الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصان طروادة الأمريكي

كامل السعدون

2006 / 4 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


-1-
حكاية حصان طروادة ، حكاية فن الخديعة وإختراق الآخر المنيع ، من الداخل ... لا الخارج .
حكاية حدث من أشهر الأحداث في التاريخ اليوناني القديم وقد أوردها هوميروس الجميل في إلياذته ، رامزا بها لمهارات فن السياسة والحرب في الخداع وإختراق الأمم من الداخل تأسيسا على ما في داخل تلك الأمم ذاتها من نسيج هش قائم على الأوهام والأساطير .
تقع طروادة إلى الغرب من تركيا وكانت المنافس التجاري لليونان ، وقد حاصرها هؤلاء أكثر من عشر سنين (1193-1184 ق. م ) فلم يفلحوا بفضل متانة الحصون والقلاع ، فما كان أمامهم إلا الحيلة .
درسوا عادات وتقاليد أهل طروادة ( كما فعل الأمريكان والإنجليز مع شعوب العالم الثالث ) ، وعرفوا أن لدى الطرواديين تقديسٌ للحصان ، فأنتفعوا بهذا الذي عرفوه .
صنعوا لإشباع تلك القداسة الطروادية ، حصاناً خشبياً يتسع لعشرة من أشداء الجنود اليونانيين .
وجُر الحصان سرا الى مقربة من أبواب المدينة المحاصرة وفي داخله ما عُبيء به من جند اشداء ، ثم أنسحب الجيش سرا من حول المدينة وكأنهم فارين من وحش كاسر .
فوجيء الطرواديون بانسحاب الجيش اليوناني وانطلت الحيلة عليهم ، واعتبروا أنفسهم منتصرين بفضل حصان خشبي جبار ، هابط من السماء ربما .
سحبوا الحصان الفخ إلى داخل المدينة للاحتفال بنصر زائفٍ موهوم .
وتجمعوا حوله راقصون ، مغنين ، مستبشرين ، وشاربين للأطنان من النبيذ الطروادي اللذيذ ، ليثملوا ويناموا في الشوارع والحارات ، بعضهم فوق بعض وقد التفت الساق بالساق .
وإذ حل الليل خرج الجنود اليونانيين من الحصان وفتحوا أبواب المدينة من الداخل ودخلها الجيش اليوناني ليحرقها ويسلبها ويسبي الحسان الطرواديات .

-2-

حصان طروادة الأمريكي الذي عنونت به مقالتي هذه ، هو تلك الرموز البغيظة الهزيلة التي أدخلها الأمريكان معهم لإشباع أوهمانا الإسطورية عن لا عراقيتنا ... !
عن إسلامنا ... تسننا الدموي الجميل ... تشيعنا وإنتمائنا لآل البيت العامر الأصيل الذي يشكل الفرس أبرز أركانه ...!
تنوعنا الطائفي الذي يصلح لتمزيق لحمة العراق على أسس شريفة عادلة حسب وهم دعاة التمزيق من الإيرا-عراقيين ، والأعراب أرباع العراقيين ممن يعيشون على بركات القرضاوي وبن لادن وأشياخ الفتنة في السعودية وقطر ومصر المحروسة .
حصان طروادة للإختراق الأمريكي ( الذي طبلنا له بفرح أول الأمر وإذ به لعنة في يومنا هذا) ، هم عملاء الفرس الذين تاجروا ولا زالوا يتاجرون بدم الحسين حتى يوم الله هذا ...!
وهم أذيال العرب من بعض العراقيين ممن لا يستطيعون أن يعيشوا إلا على ذكريات المجد العربي العنصري القذر والإسلام الوهابي التكفيري السلفي القميء .
حصان طروادة الأمريكي هذا ، هو تلك القيادات التي تنظر للعراق من خلال عيون الماضي ، عيون الطائفة المظلومة والطائفة المنصورة .
أما الظلم القومي الذي وقع على الكرد ، فهذا شأن آخر ، أكبر من أن تغطيه بعباءة إمام أو ولي فقيه .
هذا حالة مختلفة كل الإختلاف ، لأن الكرد أمة كبيرة ، حقيقية ، فسيحة ، لم يتسنى لها الحضور بسبب مؤامرات التاريخ والاعيب السياسة .
حصان طروادة الأمريكي ، هي تلك الرموز التي لو رفعت عنها عباءاتها وشذبت لحاها وغسلت وجوهها بماء الفرات ، لما بان لك فرق بينها وبين أي عراقي آخر .
وليت ماء الفرات قادر على غسل القلوب وتنقيتها .
ليته والله قادر على ذلك .
أحد الخصمين اللدودين ، يقول :
أن الفيدرالية الشيعية رحمة للعراق كله ، لأنها ستخلصنا من إرهابيو الوسط وستعزز الأمن والسلام في العراق كله .... !
لا أدري والله كيف أنجو من الزرقاوي الأمريكي إذا طردت من الجنوب العراقي نصف مليون سني ومسيحي وأرمني وصابئي ... !
لا أدري كيف سأتخلص من الزرقاوي الأمريكي الموهوم المزعوم إذا ما مزقت العراق على أساس الطوائف ؟
لا أدري ماذا سأفعل بسنة بغداد من العرب والكرد والتركمان !
وماذا أفعل بسنة سامراء ...!
أم إنني سأنقل مرقد الهادي والعسكري من هناك إلى النجف أو الكوفة ليحتميا بجيش المهدي من بعثيو مقتدى الصدر .. !
هل سمعتم بهراء مثل هذا الهراء ... فيدرالية الطوائف رحمة للعراق كله ، لأنها ستخلصنا من إرهابيو الوسط وبعثيوه .
ويرد عليه عدوه اللدود قائلا :
إذا حجبتم البترول عنا ، أغرقنا الجنوب بماء الفراتين ، أو منعنا الماء عنكم ، حتى تستبدلوا برميل البترول ببرميل ماء .
لا أدري من أجاز لهذا أو ذاك ، أن يتقاسما ثروات العراق بينهما ، وكأن العراق عراقهما حسب لا عراق تلك الملايين العريضة من العرب والكرد والتركمان والكلدان والآشوريين وووووو !
وكأن العراق ... عراق الضاري و الحكيم ... !
ومن ورائهما العجم والعرب ... !
الحقيقة ... لا يلام الرجلين ولا غيرهما من لصوص العراق الجديد ، فكل هؤلاء صنائع امريكية في زمن الفوضى الجميلة التي أطلق عنانها الأمريكان ليمزقوا العراق وغير العراق في حملة إستراتيجية تاريخية ستستمر إلى أمد طويل مرير .
الأمريكان يدعون أنهم أرتكبوا أخطاء فادحة في العراق .
هذه كذبة أخرى كبيرة من أكاذيب الأمريكان ... !
لا ... حاشاهم ... بل إنهم كانوا مدركين تمام الأدراك لما هم فاعلين ، ولكنهم يريدون أقناعنا بأنهم أخطأوا ، ليجتذبوا العطف ويشغلونا زمنا بهذا الوهم الجميل ، الذي سيفسره البعض على أن إسلامنا وطوائفنا على صواب ، والعلمانية والرأسمالية والحرية الأمريكية ليس إلا كومة أخطاء إستراتيجية قاتلة .
لا ... الأمريكان لم يخطأوا حين فتحوا الحدود للإرهابيين الوهابيين والقومجيين السوريين وحثالات القاعدة وإيران .
الأمريكان لم يخطأوا حين فتحوا الحدود على مصراعيها للإيرانيين ليدخلوا بمئات الآلاف كل عام بذريعة الزيارة وهم مثقلين بما خف وزنه وغلا ثمنه من الحشيشة والأفيون والكوكايين ، لإفساد الشباب العراقي ، بل والعربي عامة عبر منافذ الخليج وغيرها .
والأمريكان كانوا مدركين لحجم الفوضى التي فتحتوا قماقمها حين أجازوا نظام الحكم المحلي وتركوا الحكومات المحلية في البصرة والنجف وغيرها تتاجر علنا مع الإيرانيين وتهرب ثروات العراق إلى هذا البلد مقابل شحنات الحشيش والسلاح لقتل العراقيين لبعضهم البعض .
والأمريكان كانوا واعين تمام الوعي لهذا التسرب المبكر لعشرات الآلاف من العراقيين الذين عاشوا في إيران منذ ما يفوق الربع قرن ، وتسللوا دون تأهيل سالف من حكومة قوية حازمة رشيدة .
وتخيل قارئي العزيز معنى أن تعيش في بلد أجنبي قرابة الربع قرن .
اي لغة تحسن وأي ثقافة تجيد وأي فكر تحمل ، ولمن سيكون ولائك بالدرجة الأساس .
الأمريكان أجرموا بحق العراق جرائم تفوق تلك الدفعة الصغيرة التي وجهوها إلى الطاغية الهزيل الذي كان يمكن أن يسقط بغير هذا لو إنهم كانوا يريدون فعلا خدمة العراق والعراقيين وحماية الأمن الإقليمي وتعزيز الديموقراطية في الشرق الأوسط .
لا أشك أن الأمريكان كانوا عارفين تمام المعرفة ، حجم اللعنة التي تعشعش في الجسد العربي والإسلامي عامة .
لعنة هذا الإنشقاق التاريخي الكبير الذي أوجده محمد رحمه الله حتى قبل مماته ، حين أوحى للناس بأنهم سيفترقون وسيتقاتلون زمنا طويلا على ميراثه السياسي والفقهي .
أو ليس هو القائل تفترق أمتي إلى أثنان وسبعون فرقة ، كلها في النار إلا واحدة .
كان إيحاءاً دمويا باكرا لهم للإفتراق ، بعد أن وحدهم الرجل برهة .
واحدة فقط هي الناجية أما البقية في النار مع اليهود والمسيحيين والبوذيين واللاادريين والشيوعيين .
لا أشك في أن الأمريكان أحسنوا الإنتفاع بأوهامنا وأساطيرنا ، وسيفعلون غدا ذات الأمر في السعودية والبحرين واليمن ومصر وغيرها متى أرادوا أو تطلبت إستراتيجيتهم ذلك .
وحسبنا الله ونعم الوكيل .

-3-

لو لم يكن هناك زرقاوي ... لأوجد الأمريكان الف زرقاوي .
ولو لم يكن هناك مقتدى الصدر ، لأبدع الأمريكان ألف مقتدى .
ولو لم يكن هناك مقاومة شريفة أو عاهرة ، لأوجد الأمريكان تلك المقاومة ولعبوا بها هنا وهناك ، كما هم لاعبين بالصدر والزرقاوي وووو .
أما تلاحظ أنهم بين الفترة والأخرى ، يوجهون لطمات صغيرة هنا وهناك لجيش المهدي لإيقاظه من سباته كلما شاءوا إعادة تكرار ذات اللعبة السمجة .... !
وذات الأمر يفعلونه مع عصابات البعث والوهابيين وغيرهم ... !
إنه فن الفوضى الجميلة وخلق الأعداء بدلا من أن يُخلقوا بإرادة ذاتية ، فيكونوا أعداء حقيقيين يصعب التغلب عليهم .... !

________________________________________________________________
أوسلو في ال2 من نيسان 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم