الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمامة اكس بي بروفشنال

طالب جانال

2006 / 4 / 5
كتابات ساخرة


لان المدينة من حوله امست هذه الايام مكتظة باصحاب العمائم مختلفة الاشكال والالوان ،واستجابة لرغبة داخلية عارمة في مواكبة عصره مخافة أن يبدو شاذا،فقد اختار بملئ ارادته الصلبة ان يعتم واحدة انتقى شكلها وسطا بين الاشكال.
ولان المدينة،ثانية،من حوله باتت مهووسة بالكومبيوتر والانترنت حتى وصلت منزله اخيرا، فقد اختار لون عمامته زرقاء كلون الواجهة الترحيبية لنوافذ مكروسوفت اكس بي بروفشنال.
في اول اطلالة له بمظهره الجديد في حيه السكني، اخترقت اوتاد الدهشة والذهول اجساد رواد المقهى المجاور وسمرتها على كنباتهم . ولاول مرة في تاريخ ممارستهم للعبة الدومينو لم يكترثوا اطلاقا لاحتمال موت ال(دوشيش) بين ايديهم . عجز الاطفال المبثوثون في الزقاق عن الاتيان باي رد فعل معتاد في هكذا مواقف ، لم يهتفوا ساخرين، لم يرموا حجارة ، ولم يركضوا وراءه،بل اكتفوا مذهولين واحدهم يحدق بوجه الاخر . ثم شعر الجميع كأن لحظة سكون كونية تغمرهم من اخمص اقدامهم حتى قمة خيالاتهم ، حد ان احدى العجائز الثرثارات ، في المساء التالي ، حلفت اغلظ الايمان لاحفادها المتحلقين حول برنامج الرسوم المتحركة في التلفزيون على انها هجست اجنحة الملائكة وهي ترف بخشوع حول عمامته السماوية المهابة.
خلال الايام، ألحت عليه فكرة انه ربما لايقل عن الكمبيوتر ذكاء ،ثم تعمق لديه احساس طاغ بانه ربما يكون برنامج معلوماتي انما يسير على قدمين بشريتين ، ثم ترسخ اعتقاده فحزّ في نفسه ان لايكون بمقدوره التعامل مع نافذة برنامجه كما يتعامل مع نوافذ البرامج الاخرى. غير انه ، وكما تعود دائما عند مواجهته لمشكلة عويصة ، توصل الى حل منطقي بعد اعتزال درامي لامور البيت والزوجة استمر لاسبوعين ، خلالهما ، جن جنون زوجته لما لم تجد أمامها زوجا حقيقيا يسمع ثرثرتها في الليالي الطويلة فصرخت به ، وهزته ، ونقرته ، ونكزته ، واخيرا ضربته بنعليها الثقيلين لكن دون أن يهتز له موقف.
تلخص حله العبقري للمشكلة بان وضع بكل بساطة مرآة كبيرة تشبه مرايا الساحرات أمام وجهه النوراني لتنعكس صورته المبجلة فيها ، وليبادر بالتالي الى رسم ايقونات دالة على احواله الخاصة والعامة على شريط عناوين عمامته الازرق.ففي أقصى اليمين وضع ايقونة باكية ، وفي أقصى اليسار أخرى ضاحكة ، وبينهما وزع ايقونات معبرة عن الغضب والجوع والعطش والحب والكره. وفي خضم فوضى الانفعالات والمشاعر تلك لم ينسى قط أن يرسم واحدة محايدة تماما في منتصف المسافة تعبيرا عن عقلانيته واحساسه المفرط بروح العدالة.
رغم انه أصبح بمقدوره الان ، في المرآة ، رؤية نفسه نافذة حقيقية لبرنامج معلوماتي الا ان مشكلة أخرى قد برزت امامه أقلقته وأقضت مضجعه الليلي لزمن اضطر خلاله وعلى مضض ان يتجاهل شتائم زوجته القاسية : اذ كيف بامكانه التعامل مع نافذته كما يتعامل مع نوافذ البرامج الاخرى مع افتقاده للفأرة ومؤشرها السحري؟. تيقن بانها مشكلة وجيهة فبحث بكياسة نادرة وتجاهل تام لما تقوم به زوجته عن مخرج لها لعدة ليال أخرى ، حتى قاده تفكيره الرزن الى مجموعة خيارات لحلها ، كان اسخفها ، أن يستعير ذراع زوجته الثقيلة.وكان محقا جدا عندما استبعد هذا الخيار سريعا من مجموعة خياراته . فزوجته من الغباء والثرثرة بحيث قد لاتنتبه لايعازاته الصوتية دائما ، أو قد تختلط لديها الاصوات رغم انتباهها فتحتار لايها تستجيب ، أو ربما تستجيب لها جميعا فتقوم بتنفيذها في آن واحد فتختلط الاوامر والايقونات مؤدية الى فوضى رقمية تلحق الضرر بالنظام كله. هذا ، ناهيك عن الصعوبة والاحراج الملازمين لاصطحاب الانثى ، رغم انه لايشعر في قرارة نفسه بانها انثى ، الى مجالس لايرتادها الا الفحول.
بعد اعتزال اخر ، اكثر طولا وهولا من الاول على زوجته ، وبمعونة قوى غيبية خيرة اهتدى اخيرا الى حل اعتبره هبة من السماء،فبفضل امتلاكه لبعض القدرات الباراسايكولجية الخارقة ، توصل الى ايجاد حالة من الاتصال التليباثي بينه وبين ايقونات شريط عناوين عمامته. فبمجرد الرغبة في احداث حالة شعورية معينة ، كالبكاء مثلا ، في مستمعيه فما عليه سوى تركيز جلّ قواه الذهنية في الايقونة الدالة على تلك الحالة فتومض ويبدأ البرنامج الملحق بها بالعمل فورا. يخطئ من يظن ان عملية حصوله على هذه النتيجة الباهرة كانت هينة ، على العكس، فقد كلفته اراقة الكثير من دماء الوقت والجهد ، ومواجهة غضب زوجته العارم التي ألحقت بالسطح الخارجي لوجهه المبجل العنيد خارطة سريالية من الشروخ والكدمات والتورمات.
شاع في المدينة انه قد ظهر خطيب مفوه لايشق له منبر ولا مسجد ولا مذبح. يعبر يوميا من هذا الصوب الى ذاك الصوب ، ومن ذاك الى هذا . ما ان يعتلي رؤوس القوم حتى يسوقهم من أقصى أيقونة في يمين عمامته الى أقصى واحدة في يسارها. يستطيع في خطبة واحدة الايعاز الى ايقوناته ،واحدة واحدة،لتنتقل حالاتها الى القوم باسرع من عفريت سليمان . وقد وصل الحماس بالبعض درجة ان يتباهى امام زوجته غير المصدقة أن بامكان الرجل خلط اكثر من ايقونة ،لوشاء، بل كلها كرة واحدة لتختلط تبعا لذلك حالات القوم وتصير حالة واحدة داخ علماء اللغة في ايجاد اسم او صفة لاستيعابها. لذلك كنت ترى الاماكن التي يأمها تمتلئ عن بكرة قاعاتها وفناءاتها وخارج اسوارها العالية لدرجة انك لو رميت دبوسا صغيرا على رؤوسهم لما وصل الارض.
درّت عليه خطباته مبالغا هائلة احتار اين يخبئها، اذ لم يبق في الدار مأمن ولم يمتلئ عن اخر خباياه بالاوراق النقدية التي حرص ان تكون اما بالفئات الكبيرة او بالدولار. فرأت زوجته والحالة هذه انها ربما أبدت الكثير من عدم المبالاة تجاه اهتمامات المسكين الذي يبدو انه صار يجهد نفسه كثيرا في أمور دينه ودنياه .لآمت نفسها على تقصيرها وقررت انه من صلب الوفاء لواجباتها تجاه شريك عمرها العزيز ان تساهم ولو قليلا في تخفيف العبء الثقيل عن كاهله. عليه فقد شمرت عن ساعد الجد وشرعت تنقل عن طيب خاطر رزما تزداد في كل مرة من تلك الفئات الكبيرة دون ان تمس من قريب أو بعيد رزم الدولار التي كانت تراها أقل شأنا ، الى منزل عائلتها الذين لم يجدوا بدورهم حرجا في التصرف بها ، وخاصة ان واجب القرابة يحتم ذلك كما صرح السيد الوالد بعلو صوته.
استيقظ ذات صباح من النوم فاحس بوهن في عضلاته وضعف غريب يسري في اطرافه ، وعندما اشتكى حاله لزوجته أكدت هذه انه انما تعرض للعين مقترحة عليه تبخير نفسه ب(الحرمل) عسى العيون الشريرة تتركه لحاله. غير انه أبى ورفض وأحتج باباء واصفا مقترحها بالغبي الجاهل ، اذ كيف يمكن لاخر منجزات تكنولوجيا المعلومات ان تصاب بالعين؟ . بعد ذلك تباطأت حركاته وباتت كلماته تحتاج لكثير من الوقت كي تخرج من بين شفتيه الورديتين الطريتين. وبتقدم الحالة اصبح يطرح افكارا ومقترحات لايعنيها ولم يسبق له الاعداد لها على الاطلاق. بل الادهى انه احيانا ،في خطباته على رؤوس القوم ، كان يعرض لبضائع ومنتجات لم يرها في حياته بالمرة. لا ، بل ثالثة الاثافي انه في احدى المرات صار يسرد لمستمعيه قصصا جنسية خليعة. كل هذه التراكمات المخزية جعلت مريديه ومستمعيه يتساءلون فيما بينهم ان كان الجشع قد اوصله حدا تحول معه من خطيب محترم الى مجرد مرّوج لبضائع التجار أو قواد.
بعد اعتزال زوجي اخر لتدارس المشكلة بمساعدة بعض مجلات المعلوماتية هذه المرة ، تيقن ان برنامجه مصاب بالفايروسات والجواسيس التي ربما انتقلت اليه بعد ربطه برنامجه بالانترنيت قبل أيام طلبا لزيادة الكفاءة وتحديث المعلومات خاصة التاريخية منها ذات الوفرة من الارقام والتي تجهده كثيرا. وبغية ايجاد حل علمي دقيق وحاسم لما يعانيه فقد وجّه خطوته نحو ارتياد نوع من المكتبات لم يألف ارتيادها ، واسواق اصدارات كان يتجنبها فيما مضى، فوجدها جميعها توصيه بانزال برامج خاصة لمكافحة هذه الافات. اشتراها جميعا وانزلها مجريا مسحا شاملا عاما لبرنامجه وسط دعوات زوجته ورجاءها الحار ان يشفى من كل مكروه. الا ان المشكلة ظلت باقية كما هي.
هذه المرة لم يفكر لا في الاعتزال ولا في الاعتكاف قط ، بل أدرك ببصيرة ثاقبة ان مشكلته عويصة حقا وان مفاتيح حلها توجد بعيدا عن متناول يد ممكناته ، فرجع الى مصادره العلمية التي أوصته جمبعا ان يعيد (فرمتة) نفسه. وبما انه لم يفقه من تعليمات الفرمتة شيئا فقد وجد خلاصه في اللجوء الى مكتب برمجيات مرموق والاتفاق معهم على ان يفرمتوه......
اخترقت اوتاد الدهشة والذهول اجساد رواد المقهى القريب من منزله وسمرتها الى خشب كنباتهم القاسي يوم رأوه مرتديا سروال جينز سمائي و(تيشرت)زاهي الالوان ، ومتأبطا ذراع فتاة مراهقة يختلط شعر راسها الطويل من الخلف بشعر راسه الطويل ويتطايران معا في الهواء ، من دون اكتراث للعيون المفتوحة على وسعها والمحيطة من كل حدب وصوب بجسديهما المتشابكين ، او الانتباه لتلك المتلصصة من خلل الابواب والنوافذ والكوى نصف المشرعة ، ولا لعينين عجوزتين كانتا تتقافزان، من خلف الزجاج السميك لنظارة طبية مشروخة ، ما بينهما وبين مجموعة احفاد متحلقين حول برنامج الرسوم المتحركة في التلفزيون ، وغير المنصتين لصوت جدتهم الواهن وهي تجهد نفسها في رواية كيف ان الملائكة تحوم بخشوع حول زرقة سرواليهما السمائيين المهابين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب