الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد تأرّض إدلب.. ماذا تريد أنقرة من شرقي الفرات؟

بيسكي كردي

2018 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


أردوغان، الرئيس الذي لا يكلّ ولا يملّ من أجل ذاته أولاً، وحزبه ثانياً، وشعبه ثالثاً، ينتهج أسلوب ناجح في التعامل مع الدول والتنظيمات، يبتزّ أوروبا باللاجئين فيحصل على ملياراتها وصمتها على جرائمه، ويبتزّ واشنطن بموسكو فيحصل على امتناعها في تقديم الدعم للكورد، ويبتزّ موسكو بواشنطن ليحصل على ولاية تركية في شمال سوريا، ويبتزّ المعارضة السورية بالنظام حتى تكون طوع أمره في كلّ حرب قد يخوضها، ويبتزّ النظام بالمعارضة حتى يخضع لشروطه، ودائماً يبتزّ الكورد بالكورد، ويضحك على الجميع بحنكة وحكمة، ويحقّق أغراضه، فمَن سيضع له حدّاً، الكورد أم الأمريكان أم الروس؟

قبل الخوض في كتابة تفاصيل القضية التي سنُبدي رأينا حولها، ونفكّك بعض شيفراتها، لا بدّ للكوردي أن يتذكّر دائماً، وألا ينسى، بأن تركيا لم تنقل ضريح "سليمان شاه" جدّ مؤسّس الدولة العثمانية من شرقي جسر "قره قوزاك" إلى قرية آشمة الكوردية في غربي كوباني عن عبث أو غباء، إذ كان باستطاعتها نقله إلى أنقرة أو اسطنبول، ولم تفعل ذلك عن سابق إصرار وترصّد، وربّما يكون الضريح فارغ الجثّة، فلِم لَم تنقل الضريح إلى أراضيها؟! هو سؤال له دلالات ورسائل مستقبلية كثيرة ومعقّدة وجدلية.

عن وسائل إعلامية تركيا؛ تعهّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارته لأمريكا، بأن بلاده ستقيم مناطق آمنة في غربي كوردستان، وتحديداً مدن وقرى شرقي نهر الفرات، التي أصبحت محمية أمريكية، مثلما فعلها بدعم روسي أمريكي إيراني في مدن غربي الفرات، خاصة في جرابلس ومنبج والباب وإعزاز والراعي.

هذه التصريحات جاءت بعد أسبوع من إعلان أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عن التوصّل لاتفاق تأرّض في إدلب، تقيم بمقتضاه قوّات أو ميليشيات كلّ من البلدين منطقة منزوعة السلاح فيها، والهدف الأول والأخير منه هو استجابة أردوغان لرغبة بوتين في التخلّص من المعارضة السورية المتطرّفة والمعتدلة، من فيلق الشام ولواء السلطان مراد والفرقة 13 وحركة أحرار الشام وأسود الشرقية وحركة نور الدين الزنكي وجيش العزّة وغيرها من الفصائل، مقابل ضوء أخضر روسي له لتحجيم الكورد وتفتيت مكتسباتهم في غربي كوردستان؛ سياسياً: لتقليص دور المجلس الوطني الكوردي في الائتلاف السوري والمؤتمرات الدولية والإقليمية، وعسكرياً: لنزع أسلحة وحدات حماية الشعب في قوات سوريا الديمقراطية وتحييدها.

يجب الوقوف كثيراً على شكل ومحتوى تصريح أردوغان، بآفاقه القريبة والبعيدة، فمن حيث الآفاق القريبة فتصريحه يرتبط بالشكل الخارجي، في أنه أصبح بطلاً مغروراً أو حالماً بفردوس الإمبراطورية العثمانية أو هلوسات سياسية ذاتية أو أنه منقذ السنّة في الشرق الأوسط، أمّا الآفاق البعيدة فترتبط بالمقايضات والمفاوضات والاتفاقات السرّية التي توقّعها تركيا مع مراكز رسم سياسات وجغرافيات الشرق الأوسط، وفي مقدّمتها أمريكا وروسيا.

للكورد إمكانيات ثقافية فكرية وإعلامية وسياسية وعسكرية، وفي غالب الأحيان لا تستخدم في سبيل القضية الكوردية، بقدر ما تستخدم لأجندات حزبية وسياسية تابعة لجهات إقليمية ودولية معادية للقضية الكوردية واستقلال الكورد، إضافة إلى التعوّل الكوردي على الوجود الأمريكي في شرقي الفرات، معتقدين أن لا أحد سيقترب منه طالما الأمريكان موجودون فيه، وهنا على الكورد أن يصحوا من غفوتهم وأحلامهم.

صدرت عن قمّة «سوتشي» بين أردوغان وبوتين قراراً، يفرض من خلاله تركيا وروسيا معاً الاستقرار في إدلب، وهو ما سيعني الحيلولة دون سقوط ضحايا مدنيين في المدينة التي لجأ إليها أكثر من ثلاثة ملايين سوري، غالبيتهم من الفصائل العسكرية الإسلامية، وبالتالي منع موجة نزوح أخرى، ربّما تسبّب مشكلات اقتصادية واجتماعية جديدة لتركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وتمهيداً تركياً لفتح الطريق أمام التخلّص من العناصر المتطرّفة، وتكون بذلك عزّزت المنطقة العازلة بين حدودها وشمال سوريا، إضافة إلى إبعاد إيران خطوة عن عملية الحلّ في سوريا، هذه الخطوة التي تفتح شهية الأمريكان.

بذلك سيكون تعاون القوّات التركية مع القوات الروسية ضمن إطار تنفيذ دوريات تفتيش في إدلب بدايةَ لمرحلة جديدة، وستتمكّن تركيا من المبادرة بشكل أكثر فعالية من السابق خلال البدء بالمراحل المقبلة في سوريا، بالتزامن مع سعي أنقرة للبدء بمرحلة رُباعية جديدة، بالتعاون مع موسكو وباريس وبرلين في ما يتعلّق بالملف، فدخول ألمانيا وفرنسا في هذه المعادلة قد يؤدي لتغيير المسار الرسمي للمرحلة الجديدة.

بحسب المعايير التركية، فإن تعاظم مساحة الأراضي التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي في غربي كوردستان وخارج الحدود الكوردية بات تجاوزاً لكلّ الخطوط الحمراء، ولا بدّ من إيقاف هذا التمدّد المتعاظم، فبدأت تركيا أولى عمليات تدخلها العسكري بما يُعرف بعملية درع الفرات من مدينة جرابلس، بالتعاون بين قوّات الجيش التركي وبعضاً من قوّات الجيش الحرّ، الذي طغى عليه الفكر التطرّفي العقائدي، وعلى رأسها فيلق الشام ولواء السلطان مراد والفرقة 13 وحركة أحرار الشام وأسود الشرقية.

كلّ هذه الدلائل والمعطيات قد تشكّل ملامح سياسة تركية محتملة تجاه منطقة شرق الفرات في الأيام أو الشهور القادمة، تتبنّى من خلالها الدعم غير المباشر والتنسيق مع عناصر وأطراف محلية عربية سورية، تسعى للخلاص ليس من حزب الاتحاد الديمقراطي في تلك المنطقة فحسب، بل تفكيك الجغرافية والبنية المجتمعية لغربي كوردستان، وربّما يتغيّر كلّ هذا، فالمعطيات والأحداث على الساحة السورية غير ثابتة وسريعة التغيير، وأصبح من الصعب على المراقب التنبّؤ بما سيحدث أو سيجري ما بين يوم وليلة، فاللاعبون كُثر، أكثر من أصحاب القضية أنفسهم، إلا أن الحقيقة والواقع يقولان «لا توجد في أجندات اللاعبين الأساسيين أيّ أهداف لإسقاط نظام الأسد».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في