الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآخر في كل الأديان--2من 20---المنبوذين

سلطان الرفاعي

2006 / 4 / 5
حقوق الانسان


في الهندوسية يدخل المرء بالولادة وذلك بدون استثناء. ولا يمكن تجاوز هذا المبدأ . يمكن أن يتعاطف إنسان مع الهندوسية، ويطبق فلسفتها على صعيد الفكر، ولكنه لا يستطيع أن يصير عضوا في طبقة إلا بالولادة.((الولادة هي أيضا المعنى الأساسي للفظة السنسكريتية جاتي)). ولذلك توصف الهندوسية أيضا بأنها ديانة شعب، لأنها غير منفتحة على كل الناس، بل مرتبطة بالانتماء إلى شعب معين، في حين أن الأديان الجامعة، كالمسيحية والبوذية واليهودية والإسلام، تتميز بأن أي إنسان يمكنه أن ينتمي إليها.
لا وجود في الهندوسية لعقائد ملزمة لكل الهندوسيين. فالفشنوية هي توحيدية. أما أتباع غانيشا، فصحيح أنهم يفضلون عبادة الإله المحبوب غانيشا، الممثل برأس فيل، ولكنهم يعترفون إلى جانبه بوجود آلهة أخرى لها مهام خاصة. محفل آلهة الفيدا كان متعدد الآلهة. فلسفة السامكية التي لا تعتمد على آلهة تُقيم، إلى جانب عبادة الذكر، طقوس إخصاب سحرية وعبادة الالهات أمهات.
ولا يناقض هذا الأمر أن الهندوسيين الأتقياء (يخرجون) من مجتمع الطبقات، ولكن ليس بصفة كونهم (مارقين) مرزولين، بل بصفة كونهم (مهاتما)، أو (صادهو) أو (سفامي) محترمين. هؤلاء الزهاد يسعون انفراديا إلى خلاصهم الشخصي. غير أن إمكانية مسلك روحي في الحياة خارج المجتمع، يكون مقبولا اجتماعيا، لا يشكل بالنسبة إلى نظام الطبقات أي تهديد، بل هو بالحري متنفس وعامل استقرار. وعلى كل حال فالهندوسية التقليدية قد جعلت من الخروج عن المجتمع أمرا نظاميا: فعلى الهندوسي المثالي، في المرحلة الأخيرة من حياته (أشرما)، أن يعيش كزاهد متجول لا منزل له ولا ممتلكات، ك سمنياسي قد تجرد عن كل شيء، ولا يسعى بعد إلا إلى خلاصه من دورات الولادة. ولك يشترط أن يكون قد أدى في مسرى حياته واجب طبقته كرب عائلة، وأن يكون قد اهتم بخير أسرته وأنجب أولادا. واجب الطبقة هو الواجب الشخصي والتقوى الشخصية ل (سفادهارما). وهو ما يقابل على الصعيد الشخصي أل (دهارما)، وهي شريعة الكون التي تحافظ على سير العالم.
ثمة تيارات شمولية بل دولية في الهندوسية الحديثة، ترفض كل ارتباط طبقي. غير أنها مستوحات من إيديولوجيات المساواة الغربية. ولا تمثل على الإطلاق جوهر الهندوسية فالهندوسية هي نظام اجتماعي براتبي مرتبط بما يفوق العالم، نظام اجتماعي متأصل في الدين، ونفهم بالدين السعي إلى الخلاص المتسامي - ومن ثم يبدو من الموافق الجواب عن السؤال عن (((((الآخر))))) في الهندوسية من خلال تصور نظام الطبقات الهندوسي. فا((((((لآخر))))) في الهندوسية هو الذي ينتمي إلى الطبقة عينها. ولكن ما هي الطبقة؟
إن كل طبقة تُحدد من خلال علاقتها بالطبقات الأخرى في ((نظام طبقات)).
إن نظام الطبقات الهندوسي لم ينشأ في السنوات الخمسين الأخيرة، ولن يزول في السنوات الخمسين القادمة. إن لنظام الطبقات تاريخا يعود إلى أكثر من خمسة ألاف سنة. وتمتد بعض جذوره إلى أزمنة ما قبل التاريخ حتى إلى العصر الحجري.
من المعالم الأساسية للفكر الديني أنه يقسم العالم إلى ميدانين: العالم الحاضر والعالم الآخر الذي يسمو العالم الحاضر. هذا العالم يُعد (دنيويا) والآخر (مقدسا) العالم الدنيوي هو جانب الأشياء اليومي والمألوف والقليل الإثارة. ولكن وراءه يحتجب ، شيء أساسي مختلف عن هذا العالم الدنيوي ، شيء مغاير تماما ، وهو بالتحديد المقدس . هذا المقدس لا يظهر في العلن ببساطة، غير أنه يمكن أن يظهر للمؤمن في أمكنة خاصة، وفي أزمنة خاصة، في أشياء أو نباتات أو حيوانات معينة. وتُنسب للمقدس قوة خاصة. وبإزائه يفقد كل ما هو دنيوي أهميته. من يؤمن بأنه عرف يوما المقدس، يوجه كل فكره وسعيه وعمله بحسب مقاييس القيم والأهداف التي يرسمها له العالم الآخر. وقد يحمله هذا على تصرفات قد يعجز عن فهمها الإنسان الدنيوي.
إن قدر القوة التي يتضمنها المقدس يبقى في النهاية مجهولا، وعلى غرار كل مجهول فالمقدس يثير أيضا القلق في الإنسان. ولذلك يتصرف المؤمن بإزائه بحذر عندما يظهر له. مثل هذه التصورات الدينية تكتسب أهمية اجتماعية - وبالتالي أهمية بالنسبة إلى نظام الطبقات- عندما يُعتبر الناس مقدسين خارج أماكن أو أزمنة أو نباتات أو حيوانات أو أشياء معينة. وبالإضافة إلى ذلك ثمة تدرج في القداسة. ويُقسم العالم إلى تراتبية من المقدس إلى الأقل قداسة. فبعض الأشياء هي أقدس من غيرها. ويقابل ذلك أن بعض الناس هم أيضا أقدس من غيرهم.
بحسب نظرة كثير من الديانات القديمة، تتجمع القوة المقدسة التي تختزنها أشياء أو أشخاص في شبه سائل مادي، دعي في علم الأديان ((مانا)) وهذه اللفظة مستقاة من الديانة الميلانيزية، ولكن الظاهرة موجودة في كل مكان. فهذه ((المانا))، تُمنح لأشياء أو لأشخاص بقدر مختلف. والأمر الحاسم هو أن ((مانا)) يمكن أن تنتقل. فان سائل القوة السحرية ينتقل باللمس أو أيضا بمجرد الاقتراب منه. فينتقل المقدس إلى الدنيوي.فإذا كانت القوة المقدسة خطرة ومفاجئة، وإذا كانت تنتقل، فتجب ملاقاتها بحذر. فلمس المقدس هو على العموم خطر للذين هم أقل قداسة. ومنع اللمس الناجم عن ذلك، المرتبط بمصطلح ألمانا ارتباطا لا ينفصم، يدعى ((محرما)) فالأشياء أو الأشخاص المحملة بالمانا هي محرمة على الضعفاء. وبخلاف ذلك يمكن أن يكون لمس الدنيوي خطرا على المقدسين. وسبب ذلك هو أن اللمس قد يرتبط بفقدان القداسة. ولكن من جهة أخرى يختبر الأقل قداسة نموا في القداسة. وفقدان القداسة يعُد فقدانا للطهارة. إن تقسيم العالم إلى مقدس ودنيوي يتوافق مع التقسيم إلى الطاهر والنجس. فمن خلال لمس الدنيوي أو ما هو أقل قداسة يصير المقدس نجسا.
ولكن ماذا يجري عندما يُنتهك النهضرورية.مس، وعندما يتصل المقدس بالدنيوي والطاهر بالنجس؟ في هذه الحالة تصير طقوس التطهير ضرورية. ومثال ذلك طقوس ((الوضوء)).--وخارجا عن طقوس الوضوء، يمكن الحصول على الطهارة أيضا من خلال لمس أشياء مقدسة بنوع خاص، وبالتالي طاهرة طقسيا.
إن إمكانية التعارض بين الطهارة الدنيوية والطهارة الطقسية تتبين على سبيل المثال من أن روث البقر، يُعد في الهندوسية طاهرا من الناحية الطقسية، لأنه يصدر عن حيوان مزود بقوة نفوذ مقدسة. ولذلك يمكن استماله للتطهير ألطقسي لمكان الطعام مثلا.
---يتجنب القائم في رتبة أعلى مؤا كلة من هو أدنى منه، فيما خلاف ذلك من هو أدنى قداسة يسعى إلى رفع شأنه من خلال تلك المؤا كلة .
--- نظام الطبقات يقسم المجتمع الهندي إلى جماعات وفرق يسيطر بعضها على بعض ويخضع بعضها لبعض. في المراتب الاجتماعية يُحدد مقام كل طبقة بحسب الفرق الأخرى التي ترتبط بها عادة. كل طبقة تحاول أن ترفع مقامها: فالاتصال بالطبقات الدنيا يفقدها مقامها، أما الاتصال بالطبقات العليا فيُكسبها مقاما أرفع. كل طبقة تحذر الانحدار إلى الأدنى، وتسعى للارتفاع إلى الأعلى.
تطلب الطبقة من الفرد الانفتاح على الجماعة. فما يفعله أحد ليس شأنه الخاص وحسب، بل يرتد على الجميع. تطلب الجماعة خير الفرد بحسب قاعدة الجماعة. المكان الثابت للفرد في الجماعة، والارتباط الاجتماعي المتماسك للفرد بالطبقة يعنيان الحماية والأمان للذين يتكيفون مع الجماعة، ولكنه يعني الإكراه والتضييق للانعزاليين.الضغوط الجماعية تحمل على السعي إلى وسائل خلاص فردية. إن تعاليم الخلاص الفردانية، التي تبدأ بالخروج من المجتمع المدني، للوصول إلى التخلص من كل الرباطات الدنيوية، نشأت في الهند تقريبا في الزمن عينه الذي نشأ فيه نظام الطبقات.
---كان مهاتما غاندي مصلحا اجتماعيا ومتدينا عميقا. صحيح أنه لم يرفض نظام الطبقات من أساسه، غير أنه أدان بشدة المعاملة غير اللائقة ((للذين لا يجوز لمسهم))، الذين فضل أن يدعوهم ((هاريجان )) هاريجان يعني (ابن الله). كل أديان العالم تدعو الله بنوع خاص صديق الذين لا صديق لهم، وعون الذين لا عون لهم، ونصير الضعفاء، من يمكن أن يكون في الهند أكثر افتقارا إلى الصداقة والعون أكثر من الهندوسيين العبيد الذين يُنعتون ((بالذين لا يمكن لمسهم)؟ وبالتالي فان كان ثمة قسم من الشعب يلائم أن يدعى أبناء الله فهم بالتأكيد هؤلاء المنبوذين الذين لا عون ولا صديق----على الصعيد الاجتماعي هم كالبرص، وعلى الصعيد الاقتصادي أسوأ من العبيد، وعلى الصعيد الديني يُحرم عليهم أن يستعملوا الشوارع العامة والمدارس والمستشفيات والينابيع وقنوات المياه ومواقف السيارات وما شابه ذلك، بالطريقة عينها التي يستعملها أعضاء الطبقات الهندوسية.. في بعض الحالات يُعد اقترابهم على مسافة محددة جرما اجتماعيا، وفي حالات أخرى تعد نظرة منهم إهانة. إنهم ملزمون بالسكن في أردأ الأحياء، حيث لا وجود عمليا لأية منشآت صحية.
المحامون والأطباء من طبقات الهندوسيين لا يقدمون لهم أية خدمات. إنها حقا لمعجزة أن يتمكنوا بعد من البقاء على قيد الحياة، وأن يمكثوا في مناطق الهندوسيين. وقد انحطوا إلى درجة أنهم لا يستطيعون أن يثوروا على قاهريهم---
مركز الشرق للدراسات الليبرالية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رشوا السياح بالمياه.. سكان برشلونة يتظاهرون ضد السياحة المفر


.. لحظة اعتقال الشرطة الإسرائيلية لمتظاهر في تل أبيب




.. رئيس وزراء بريطانيا الجديد ينهي خطة لترحيل اللاجئين لرواندا


.. شهيدان بينهما موظف أونروا جراء قصف إسرائيلي قرب مخزن مساعدات




.. رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين ?