الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يتوقف المصريون عن لوم عبد الناصر على معاناتهم؟!

هويدا صالح

2018 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


متى يتوقف المصريون عن لوم عبد الناصر على معاناتهم؟!
د. هويدا صالح

سيظل الرئيس جمال عبد الناصر، مثيرا للجدل، ليس فقط بين العامة، إنما النخبة نفسها تنقسم عليه، ما بين مدافع عن مواقفه التاريخية ومؤيد لها طوال الوقت، ومهاجم لنفس الموقف ومنتقد لها على طول الخط، وبين هؤلاء وأولئك لا يصل النقاش أبدا إلى قناعة ترضي أحد الطرفين، أو حتى تجعل الجدال التاريخي يتوقف. لا شك أن الزعيم ناصر من أهم رؤساء مصر قاطبة، فلا يستطيع أحد يتجاهل ما فعلته ثورة يوليو فى الدولة المصرية، ولا يستطيع أحد أن يغفل ما أسهم به ناصر في بناء مجتمع ما بعد الثورة، إضافة للدور العربي والإقليمي والدولي الذي قام به، وكذلك لا يستطيع أحد أن يقلل من حجم التحديات التى خاضتها ثورة يوليو، وأنا هنا لست في مقام الدفاع عن عبد الناصر ومشاريعه الكبرى، وكذلك لست في مقام الهجوم على ناصر ونظام حكمه الاستبدادي، لكنى في مقام تحليل أدوات عبد الناصر في الحكم الذي جعله يبني مشاريع قومية كبرى وكذلك اتخاذ سياسات استبدادية تعارضت مع الحريات التي نشدها الناس بعد إيمانهم بثورة قام بها مجموعة من الضباط وانضم إليها الشعب!
كانت ثورة 1952 ثورة مجموعة من الضباط، انضم إليها الشعب وأيدها، فأعاد ناصر لمصر كرامتها وعزتها، بل وهب حياته من أجل قضية العالم العربي الذي يعيش مرحلة التنمية وأصبح قائدا لشعبه وملهما للشعوب العربية، حتى أنه أصبح بمثابة القلب النابض للنهضة العربية. كما أنه تبنى قضايا و سياسات تساند وتدعم التحرر في القارة الإفريقية، حيث قدم خدمات جليلة للشعوب الأفريقية والأسيوية في كفاحها ضد الاستعمار لتنال حريتها إضافة إلى تبني سياسات عالمية عادلة تمثلت في حركة عدم الانحياز،.
لكن الاستبداد السياسي الذي مارسه نظام عبد الناصر ضد المختلفين معه سياسيا جعلت كثير من المثقفين والمفكرين يتخذون موقفا معاديا له سواء في حياته، مما عرضهم للاعتقال أو بعد رحيله. لكن ما يثير السخرية حقا أن ثمة أقلام مناوئة لسياساته مستمرة في النهش فيه، بل تحاول أن تفرغ مشروعه التنموي والوحدوي من الداخل، ووصل بهم الأمر أن يحملوه كل سياسات الفشل التي مارسها الحكام اللاحقون به والمحسوبون أيضا على ثورة يوليو بداية من السادات وحتى اليوم، فكل من يختلف سياسيا مع النظام الحالي أو السابق عليه أو الأسبق يتهم عبد الناصر بأنه السبب وأن كل هذه السياسات امتداد لثورة يوليو 1952.
إن الرجل أصبح في ذمة التاريخ، وليس من المعقول كلما مرت مناسبة تذكرهم به يواصلون النهش فيه، وكأنه كان من المفترض أن يكون منزها عن الخطأ. إن الزعماء الكبار أخطاؤهم أيضا كبيرة، وممارسة الاستبداد السياسي يجب ألا تعمينا أو تنسينا ما قدمه من نهوض بمجتمع كان يعاني أشد المعاناة. اختلافنا مع ناصر سياسيا يجب ألا ينسينا ما قدمه في مجال الصناعة الوطنية والمشروع القومي للتعليم والصحة والمشاريع الثقافية الكبرى . إن كل مؤسسات الدولة الثقافية الكبرى إن هي إلا نتاج عصر عبد الناصر بداية من الثقافية الجماهيرية مرورا بالمسارح والمراكز القومية العليا وأكاديمية الفنون وغيرها.
فى ذكرى وفاة جمال عبد الناصر الثامنة والأربعين هل يمكن أن يتوقف سب الرجل واتهامه بكل الاتهامات بما فيها تكفيره واتهامه بأنه ضد الدين؟ صحيح أنه كان له موقف واضح من الجماعات الدينية وخاصة الإخوان المسلمين بتاريخهم الدموي، لكن أي عاقل كان سيتعامل مع تلك الجماعة التي لا تؤمن بوطن ولا بقومية بنفس الطريقة.
نحن وفي العصر الحديث، وفي ظل الميديا الحديثة وشيوع حقوق الإنسان لم نستطع أن نتحمل حكم تلك الجماعة أكثر من عام واحد، فما بالنا بالستينيات، حيث كان السياق العام في العالم حكما شموليا، وكانت القوميات الكبرى تتساند وتتعاضد هل كان ناصر سيترك جماعة لا ترى في مصر وطنا، بل تسعى لأستاذية العالم وقيادته كما كان يدعي حسن البنا وتلاميذه؟!
كما أن عبد الناصر مات، والتاريخ شاهد لا يكذب على ما له وما عليه، ولا أتصور أن " العركة " السنوية التي تحتشد على ذكراه سوف تعيد تغيير مسارات التاريخ، فاتركوا الرجل لذمة التاريخ يحكم على مشاريعه الكبرى ونظام حكمه، ولا تبالغوا في الكراهية له حتى أن الأمر يصل لحالة التكفير له وتصويره باعتباره كان ضد الدين الإسلامي، وهو ما ليس صحيحا كلية.
والسؤال الهام متى يتوقف المصريون عن لوم عبد الناصر على معاناتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ صحيح مراجعة التاريخ شيء مهم للشعوب، لكن الأمر بات يتم بشكل سنوي، تحول إلى "ملطمة" سنوية نحمل فيها عبد الناصر كل ما نعانيه! لا أتصور أن شعبا من الشعوب فعل هذا مع حاكم أيا كان، لا أتصور أن الألمان يحملون هتلر أو الروس يلومون ستالين أو الإيطاليين يلومون موسوليني بشكل سنوي عما ارتكبه هؤلاء من أخطاء فادحة في حق شعوبهم، ترى لأن هذه الشعوب تجاوزت نكساتها التاريخية، وذهبت للمستقبل أم أن الفرق في الذهنية العربية التي تلوك الماضي وتسترجعه مما يعطلها عن المستقبل؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عبد الناصر الكارثة
متابع ( 2018 / 9 / 30 - 06:57 )
لا اطيل بسرد كوارث عبد الناصر فهي معلومة جيدا ساذكر اسوء ما اقترف عبد الناصر
القضاء على الديمقراطية التحررية بتصفية الطبقة السياسية الليبرالية التي كانت سائدة قبل انقلاب 52 فلم يبق الا العسكر والاخوان والمستقبل المظلم
شكرا للكاتبة


2 - عسكر ة ودكترة
عبد الله النديم ( 2018 / 9 / 30 - 13:00 )
يا هويدا .. في تقديري انكِ أكثر وعياً من أن تكتبي مقالاً من هذا النوع
أتتذكرين يوم اعتقلالكِ ومحاسبتك بسبب ما عرضتيه عن التعذيب بأقسام الشرطة والأمن ..!؟ ما جري لكِ قام علي أساس من نظام أرساه عبد الناصر
أنا كتبت مزيداً من الايضاح بهذا التعليق , ثم توقفت وقلت : خسارة اضاعة الوقت , يكفي ما أضاعته الأستاذة هويدا , من الوقت , في الكتابة عن عبد الناصر
هل تسمحي لي سيدتي , بأن أشعر بالخجل , نيابة عنكِ - بسبب كِتابتكِ لهكذا مقال ؟
مع الشكر


3 - موسم احياء الموتي
محمد البدري ( 2018 / 10 / 1 - 11:56 )
مقال سئ يكرس للاستبداد والفاشية ويعفوا عنهم وكأن علي المواطن ان يظل ضمن القطيع في مجتمع له اب او ولي امر او والي والباقي رعية. الغريب ان معظم اليسار المصري علي هذه الشاكلة.
جريمة المجحوم عبد الناصر الكبري هي فصل مصر عن ثقافة البحر الابيض والقائها في مزبلة العروبة والاسلام. ومن نتائجها ما نراه الان

اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ