفاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب