الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشر دقائق فاصلة في تاريخ العدوانية الاسرائيلية

جورج حداد

2018 / 9 / 30
الارهاب, الحرب والسلام


إعداد: جورج حداد*


في منتصف شهر ايلول المنصرم وفي منتصف ليل اسقطت طائرة استطلاع روسية من طراز ايل ـ 20 فوق المياه الاقليمية السورية قرب اللاذقية، وكان على متنها 15 من رجال المخابرات المختصين بالاتصالات الالكترونية. وكانت الطائرة في مهمة استطلاعية ضد العصابات الارهابية التكفيرية في شمال سوريا. وسبّب اسقاط الطائرة مفاجأة كبرى وصدمة شديدة لدى القيادة السياسية والعسكرية الروسية.
وبالتحقيق الشامل والدقيق الذي اجرته وزارة الدفاع الروسية تأكد ان اسقاط الطائرة تم "بنار صديقة" وعمليا بصاروخ سوري من طراز S-200 الروسي الصنع. ومع ذلك فإن وزارة الدفاع الروسية والقيادة السياسية ذاتها بشخص الرئيس بوتين بنفسه، اتهمتا اسرائيل بالتسبب في اسقاط هذه الطائرة الروسية.
لماذا؟
تقول نتائج التحقيق الروسي ان الطائرة المنكوبة كانت في مهمة استطلاعية ضد الارهابيين ولا علاقة لها بالصراع الاسرائيلي ـ السوري. وفي وقت وقوع الاصابة كان سرب من الطائرات الاسرائيلية يقوم بطلعة لقصف مواقع داخل الاراضي السورية مما تعتبره القيادة الروسية اعتداء على السيادة السورية. ومع تشغيل المضادات الارضية السورية، فإن الطائرات الاسرائيلية تعمدت التلطي خلف الطائرة الروسية، ووجهت ضرباتها من خلفها، وانكفأت راجعة الى قواعدها الاسرائيلية. وهكذا وقعت الطائرة الروسية ضمن دائرة منطقة الخطر المستهدفة من قبل المضادات السورية، وتلقت الصاروخ "بالنيابة" عن طائرة اسرائيلية. وتقول اوساط الخبراء ان صاروخ منظومة S-200 يطير نحو "منطقة الخطر" المحددة له ويتعقب مصدر الانبعاثات الحرارية والذبذبة الصوتية لكل جسم طائر داخل "منطقة الخطر" المستهدفة دون التمييز فيما اذا كان الجسم الطائر معاديا او صديقا. وتقول مصادر التحقيق الخاص بوزارة الدفاع الروسية ان الطائرة المصابة لم تغادر "منطقة الخطر" لانه لم يتم ابلاغها بذلك. وانه منذ سنتين قبل الحادث وقع اكثر من 200 اعتداء جوي للطيران الاسرائيلي ضد مواقع سورية ولكنه لم يقع اي حادث لاي طائرة روسية لانه كان يوجد اتفاق تنسيق امني بين روسيا واسرائيل بأن تبلغ اسرائيل روسيا بمسار طلعاتها الجوية قبل 10 دقائق من كل طلعة لتلافي وقوع تصادم روسي ـ اسرائيلي، لان الوجود العسكري الروسي في سوريا يتعلق بالحرب ضد الارهاب وليس للمشاركة في الصراع الاسرائيلي ـ السوري. وفي هذه المرة فإن الجانب الاسرائيلي لم يبلغ الجانب الروسي بوجود طلعة طيران اسرائيلية الا قبل دقيقة واحدة من الطلعة وتم الابلاغ بطريقة تضليلية تقول ان الطلعة ستكون باتجاه الجنوب السوري بينما هي كانت باتجاه الشمال السوري. واعتبرت وزارة الدفاع الروسية ان هذا البلاغ المتأخر، والتضليلي، انما كان متعمدا، وان حركة المناورة الالتفافية للطائرات الاسرائيلية من خلف الطائرة الروسية والتلطي بها لتوجيه ضرباتها وتجنب المضادات السورية انما كانت ايضا مناورة مقصودة، الهدف منها الايقاع بالطائرة الروسية بشكل مقصود. واعتبرت الوزارة الروسية ان ذلك يمثل ليس فقط اخلالا بالتفاهم الامني للانذار المبكر عن الطلعات الاسرائيلية مدة عشر دقائق، بل ويشكل نية مقصودة للعدوان على سلامة الطيران الروسي وتعريض حياة العسكريين الروس للخطر، وان اسرائيل تتحمل كامل المسؤولية عن ذلك، والجانب الروسي يحتفظ بحق الرد على هذا الاعتداء بالشكل الذي يراه مناسبا.
وقد قررت القيادة الروسية، كخطوة اولى للرد على هذا العدوان، اتخاذ الاجراءات اللازمة لتعزيز الدفاعات الجوية السورية بتزويدها بمنظومة الصواريخ الدفاعية المتطورة S-300، القادرة على التصدي بفعالية اكبر للاجسام الطائرة المعادية وعلى التمييز بوضوح بين الاجسام المعادية والمحايدة والصديقة في دائرة شعاعها 250 كلم. وعلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ذلك بالقول ان ذلك سيكون ردا ملائما حتى الان.
والجدير ذكره ان النظام السوري سبق ان طالب منذ اكثر من خمس سنوات بتزويده بمنظومة S-300. ولكن القيادة الروسية كانت تماطل في تنفيذ هذا الطلب بناء لالحاح اسرائيل لعدم كسر معادلات التوازن العسكري بين سوريا واسرائيل. وقد توهمت القيادة الروسية انها بالتجاوب مع هذا الالحاح الاسرائيلي وبوجود اكثر من مليون يهودي روسي في اسرائيل يمكنها ـ اي روسيا ـ استمالة اسرائيل الى الانضمام التدريجي للرؤية الروسية للحل السلمي للصراع العربي ـ الاسرائيلي. كما توهمت القيادة الروسية ان اسرائيل ستحرص على تنفيذ اتفاق الـ10 دقائق للانذار المبكر بالطلعات الجوية الاسرائيلية وان ذلك سيكون كافيا لضمان سلامة العسكريين الروس في الجو وعلى الارض.
ولكن اسرائيل استغلت الثقة الوهمية لدى القيادة الروسية و"ضربت ضربتها". ولم يكن هدفها فقط اسقاط طائرة ايل ـ 20 وقتل العسكريين الاختصاصيين فيها، بل توجيه ضربة الى المشاركة الروسية في الحملة ضد الارهابيين، وان يكون اسقاط الطائرة بمثابة شرارة لاندلاع نزاع روسي ـ سوري وزعزعة العلاقات الروسية ـ السورية عامة. ولكن وعي القيادة الروسية فوّت على اسرائيل واميركا هذه "الفرصة"، واعطى نتيجة عكسية تماما لغير صالح اسرائيل.
وقد اتصل نتنياهو بالرئيس بوتين معزيا بضحايا الطائرة، ولكن هذا لم يغير في الامر شيئا.
لقد حمّلت اوساط سياسية وعسكرية اسرائيلية نتنياهو مسؤولية هذا الفشل الذريع للسياسة الاسرائيلية القائمة على الغدر والعدوانية والاستخفاف بعقل القيادة الروسية وطعن ثقتها الوهمية "بالاتفاق" مع اسرائيل.
ولكن اوساطا اسرائيلية اخرى تقول انه اذا اصبحت الاجواء السورية مغلقة بوجه الطيران الاسرائيلي بفضل منظومة S-300، فإن اسرائيل لن تعدم الوسيلة لضرب منظومة S-300 ذاتها وتعطيلها وهي رابضة على الارض تنتظر الطائرات الاسرائيلية.
ـ بأي وسيلة؟
ـ بالصواريخ المجنحة الذكية الاميركية!
وطبعا ان الترسانة الحربية الاميركية كلها هي في خدمة اسرائيل.
وهنا يبرز السؤال المفصلي التالي: هل ستغير اسرائيل سياسة الغدر والعدوانية، مع الفلسطينيين والعرب والروس وجميع شعوب الارض؟
والجواب طبعا هو: كلا!
ان الخيانة والغدر والعدوانية هي في صلب وجود الدولة اليهودية، او في صلب اليهودية كدين وكايديولوجية فلسفية وسياسية.
واسرائيل لا تستطيع ان تخرج من جلدها اليهودي. واليهودي الذي يريد ان يخرج من الخيانة والغدر والعدوانية ينبغي ان يخرج اولا من يهوديته.
وفي الظروف التاريخية الحالية فإن قلة نخبوية قليلة من اليهود قد تخرج من يهوديتها الاستغلالية ـ العدوانية بتبني الفكر الاشتراكي العلمي، الانساني والاممي.
اما الغالبية الساحقة من اليهود، اي الطغمة المالية العليا اليهودية العالمية وجمهرة اليهود العاديين النمطيين، فلن يخرجوا من يهوديهم الا بحد السيف، اي، اولا، بالقضاء على الدولة الاسرائيلية اليهودية الدينية ـ العنصرية، وثانيا واخيرا، بانتصار الثورة الاشتراكية العالمية، الانسانية والاممية، التي تجفف كليا المستنقع الرأسمالي العالمي القائم على الملكية الخاصة واستغلال الانسان لاخيه الانسان والتمييز الطبقي والديني والعنصري. ومتى تم تجفيف المستنقع الرأسمالي تنقرض حتما جميع الافاعي الرأسمالية واليهودية التي تعشش وتفرخ فيه.
واما ما يمكن ان تفعله اسرائيل حاليا مع سوريا ومع الروس وغيرهم فهو ان تغير وتطور اشكال واساليب الغدر والعدوانية.
واذا كان الطيران الحربي يمثل حتى الان "مقلاع داود" او اليد الطولى لاسرائيل، فماذا يمنع اسرائيل ان تغير ستراتيجيتها وتحول الطيران الحربي الى قوة دعم ناري للجيوش البرية والبحرية، وتعتمد الصواريخ من كل المديات والاحجام والانواع (والمدعومة بالاقمار الاصطناعية) بوصفها "مقلاع داود" الجديد لاسرائيل.
طبعا سيكون ذلك مكلفا جدا. ولكنه اقل كلفة من الطيران الحربي، وبطبيعة الحال اقل كلفة بكثير من الهزيمة المفترضة لاسرائيل!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل


S-300








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ