الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هو السبيل للوصول إليها ؟

نضال العبود

2006 / 4 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


كلنا يتذكر مشروع محمد علي باشا النهضوي الذي أراد به إخراج مصر من عصور التخلف إلى عصور الحداثة. و محمد علي هذا كان ضابطاً في الجيش العثماني تمرد على أوامر الباب العالي في الآستانة و أراد الاستقلال بمصر ليحقق حلمه بالنهضة و التحديث لتصبح في مصاف الدول الكبرى. و ليستطيع في نفس الوقت مقاومة المخططات الاستعمارية الناشئة في تلك المرحلة و الهادفة إلى السيطرة على منابع الثروات في منطقة الاتصال بين القارات الثلاث.
لقد أدرك بوعيه بالرغم من الظرف التاريخي الذي عاشه و المتمثل في تأخر الشرق عموماً عن الغرب أن العلم هو السبيل الوحيد لقيام الدول القوية.
رأى أن الوسيلة الناجعة لتحقيق مشروعه الحداثي هي إرسال البعثات إلى أوروبا و بشكل خاص فرنسا التي كانت متقدمة على مثيلاتها في ميادين مختلفة بعد أن فشلت بعثاته السابقة إلى إيطاليا.
أرسل البعثات إلى فرنسا للوقوف على أسباب تقدم الغرب و تخلف مصر، و كلف الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873)، ليكون إماماً لأول بعثة مصرية في العصر الحديث إلى فرنسا. كان للطهطاوي علاقات علمية سابقة مع الفرنسيين كونه عمل مع علماء الحملة الفرنسية على مصر الذين استقدمهم نابليون معه لدراسة أحوال مصر. وصل الطهطاوي إلى باريس مبهوراً و هاله عندما رجع إلى مصر بعد سنوات الفرق الشاسع و المخيف بين المجتمعين الفرنسي و المصري بعد أن خبرهما بعين الباحث الناقد، و ضمن خلاصة تجربته الرائدة في كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".
لقد أدرك مبكراً أن ما كان يميز الدولة الفرنسية هو اعتمادها على العلم في كل شيء و العقل حل محل النقل ، فقد طرحوا جانباً كل مسألة مخالفة للعقل و قالوا بقياس النص على العقل لا العقل على النص، على عكس مصر في ذلك الحين التي كانت خاضعة للبيروقراطية العثمانية و سلطة المشايخ و أصحاب الطرق الصوفية.
قدم مقترحاته إلى محمد علي باشا الذي عينه في البداية مترجماً في الجيش و ثم ولاه وزارة المعارف فغير في منهج عملها الكثير.
لم يستطع لا هو و لا رفاقه أن يقلبوا عقلية المجتمع المصري كما أرادوه أن يكون و يجعلوه كالآخر الفرنسي إلا أنهم أثروا فيه بالغ الأثر مما يفسر التقدم النسبي لمصر قياساً بغيرها من الدول العربية في ميدان العلوم.
و ليس أسباب فشل مشروع محمد علي إلا تكالب الدول الاستعمارية القديمة فرنسا و إنكلترا على خيرات مصر و على موقعها الاستراتيجي في قلب العالم القديم و غضبها على محمد علي نفسه الذي بات يهدد جدياً مصالحها أما من جهة أخرى فهو التخلف الضارب في أعماق المجتمع المصري الذي غذّاه كما قلنا بيروقراطية العثمانيين و سلطة المشايخ الدينية.
بعد زهاء قرنين من الزمان على تجربة محمد علي نرى أن الواقع العربي لم يتغير كثيراً، لا بل أصبح التخلف مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع العربي الذي زاده تجذراً ظهور فلسفة البطش الأمني و الإرهاب الفكري و تنطح الكثيرين للدفاع عنها بشكل مستتر أو علني.
إذا كان العامل الخارجي لتخلف الوطن العربي لم يتراجع بل ازداد شراسةً مع غياب أي توازن دولي و ظهور قوة وحيدة لا أخلاقية تسعى للسيطرة على المنطقة تحت مظلات و عباءات مختلفة، فإن العامل الداخلي تفاقم أيضاً ليساند الخارجي و يدعمه و ليخلف وطناً لا حراك فيه يكاد يخيل للمرء أنه بحاجة لإسرافيل لكي ينتشله من عالم الأموات.
فالعقد الاجتماعي الذي أجبرونا على توقيعه و لمصلحة طرف دون سواه خلف جيوشاً من البيروقراطيين و الفاسدين المرتزقة الذين يتكلمون باسم الشعب و مبيضي الأموال و الآكلين بملاعقٍ من ذهب و بتمويل من دماء ملايين المعذبين و طلاب الخبز و الماء و الهواء.
----------
د. نضال العبود 3/4/2006









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استبعدت روسيا ولم تستبعد إسرائيل من مسابقة الأغنية -يو


.. تعليق دعم بايدن لإسرائيل: أب يقرص أذن ابنه أم مرشح يريد الحف




.. أبل تعتذر عن إعلانها -سحق- لجهاز iPad Pro ??الجديد


.. مراسلنا: غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا جنوبي لبنان | #الظهي




.. نتنياهو: دمرنا 20 من 24 كتيبة لحماس حتى الآن