الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كما ينبت العشب .....

لؤي عجيب

2018 / 9 / 29
الادب والفن


لا أنسى أبداَ لحظة وصولنا إلى مطار بيروت ... لم يكن الوقت متأخرا .. لكن منظر الطابور الذي أمامنا ... أثار الخوف فينا.. من عدم اللحاق بالطائرة ...
ليس لدينا اليوم بطوله .. أمامنا ساعة ونصف فقط .. و إلا ..أقلعت الطائرة دوننا.. و نحن الذين انطلقنا منذ الصباح الباكر كي نتجاوز الزحمة .. لكن مشكلة الحدود أعاقتنا و أخرتنا ساعات طوال..
خرجت من الصف .. علّ رجل الأمن هذا يقدر تأخرنا و حالة القلق التي انتابتنا.. لكن رفضه كان قاطعاَ .. و علينا الالتزام بالصف ...

لا بد من وجود صياد لأحداث كهذه .. و الصياد يحتاج الفريسة ...
و لا بد للفريسة أن تكون مستنزفة .. كي يقدر على اصطيادها...

كان أبي صياد طيور ماهر ... و كذلك أخوي الأوسط و الصغير من جيلي .. كانا ماهرين و صبورين جداَ ..كأبي ...
علمنا أبي كيف نطلق النار من البندقية .. و كان يستمتع باصطحابنا معه ..
أخي يعشق الصيد مثل أبي .. و أنا أعشق الطبيعة ...

مرة أخذني أخي معه للصيد "بالنقيفة" ... و كنا صغيرين ...
أخي يتأنى كثيرا قبل القنص .. ينتظر ساعات دون كلل ليحصل على فريسته .. و يقنصها دون تردد... و أنا أجلس تحت شجرة الزيتون أراقبهما من بعيد ...
أحضر لي عصفورا قد اصطاده لتوه .. و طلب مني أن أبقيه معي و انتظاره تحت شجرة البلوط .. نظرت إلى أخي يمشي بهدوء مبتعداَ إلى شجرة التين ..
و نظرت إلى العصفور المسكين بين يدي ...
فأتممت مراسم دفنه بهدوء مع قليل من الدموع ...
و في طريق العودة إلى المنزل .. سألني أخي عن العصفور الذي اصطاده .. فأخبرته بأنني قد دفنته ...

"كنا صغيرين والأشجار عالية...و كنت أجمل من أمي و من بلدي.."

مارسيل .. فيروز .. نصري .. وديع ...
أغانيهم عاشت معنا في البيت ... لابد من سماع إحدى الأصوات الرائعة تلك ..لدى عودتي من المدرسة ... فكانت عشق أخوتي ..
و كم كانت بسيطة وجميلة تلك الأغاني و الأيام...

نلتم كلنا في الغرفة الصغيرة .. المنعزلة قليلاَ عن المنزل .. للدرس .... وأنا الذي يستطيع أن يسكت فقط لخمس دقائق .. توجه لي الإنذارات دائماَ من أخي للصمت .. ينتهي معظمها بالطرد من مجموعة الأخوة الدارسين بصمت ...
في غرفة أبي و أمي .. أحس تماماَ بنفس دفء الغرفة الصغيرة .. لكن هنا أفضل ...فلا أحد يسكتني و أنا أقرأ بصوتي العالي ...

الطابور أمامنا طويل جداَ ... زوجتي و ولدي بقربي ... و الأمور تزداد تعقيداَ ...

لا بد من صياد ماهر .. فالفريسة أصبحت جاهزة ....

اقترب مني قائلاَ:
- أتريدون الدخول بسرعة ..؟؟
- نعم .. لقد تأخرنا و لن نلحق بالطائرة ...
- 150 دولار ...
- كثير جداَ .. ؟؟
- كما تشاء .. يمكنك العودة إلى فندق و تغيير الحجز إلى الغد إن استطعت الحجز غداَ ..
- و الحل .. ؟؟
- فقط .. 150 دولار ...
بعد التشاور مع زوجتي .. دفعتها و أنا أحس بالغبن ... و خلال عشر دقائق كنا في الداخل .. و نسيت أمر النقود..
هكذا أفضل ....

إنها ليست مشكلة سوري و لبناني ...
إنها مشكلة السوري و اللبناني .. في بلدين يرزحان تحت ضغوط اقتصادية غير منصفة... تدفع الكثيرين ليصبحوا صيادين .. ليؤمنوا قوتهم اليومي..
و كذلك فعل سائق السيارة السوري ... عندما اصطحب معنا اثنان من سوريا إلى وسط بيروت .. و أصر على الدفع له بكامل أجرة السيارة وليست مقسومة على ثلاثة كالعادة...
ليس لأنني سوري .. بل لأنه هو.. من أجبرته الأزمة على الاستغلال بأي شكل من الأشكال ...

السوري و اللبناني .. كانا في بلد واحد .. فقط .. منذ قرن ...
و هذا التاريخ الذي ينسى سريعاَ ..
ولطالما لعبت الأحداث والضغوط الاقتصادية... دوراَ هاماَ في تفعيل عملية النسيان تلك ...
فأصبحا شقيقان .. و من ثم أولاد عم و أولاد خال .. و أولاد جيران ...
و بعد قرن من الزمن .. أصبحا غريبين ...

"كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة .. وجدنا غريبين يوماَ"
لم يكن تواجد مارسيل و محمود درويش عبثاَ .. انه المكان ...
و قد ولّدا معاَ الكثير و الكثير من التآلف ... و الكثير الكثير... ليقال من بعدهما ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع