الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلزاك..(سكرتير) التاريخ! والكوميديا (البرجوازية) بين الادب والسياسة (6)

ماجد الشمري

2018 / 10 / 2
الادب والفن


من المعروف ان بلزاك فكر جديا ولمرات بترك العمل الادبي-الروائي والصحفي،ان يكف عن الكتابة ويتجه لممارسة عمل اخر اكثر جدوى،اكثر نفعا ومردوددا من الناحية المالية.فالبرجوازية يفتنها تقسيم العمل حسب الاختصاص،ولاتعتقد بوجود روابط بين النشاط الاقتصادي والسياسي،وبين النشاط الادبي او الفني.وبلزاك كان يفكر كذلك فهو برجوازيا ايضا!.فالبرجوازية تصنف الافراد حسب مايزاولوه من اعمال واختصاصات ،فعمال المناجم خبراء في استخراج المعادن،ورجال المال والصناعة والسياسة خبراء في ادارة الاقتصاد والحكم لذا فنقاد هذه الطبقة_البرجوازية_ينظرون الى بلزاك"رجل الاعمال"كطرفة مضحكة او نكتة سمجة!فشتان بين الادب وادارة الاعمال والمال!ولكن مع ذلك لم يكن بلزاك واهما او حالما،او حتى خياليا بالحد الادنى في المشاريع والافكار المبتكرة حول جني المال وتحصيل الثروة.فلم يكن هناك في زمانه ،وليس ايضا في زماننا اي روائي مثل بلزاك من امتلك نصف معارقه وخبراته ومشاريعه الاقتصادية-التجارية،والادارية.فقد بذل الكثير واستنفر طاقاته من اجل الارتقاء الطبقي،والصعود الاجتماعي،وامتلاك الثروة والمقام الرفيع.ولكن الحظ وظروفه النكدة لم تسعفه في تحقيق اهدافه.فكان ينتقل من كارثة وفشل مالي،الى افلاس وخسارة باهضة،ليعود من جديد كرة تلو اخرى مجربا حظه الرمادي من جديد!.فقد اشترى مطبعة،ومصنع لصب الحروف ايضا،لكي يوفر في النفقات وتكاليف الطباعة،وايضا حتى يتمكن من نشر كتبه بنفسه،والتحكم بسعرها،وزيادة ارباحه،ككاتب وناشر في نفس الوقت.وقد اطلق بلزاك لاحقا على مشروعه الضخم هذا:"الاحتكار العمودي"في النشر!.لم يكن مشروعه بأدارة مطبعة،ومعمله لصب الحروف مشروعا فاشلا في حينه،بل على العكس كان مجديا اقتصاديا ومربحا لو كان غيره قد اداره، من يملك حظا اوفرمن بلزاك!.فبعد عقود من موته سيغدو مصنع صب الحروف من المصانع المهمة في اوربا تلك الفترة.بعد ذلك قفز عقل بلزاك النشط نحو فكرة اخرى جديدة وغريبة،وتعلق بالتعدين المنجمي،وافترض بأن وسائل استخراج المعادن الحديثة اكثر انتاجية وتطورا من الوسائل البدائية القديمة في التعدين واستخراج الخامات،وافترض ايضا-وكان على صواب-بأن المناجم التي استغلت قديما لم تستنفذ مابداخلها تماما،ولازال هناك في باطن المناجم الكثير من المعادن الثمينة التي تستحق الاستثمار وبذل الجهد،ولابد ان تكون حاوية على كنوز من الذهب والفضة،وبكميات كبيرة لم تستخرج او تستغل بعد..فسافر الى صقلية لشراء مناجم الفضة هناك والتي لم يستغلها الرومان!.ولكن هنا ايضا خانه حضه الخائب،فقد سبقه احد الرأسماليين،واشترى حقوق استغلال تلك المناجم قبل وصول بلزاك الى صقلية،وضاع ثراء بلزاك المنتظر!.وقد اغنت تلك المناجم وراكمت من ثروات اجيالا واجيال من مالكي اسهمها.ونقرأ ايضا في الرسائل التي كتبها بلزاك اثناء وجوده في اوكرانيا ضيفا عند مدام"هانسكا"عن فكرته التي خطرت في ذهنه التجاري هناك حول موضوعة الخشب كمادة تجارية مرغوبة ومربحة.فخشب البناء في اوكرانيا وكماهو معروف كان رخيصا جدا،ويستطيع المرء ان يربح اموالا طائلة فيما لو قام بشراء وتصدير الخشب الاوكراني وبيعه في فرنسا الى شركات السكك الحديد لتستعملها قي مد خطوط سككها.ورغم ايمانه وعزمه على تنفيذ الفكرة،الا انه سرعان مانسى فكرته الاقتصادية هذه لينشغل بغيرها!.ومن اجل معرفة عقلية بلزاك الاقتصادية-التجارية السديدة،فيكفي ان ننظر الى احصائيات تلك الفترة لنتأكد فعلا وبيقين ان فرنسا استوردت كميات هائلة من خشب روسيا!.وهذا مؤشر ودليل قاطع على المعرفة والخبرة الاقتصادية الواقعية،وعن جدوى وعقلانية المشاريع التي فكر بلزاك بقسم منها،وحقق القسم الاخر،ولم يفلح لاسباب غديدة منها حظه النكد!.لم يكن بلزاك عليما ومبتكرا في افكاره عن التجارة الرابحة والصفقات الذكية فحسب،بل كان خبيرا في الطبيعة والسايكولوجية البشرية ،وايضا خبيرا في عواطف واهواء وتقلبات النساء !وقد وصفه نقاده المعاصرين ب"الخبير بقلوب النساء"!.ولم يكن هذا الروائي الكبير خياليا لافي انتاجه الادبي،ولا حتى في مشاريعه التجارية الكثيرة،والتي نسى بعضها،وفشلت اخرى في تحقيق ماكان يرجوه لها من نجاح.فكان واقعيا في الادب لحد التزمت،وكان عمليا في مافكر وانجز من اعمال مبتكرة وذات جدوى اقتصادية ومردود مالي هائل فيما لو تحققت بالكامل ولم تتعثر.وفي هذا الصدد يقول بلزاك عن نفسه متفاخرا:"ان من يجمع فتات افكاري يستطيع تكوين ملكية صغيرة".وكما قلنا :لاحب الشهرة،ولا الرغبة بالامتياز الاجتماعي والمعنوي،اوغيرها من اسباب:المكانة..النفوذ..الاستحسان،وذيوع الصيت،كل هذا لم يشكل دوافع ومحفزات لانتاجه الروائي الكثيف،شاغله الوحيد الاوحد هو :المال!..ببساطة:حب المال!المزيد المزيد من التالر!.وهذا هو عين ماكانت تطمح اليه-قدوته في الثراء!- الطبقة البرجوازية الفرنسية:الربح المالي ولاشيء غيره.وبسبب هذه النزعة الراسخة لحب المال،وحمى جمعه،نرى بلزاك يكتب:كراسات المتعة،ويمتلك مطبعة،ومصنعا لصب الحروف،وان يكون روائيا غزير الانتاج،ومديرا صحفيا،وباحثا عن الذهب،وكاتبا مسرحيا،وناقدا ادبيا،وعضوا في البرلمان...الخ..وبسبب حبه الوحيد للمال،امسى بلزاك مشرعا دون قناعة،وكهنوتيا دون ايمان!وملكيا دون اخلاص!وكان مستعدا لبيع وخيانه امه واصدقاءه وعشيقاته وادبه،كما كان يفعل مجرمو،واوغاد رواياته بالضبط.فقد اتصف بلزاك بكل دناءة ورذيلة وقسوة برجوازية زمانه،كما اتصف ايضا بطاقتها وعزيمتها الحيوية،وحبها للمال والعمل،وارادتها الصلبة،واخلاقياتها اللااخلاقية.حاول بلزاك لاشعوريا ان يكون حكيما ومصلحا بنقد وتقويم اعوجاج الواقع من خلال نتاجه الادبي،وكان يرى من مصلحته وواجبه ايضا في فعل ذلك،ولكنه لم يفلح وفشل في تحقيق ذلك ادبيا-لان تيارالواقع كان جارفا-كما فشل في كل مشاريعه التجارية.ففي معظم الحالات كان بلزاك ساذجا،بل غبيا في محاولاته تلك لبذر وانبات الاستقامة والقيم في ارض وواقع البرجوازية المتفسخ،والمتهافت اخلاقيا وقيميا وسلوكيا.لذلك كان المنتصر لديه هو رجل التاريخ العام و الواقعي،على رياء ونفاق رجل المصلحة المتهافت على احراز النجاح المادي في حياته الشخصية الخاصة.ومن هنا كان بلزاك وفي حقيقته اعظم روائي فرنسي انجبه عصره وبيئته ان لم نقل في العالم الصاخب تلك الحقبة.في روايته"الزنبق في الوادي"والتي يجسد فيها روح امرأة مؤمنة مستقيمة وهي تموت كزوجة مسيحية مخلصة ومثالية،ونموذجية في عمل الواجب،ولكنها تقول قبل موتها:"ان كل شيء في حياتي كان كذبا...امن الممكن ان اموت رغم انني لم اعش؟".بهذه الجملة البليغة المعبرة عن زيف تلك الحياة المستقيمة النخرة،والاسى والندم على ماضاع من عدم العيش،ينهار كل مابناه بلزاك في تلك الرواية من صور الفضيلة النموذجية،وتلك المقدمات الجميلة في عرض نمط الزوجة التقية الوفية التي عاشت وهما واكتشفت خواء حياتها في لحظة موتها.كان الواقع بثقله يجبر بلزاك على الانصياع له وسرده بكل مافيه من عيوب وزيف ولاانسانية....................
...................................................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية